IMLebanon

البنك الدولي عن لبنان: النخب السياسية تربح من امتيازاتها

Akhbar
محمد وهبة
ليس لبنان حالة فريدة في المنطقة، حيث تطغى المصالح الخاصة «الدنيئة» على ما عداها في تحديد سياسات الدولة وتطبيقها. هذا ما يمكن استخلاصه سريعاً من التقرير الجديد الصادر عن البنك الدولي تحت عنوان «الوظائف أو الامتيازات: إطلاق الإمكانات لخلق فرص العمل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا».

فالتقرير المذكور يقول إن «بلدان المنطقة العربية تجد نفسها مضطرة إلى مواجهة واقع أليم، هو أنها لن تستطيع خلق ما يكفي من الوظائف لمئات الآلاف من الشباب الذين يدخلون سوق العمل كل سنة لو استمرت اقتصاداتها على ما هي عليه الآن. وسيتواصل السخط الشعبي الذي تشهده المنطقة جنباً إلى جنب مع الخمول الاقتصادي الذي تعاني منه على نطاق واسع. فما الذي يمكنها عمله لتغيير هذا الوضع؟».
قد لا يكون البنك الدولي هو الجهة المخوّلة الاجابة عن السؤال المطروح، ولا سيما في ضوء موقعه في «العولمة» المحققة ووصفاته «المجرّبة» التي أدت إلى المزيد من المأسي في العالم. الا ان انتقاد نظام «الامتيازات»، او ما يسمى «رأسمالية الاصحاب» او «الغنائمية»، يعبّر عن «المأزق» الذي يعانيه البنك الدولي في دراساته الحديثة في المنطقة، بعد عقود من تمجيد «السياسات» نفسها التي ادّت الى تسجيل اعلى معدّلات البطالة بين الشباب العرب ورفع منسوب الهجرة وتراجع النمو وانهيار نموذج التنمية.

