عدنان الحاج
تتسارع التطورات الأمنية والسياسية في لبنان والمنطقة، مما يبشر بصعوبة تحسن المؤشرات الاقتصادية والمالية، خلال وقت قريب، نظراً لحجم التراجع الذي أصاب معظم القطاعات الاقتصادية والمالية على صعيد القطاعين الخاص والعام في آن معاً، على الرغم من محاولات الترقيع على صعيد تنشيط المؤسسات العامة والإدارات شبه المعطلة، من المجلس النيابي إلى الحكومة الغائبة عن مقاربة الأزمات الحياتية المتصاعدة في المالية العامة، التي ستصطدم حكماً بصعوبة تمويل المستحقات للعام 2015، بين سندات بالعملات وديون وسندات بالليرة تفوق الـ 15 مليار دولار، من ضمنها عجز الموازنة المقدر بحوالي 5.2 مليارات دولار. يضاف الى ذلك قطاعات الكهرباء والخدمات، وصولاً إلى الشؤون الحياتية والاجتماعية المغيبة عن البحث أو مجرد المقاربة.
وكان ينقص لبنان تأخر معالجة أزمة العسكريين المخطوفين، التي انعكست مزيداً من الحذر وقطع الطرقات احتجاجاً، مما زاد من تفاقم الأزمة الحياتية، إلى جانب الأزمات الأمنية المتنقلة من منطقة إلى أخرى، في غياب المعالجات المقنعة لأهالي المخطوفين اولاً، ولرفع الضرر عن المتضررين ثانياً.
نمو مصرفي مقبول
1ـ على صعيد القطاع الخاص فإن التراجع سمة أساسية لقطاعات التجارة والصناعة والسياحة، باستثناء قطاعين يمكن التوقف عندهما وتناول استقرارهما، وهما قطاع البناء والعقارات والقطاع المصرفي.
أ- العنصر الآخر المؤشر على استقرار الأداء يتعلق بموضوع النشاط المصرفي الذي سجل نمواً مقبولاً، في ظروف تشغيلية صعبة محيطة بلبنان والمنطقة، وهو مازال حتى الآن المموّل الأكبر للقطاعين العام والخاص، لاسيما بالنسبة لتسليفات الدولة التي يزيد عجزها السنوي عن 5 مليارات دولار (حسب موازنة العام 2014 حوالي 7700 مليار ليرة). وهنا تكمن صعوبة تمويل القطاع العام مع تدهور المؤشرات وتردي المالية العامة.
فنشاط القطاع المصرفي لم يكن أفضل من سائر القطاعات بالنسبة للتأثر بالظروف، فقد تراجع نمو موجودات القطاع المصرفي من 6 مليارات دولار في العام الماضي إلى حوالي 4,8 مليارات دولار. بالنسبة إلى حركة الودائع فقد تراجع نموها من 6,1 مليارات دولار إلى حوالي 5,1 مليارات دولار، بنسبة قدرها حوالي 17,3 في المئة في سبعة أشهر مقارنة بالفترة ذاتها من السنة الماضية.
لقد نمت التسليفات حوالي 4,2 في المئة مقابل حوالي 4 في المئة للفترة ذاتها من العام 2013 والسبب أن حوافز مصرف لبنان على القروض المدعومة أعطت نتائج بضخ حوالي 1200 مليار ليرة خلال العام الحالي.
أما القطاعات المتراجعة فهي لا تُحصى ويمكن سرد بعضها:
القطاع السياحي تراجع على مدى السنوات المتتالية بأكثر من 8 إلى 10 في المئة في المواسم، مع ان الوافدين اللبنانيين زاد عددهم بشكل كبير وهم ليسوا سياحاً.
القطاع الصناعي تراجعت صادراته حوالي 27 في المئة في سبعة أشهر وسجلت الصادرات حوالي 1800 مليون دولار مقابل حوالي 2400 مليون دولار للفترة ذاتها من العام 2013. كذلك تراجعت الصادرات الزراعية حوالي 11 في المئة وهي معدلات كبيرة نتيجة الظروف، وتنذر بنمو البطالة.
