بعيدا عن ضجيج حملة الانتخابات العامة التي أيقظت الخطاب القومي في البوسنة، لا يحرك موظفو مصنع بيتكو بريسيزا سوى حافز واحد، هو إتقان المنتج الذي يتسلمه زبائنهم.. فالمسلمون الذين يشكلون الأكثرية في غوراجدي شرق البوسنة يعملون جنبا إلى جنب مع الصرب في بلد لا تزال الانقسامات الطائفية عميقة فيه بعد حوالي عشرين عاما على حرب 1992-1995. وأكد أمير كوراليتش المدير التقني لمصنع بيتكو بريسيزا، أن «الاقتصاد لا يعرف الحواجز ومؤسستنا لا تهتم بطائفة الإجراء أو جنسياتهم. قيمة الرجل هنا يحددها ما يجيد القيام به». وعلى رغم الأزمة الاقتصادية،
يشهد هذا المصنع توسعا مطردا، منذ أسسه في 2005 على الضفة اليمنى لنهر درينا رجل الأعمال رادزو بيتكو الذي يمضي معظم وقته وسط عماله ويتجنب وسائل الإعلام. ويعمل فيه اليوم 540 شخصا منهم 45 مهندسا، وتسعى الإدارة إلى زيادة عدد العمال إلى ألف في غضون ست سنوات. وهذا ما يتناقض مع الصورة العامة لهذا البلد، أحد أفقر البلدان في أوروبا، حيث تشمل البطالة %44 من اليد العاملة. وينتج بيتكو بريسيزا قوالب الضخ البالغة الدقة المخصصة لأن تستخدم مكونات من البلاستيك أو من السبائك للسيارات، أو أدوات تثبيت خشبة التزلج، لماركات مثل فيشر وماركو، كما يقول لوكالة فرانس برس أحد مسؤولي الشركة منصور بردار.
وأضاف «نقوم بتصدير ما يفوق %95 من إنتاجنا إلى أوروبا الغربية والولايات المتحدة والمكسيك». لكنه لم يكشف عن رقم الأعمال. وتعرب الشركة عن افتخارها بزبائنها. وفي داخل المصنع، تعرض في الواجهات مكونات مصنوعة ومرفقة بشعارات شهيرة. ولا تغيب شركات ألمانية ذائعة الصيت لصنع السيارات كبورش وبي.أم.دبليو وأودي وفولكس فاجن ومرسيدس. وأكد بردار أن «بورش لم تصنع مكونا واحدا لسياراتها خارج ألمانيا أبدا. أما اليوم، فهي تصنع قطعا لسياراتها في ألمانيا وفي غوراجدي». وتعمل المحامية ناتاسا دانويليتش (37 عاما) في هذه المؤسسة منذ سنة ونصف. وهي صربية وتسكن في فيسيجراد التي تبعد 40 كلم عن مدينة غوراجدي الموجودة في الكيان الصربي للبوسنة. وقالت: «إنها مؤسسة أوروبية فعلية تتعامل معك طبقا لمؤهلاتك وليس طبقا لانتمائك الديني».
رأب الصدع ومنذ نهاية الحرب التي حصدت مئة ألف قتيل في البوسنة، انقسم هذا البلد إلى كيانين الأول صربي والثاني كرواتي مسلم. وتبدو هذه المؤسسة حالة فريدة في هذه الجمهورية اليوغوسلافية السابقة. وتعتقد شركات أخرى، حتى لو كانت ضئيلة العدد، أن التطور الاقتصادي والوفاق الطائفي ممكنان، شرط أن يزيد المسؤولون من جاذبية بيئة الأعمال للمستثمرين الأجانب. وفي مدينة درفنتا الصغيرة في الشمال والواقعة في الكيان الصربي، يعمل في حوالي ثلاثين مؤسسة أنشأت نصفها شركات نمساوية وألمانية وإيطالية أيضا، حوالي سبعة آلاف شخص في قطاع الإنتاج. وشركة مريزا نتوورك التي تأسست في 2005 وتوظف اليوم 350 شخصا، تخصصت في إنتاج الأسلاك الكهربائية لمعدات الورش خصوصا لمجموعة ليبهر وسيارات رياضية (فيراري ولامبورجيني وفورمولا 3)، كما قال لوكالة فرانس برس نائب المدير زوران توسيتش.
وينتمي موظفوها إلى المجموعات الرئيسية الثلاث في البوسنة (الصربية والكرواتية والمسلمة) ويعملون بانسجام تام. وقال توسيتش: إن «الاقتصاد هو أساس أي تطور، وإذا لم نعط الاقتصاد الأولوية، لن نخرج أبداً من دوامة الخلافات الطائفية». ويؤكد هذا الخبير الاقتصادي الخمسيني أنه إذا ما تمكنت السلطة التي ستنبثق من انتخابات اليوم الأحد من تأمين بيئة مستقرة سياسيا وملائمة للتنمية، سيكون في وسع رجال الأعمال البوسنيين أن يؤمنوا في غضون خمس سنوات 70 ألف فرصة عمل على الأقل في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 3.8 ملايين نسمة.