يقول البنك الدولي إن هناك مشكلة «تكمن في السياسات القديمة العديدة التي لا تزال تحمي مصالح مؤسسات الأعمال المملوكة للنخب المتمتعة بنفوذ سياسي». ويظهر التقرير إلى أي حد تؤدي تلك السياسات (الموضوعة لمنع المنافسين أو ردعهم مع السماح للنخب بجني الأموال بسهولة أو «التربح») إلى تشويه نهوض الاقتصادات بعملها الطبيعي بحيث «اصبحت الصلات السياسية أكثر أهمية للنجاح من روح الابتكار».
يدّعي البنك الدولي ان البيانات الرسمية «لم تتوافر إلا بعد الربيع العربي في عام 2011»، ما اتاح لباحثي البنك الدولي الفرصة للمقارنة بين الأداء المتعلق بخلق فرص العمل بالمنطقة من جهة، وبين السياسات التي تشكل هذا الأداء من جهة أخرى. وتكشف هذ البيانات «كيف ان الشركات المرتبطة بأنظمة الحكم تحصل على مزايا أو امتيازات تجارية بلا وجه حق». وتكشف «أن القوانين والتشريعات السارية توفر الحماية للمتنفذين بدلاً من أن تشجع المشاريع الجديدة، وهو ما يقلل من فرص تحويل الأفكار الجيدة إلى مشاريع جديدة. ففي المتوسط، لا تشهد المنطقة سنوياً سوى إنشاء ست شركات ذات مسؤولية محدودة فقط لكل 10 آلاف شخص ممن هم في سن العمل، في مقابل معدل قدره 20 شركة في المتوسط في 91 بلداً نامياً، وما يصل إلى 40 و 80 شركة في شيلي وبلغاريا، على الترتيب». يعني ذلك، بحسب التقرير، أنه على الرغم من وجود أكثر من 65% من سكان معظم بلدان المنطقة في سن العمل، فإن طاقة أعداد متزايدة من الأيدي العاملة تذهب هباء إلى حد بعيد. وبدلاً من أن يشغلوا الوظائف العالية الإنتاجية التي تحتاج إلى مهارات (كالعمل مثلاً في صناعة برامج الكمبيوتر) يضطر الكثيرون من ذوي التعليم الجيد نسبياً الباحثين عن عمل إلى الالتحاق بقطاعات خدمية متدنية الإنتاجية في مجالات تجارة التجزئة، والفنادق والمطاعم، وهي وظائف غالباً ما تكون قليلة المزايا ولا توفر الكثير من فرص الترقي».
يشير التقرير إلى النمو الاقتصادي الضعيف في المنطقة خلال العقدين الأخيرين، لافتأ إلى أنه كان مدعوماً بالتغيرّات الديموغرافية فيما كانت الإنتاجية متدنية. أما خلق الوظائف فقد كان ضعيفاً جداً وقاصراً عن استيعاب أعداد الوافدين إلى سوق العمل. نتج من هذا الأمر بطالة مرتفعة ووظائف في السوق غير النظامية. حال لبنان قد تكون الأسوأ بحسب المؤشرات الواردة في التقرير. فالشركات الناشئة البالغة الصغر أسهمت بنحو 177% من صافي فرص العمل الجديدة في لبنان خلال الفترة الممتدة بين عامي 2005 و2010. واللافت أن الشركات الأكثر خلقاً للوظائف هي الشركات المجهرية الناشئة، اذ «إن غالبية الوظائف الجديدة في لبنان وتونس ناتجة من المؤسسات الجديدة خلال فترة بدايتها. وتبيّن أن العدد الأكبر من الوظائف ولدته المؤسسات التي لا يتجاوز عدد مستخدميها 4 أفراد. والمؤسسات المجهرية الناشئة ولّدت نحو 66 الف فرصة عمل في لبنان بين عامي 2005 و2010». تتركّز هذه الوظائف في الأعمال المتصلة بالخدمات، فعلى سبيل المثال تبلغ حصة الوظائف في قطاع الصناعة 16%، فيما تبلغ حصّة الإنشاءات نحو 7% وحصّة تجارة التجزئة 13%… لكن الحصّة الأكبر هي للأعمال التي لا تصنيف واضحاً لها وتأتي ضمن «وظائف أخرى» بنحو 57%. هكذا تبدو حصّة الوظائف من القطاعات ذات القيمة المضافة أو القيم المرتفعة ضئيلة جداً.
يبحث هذا التقرير في حقبتي نظامي حسني مبارك في مصر وزين العابدين بن علي في تونس لاكتشاف الأسباب، لكنه، كعادته، لا يورد أمثلة عن النمط اللبناني، فالبنك الدولي اعتاد ان يجلد من يسقط فقط ويغازل القوي.
ويشرح أن «هناك قلّة من الشركات المدعومة سياسياً التي حصلت على امتيازات عزلتها عن المنافسة وأدّت إلى خلق ظروف غير متساوية تقوض نمو القطاع الخاص وفرص العمل. حصلت هذه الشركات على حصرية، وأحياناً عبر ولوج انتقائي، إلى مدخلات إنتاج رخيصة الثمن (التمويل، الكهرباء، العقار…)». ويضيف التقرير: إن «تركز الشركات ذات الصلات السياسية في قطاع الخدمات الأساسية خفض أداء هذه القطاعات وزاد أسعار السلع والخدمات، وأسهم في نفخ أسعار الصرف». على الضفة المقابلة، أي أولئك الذين لا نفوذ سياسياً لهم، أي ملايين العاملين والمستهلكين وأصحاب مشاريع العمل الحرّ «يتحمّلون الثمن وهم غافلون عما لتلك السياسات من آثار على الفرص التي يتطلعون إليها».
يختم التقرير بنصيحة مفادها: «إذا لم تتمكن بلدان المنطقة من التخلص من هذه الامتيازات، فلن يكون بمقدورها بلوغ مستوى خلق فرص العمل التي هي في أمس الحاجة إليه (…) اذ بمقدور الحكومات أن تحقق قفزات ضخمة في خلق الوظائف من طريق إصلاح السياسات التي تحمي الشركات ذات الامتيازات، وهو ما يشجع بدوره على المنافسة ويضمن تكافؤ الفرص لجميع الشركات.
يعرض التقرير تحليلاً شاملاً لما يصيب المنافسة من أضرار بسبب الامتيازات التي تحصل عليها الشركات ذات العلاقات السياسية. ففي مصر، تراجع نمو الوظائف نحو 1.4 في المئة سنوياً حين دخلت شركات ذات علاقات نفوذ قطاعات جديدة. ويوضح أن 71 في المئة من الشركات ذات العلاقات السياسية في مصر، والتي لا تشكل سوى 4 في المئة من جميع الشركات، تبيع منتجات يحميها ما لا يقل عن ثلاث حواجز فنية على الواردات. وفي تونس تعمل 64 في المئة من الشركات ذات العلاقات السياسية في قطاعات تخضع لقيود على الاستثمار الأجنبي المباشر مقابل 36 في المئة فقط من الشركات التي ليس لها علاقات سياسية. يقول مارك شيفباور، الخبير الاقتصادي في البنك الدولي والمؤلف الرئيسي للتقرير، إن «الشركات الجديدة والمبتكرة تواجه مجموعة من العقبات في بيئة الأعمال المنتشرة لأنها تفيد عدداً قليلاً من الشركات ذات العلاقات السياسية».