ارتفاع بيوع العقارية
1ـ أما القطاع العقاري، فقد ارتفعت المبيعات العقارية خلال الأشهر السبعة الأولى من السنة وبداية الشهر الثامن، بنسبة قدرها حوالي 10 في المئة، نتيجة تزايد القروض المصرفية للقطاع السكني على الشقق الصغيرة والمتوسطة، وبلغت قيمة المبيعات العقارية حوالي 5,2 مليارات دولار، مقابل حوالي 4,6 مليارات دولار للفترة ذاتها من العام 2013. كذلك انعكست هذه القضية في تسليمات الأسمنت. كما سجلت رخص البناء زيادة ملحوظة قاربت 9 في المئة. لكن هذه المؤشرات تأثرت خلال الفترة الأخيرة نتيجة تزايد التطورات الأمنية والسياسية، لكنها لم تتوقف كما توقفت الطلبات على الشقق الكبيرة والفخمة. المؤشر السلبي في الأمر أن العديد من مالكي العقارات من العرب والخليجين باعوا بعض عقاراتهم في مناطق جبلية وساحلية بسبب الظروف، وإن بقيت محدودة حتى الآن، لكنها تنمو بشكل ملحوظ تبعاً لتصاعد التطورات الأمنية والسياسية.
المالية العامة: غياب الإحصاءات
2- بالنسبة لوضع المالية العامة للدولة، تكفي الإشارة إلى غياب إحصاءات نتائج الخزينة، منذ الفصل الأول، للدلالة على صعوبة الوضع المالي. هذا مع الإشارة إلى أن حساب الخزينة يتضمن حالياً حوالي 4600 مليار ليرة، على الرغم من وجود مستحقات كثيرة للمتعهدين والمستشفيات، وغيرها من الأمور التي جرت معالجة بعضها بشكل مؤقت، وهي مستحقات ليست قليلة. الخطوة الأساسية التي نفذتها وزارة المالية، لتأمين الرواتب لموظفي القطاع العام، كانت من خلال إقرار قانون بقيمة 680 مليار ليرة لتغطية رواتب الشهرين الأخيرين من السنة الحالية. كما استعمل وزير المال مبالغ من بند الاحتياط لتغطية رواتب شهر 10، على اعتبار أن اعتمادات الموازنة كانت تغطي الرواتب حتى شهر ايلول فقط، هذا من دون تغطية كلفة غلاء المعيشة التي دفعت لموظفي القطاع العام.
تكفي الإشارة ايضاً إلى أن الدين العام سجل في نهاية الشهر السابع ما قيمته حوالي 65,7 مليار دولار، بزيادة حوالي 5,6 مليارات، وبنمو على صعيد سنوي قدره حوالي 9 في المئة، بعدما كان سجل حوالي 10 في المئة للعام الماضي. ولا وجود لنمو اقتصادي بأكثر من 1,5 في المئة في النظرة المتفائلة جداً.
البطالة ترتفع %10
تبقى إشارة إلى ان الرساميل الوافدة في سبعة أشهر، بلغت حوالي 10,1 مليارات دولار أكثرها من اللبنانيين العاملين في الخارج، على اعتبار أن الاستثمارات الخارجية والعربية والتجارية تراجعت بأكثر من 60 في المئة، لغياب المشاريع التي تخلق فرص عمل. أما البطالة فقد زادت 10 في المئة متأثرة بحركة النزوح السوري، إضافة الى تقلص فرص العمل في القطاعات الاقتصادية، وحتى في الدولة التي تحصر توظيفاتها بالقطاع العسكري، نتيجة تردي الوضع الأمني. اما تقلص فرص العمل الخارجية في وجه اللبنانيين فهي تنمو وتزداد تبعاً لتردي الوضع في المنطقة وغياب المعالجات اللبنانية.
تحسُّن نشاط البورصة في 9 أشهر
بلغت تداولات البورصة حتى نهاية شهر أيلول من العام 2014 حوالي 75 مليوناً و753 الفاً و389 سهماً قيمتها حوالي 517,1 مليون دولار، مقابل حوالي 31 مليوناً و12 الف سهم للفترة ذاتها من العام 2013، قيمتها حوالي 212,8 مليون دولار، أي بزيادة نسبتها حوالي 144,2 في المئة من حيث العدد وحوالي 142,9 في المئة من حيث القيمة. السبب في هذه الزيادة الكبيرة يعود لعمليات استبدال وتغيّر ملكيات بعض الأسهم المصرفية الكبرى وعمليات محدودة على الأسهم الأخرى.
أما القيمة السوقية للأسهم المتداولة في بورصة بيروت فقد بلغت قيمتها حوالي 11ملياراً و75 مليون دولار، مقابل حوالي 10 مليارات و543 مليون دولار لنهاية أيلول من العام 2013، أي بزيادة قدرها حوالي 531 مليون دولار ونسبتها 5.04 في المئة. هذه الزيادة نتيجة تحسن أسعار بعض الأسهم الرئيسية لاسيما أسهم سوليدير والأسهم المصرفية، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي. هذا بالرغم من استقرار عدد الأسهم المدرجة مع بعض التغييرات في عدد الأسهم القليلة وعدم إدراج أسهم جديدة بشكل ملحوظ.
مع الإشارة هنا إلى أن هذا التحسن في القيمة والعدد والرسملة السوقية، يأتي في ظل ظروف تشغيلية صعبة واستمرار عناصر ومؤثرات لها صلة بأسعار بعض الأسهم التي ما تزال تتداول بأقل من قيمتها الحقيقية الاقتصادية، كذلك مع بقاء الرهان على إمكانية تحسن الأسعار مع توافر عناصر الاستقرار، وبالتالي الرهان على إمكانية تحسن الاسعار وتحقيق أرباح من هذه الأسهم، لاسيما أن تحسن الأسعار الجزئي طرأ على معظم الأسهم مع تراجعات بنسب أقل على الأسهم الأخرى.
وتشير النتائج خلال الأشهر السبعة الأولى إلى تغيرات في اسعار الأسهم، حيث ارتفع سهم سوليدير «أ» بنسبة واحد في المئة وأقفل على سعر 11,99 دولاراً مقابل حوالي 11,88 دولاراً لنهاية أيلول من العام 2013. في حين ارتفع سهم سوليدير «ب» بنسبة 2,65 في المئة وأقفل في نهاية الفصل الثالث من العام 2014 على سعر 12 دولاراً مقابل حوالي 11,69 دولاراً للفترة ذاتها من العام 2013.
كذلك تحسن سهم بنك بيبلوس المدرج بنسبة 8,67 في المئة وبعض الأسهم التفضيلية لبنك عودة وأسهم بلوم وشهادات الإيداع بنسبة ملحوظة، كذلك التحرك الجزئي لأسهم بنك بيروت وتراجع الأسهم الأخرى بنسبة متفاوتة.
إنجازات وهمية
يبقى الحديث عن قطاع الخدمات من كهـرباء ومـياه وأوضـاع صحـية وتقديمات تربوية ترتفع بشكل غير محتمل. وهي أمور تبرز من خلال الكلفة العالية لتعدد فواتير المياه والكهرباء التي تأكل، نتيجة التقنين والشح، قيمة الحد الأدنى للأجور، بين اشتراكات مولدات خاصـة وشراء المياه مضافة اليها فواتير كهرباء الدولة ومصالح المياه وازدواجية فواتير الهاتف بين المنزلي والمحمول، وهي باتت من المشكلات المزمنة والملازمة لمقومات المعيشة في لبنان إلى مدى غير منظور. ومع ذلك لا تغيب الأحاديث والتصاريح عن بال المسؤولين في تعداد البطولات لمكافحة الاحتكار والحد من الفساد وتعداد الإنجازات الوهمية على صعيد البلد والمربحة للمصالح الشخصية وشعارات الابتزاز فقط.