Site icon IMLebanon

الغطرسة بذرة فناء الشركات العملاقة: متوسط عمر الشركة من 68 الى 18 عاماً

FinancialTimes
جون جابر

الشركات الناجحة جداً والمرموقة على نطاق واسع غالباً ما تحتوي على بذور دمارها. عندما تنحى السير تيري ليهي من منصب الرئيس التنفيذي لشركة تيسكو قبل ثلاثة أعوام، كانت ثاني أكبر شركة تجزئة في العالم تبدو في حالة ممتازة. فقد اعتصرت منافسين مثل جيه سينزبوري وأسدا، وتوسعت في آسيا وأوروبا الشرقية والولايات المتحدة، ولا تزال تملك طموحاً غير محدود. وقالت بفخر في تقريرها السنوي لعام 2010 “إننا نعكف على تطوير عمل من أجل المستقبل، مع نمو مستدام لأعوام مقبلة”.

مع ذلك، مجموعة التجزئة كانت على وشك أن يُطاح بها. ودخلت في حالة اضطراب بعد تعيين الرئيس التنفيذي، ديف لويس، ليتولى المسؤولية من فيليب كلارك، الخليفة المهزوم للسير تيري. وكشفت أنها بالغت في تقدير توقعات أرباحها في العام الأول بمقدار 250 مليون جنيه. وتم إيقاف أربعة مسؤولين تنفيذيين ويجري البحث عن مدير مالي جديد.

منذ مغادرة السير تيري، تشوّهت نتائج تيسكو وسمعتها مرة تلو أخرى. فقد أغلقت “فريش آند إيزي”، تجربتها المشؤومة في تجارة التجزئة في الولايات المتحدة. وأسواقها الكبيرة تتعرض للهجوم ليس فقط من سينزبوري وويتروز، لكن أيضاً من سلاسل متاجر التجزئة الألمانية “ألدي” و”ليدل”. وتبيّن أخيرا أن النيابة العامة تحقق في سلسلة هومبلاس المحلية على خلفية ادعاءات بأنها تبيع معلومات الزبائن.

إن كون تيسكو تفقد بريقها بسرعة كبيرة يبدو أمراً لم يكن يمكن تصوّره عندما غادر السير تيري بعد توليه المنصب لمدة 14 عاماً، وخروجه على أنغام أنشودة تسبيح من المساهمين والمراقبين، الذين أُعجبوا بأسلوبه المتواضع. “الغطرسة خطأ شائع وواحد آمل أن أتجنّبه”، هذا ما كتبه السير تيري في كتابه “الإدارة في عشر كلمات”، الذي يحتوي على دروس من نجاح تيسكو، مثل: “المنظمات رديئة للغاية في مواجهة الحقيقة”.

الحقيقة هي أن سقوط تيسكو لم يكن أمراً غير قابل للتصور، وحتى لم يكُن مستبعَداً. قصة الشركة المهيمنة التي تهزم منافسيها شر هزيمة لعقد من الزمن وتدخل إلى أسواق جديدة بكل سهولة، لا لشيء إلا لتتباطأ وتعاني أزمة، هي قصة شائعة. لقد حدثت باستمرار لشركات أمريكية، من مايكروسوفت إلى إيستمان كوداك، ولشركات بريطانية لامعة، من ماركوني إلى بنك لويدز.

في كثير من الحالات كانت الشركات تبدو في وضع جيد تماماً قبل أن تتباطأ – الشركات ذات الأداء المذهل هي التي ينبغي القلق بشأنها. لقد وجدت إحدى الدراسات في “هارفارد بزينس ريفيو” أن “معظم الشركات التي تتسارع على نحو ينتهي بها إلى التباطؤ، تشهد تقدّماً غير مسبوق (…) تماماً قبل تراجع معدلات النمو”. وقدّرت الدراسة أن 87 في المائة من الشركات الكبرى في الولايات المتحدة والعالم قد تعرّضت لتباطؤ بعد فترة طويلة من النجاح.

يقول تيري سميث، مؤسس مجموعة إدارة الأصول “فاندسميث”: “إن معظم الشركات لا تنهار فجأة. إنها مثل تحطّم قطار بالحركة البطيئة، لكن يصدق المستثمرون الكلام الفارغ الذي يلقيه المديرون بإسهاب عن نجاحهم بعد فترة طويلة من وجود علامات التحذير. وبعض هذه الشركات النجوم الساقطة تتمكن من تجميع صفوفها والتعافي من إهاناتها، لكن شركات أخرى لا تتمكن من ذلك”.

والشركات الأكثر نجاحاً تحتوي على بذور دمارها بطرق متنوعة. مثلا، يصبح التنفيذيون راضين عن أدائهم إلى حد التهاون وتجاهل المنافسين الجُدد، اعتقادا منهم أن أسطورتهم الخاصة التي يمتلكونها هي معادلة لا تُقهر. كذلك الشركات لا يصبح لديها مجال للنمو في أعمالها الأساسية والأسواق المحلية والاستثمار في أسواق جديدة غير مألوفة. كما أن الأسواق والتكنولوجيات يتم إعادة ابتكارها من حولهم.

كتب جوزيف شومبيتر، الاقتصادي الذي صاغ عبارة “التدمير الخلاق” لوصف العملية التنافسية: “التقدّم الاقتصادي في المجتمع الرأسمالي يعني الاضطراب والجيشان”. وغالباً ما يبدو كما لو أن الحجم والبنية التحتية لا بد لهما أن توفرا الحماية للشركات، لكنهما في الواقع يبقيان عُرضة للتآكل والدمار وأن يتم التفوّق عليهما. ففي 1958 متوسط عمر الشركة في مؤشر ستاندر آند بورز 500 كان 61 عاماً، وبحلول 2012 انخفض إلى 18 عاما.

واستنتج جيم كولينز، الكاتب الأمريكي في مجال الإدارة، في كتاب “كيف يسقط العمالقة”، قائلاً: “مهما كان مقدار ما أنجزته، ومهما كان المدى الذي وصلت إليه، ومهما كانت القوة التي حصلت عليها، فأنت مُعرّض للتراجع”. وبعد مرور الأحداث، نرى الآن أن تيسكو وقعت في فئات مخاطر متعددة. فقد استثمرت بكثافة في الخارج، بعد أن حصلت على حصة تبلغ 32 في المائة من سوق البقالة في المملكة المتحدة. وكان لديها زعيم مُهيمن (هذا إن لم يكُن مبهرجاً) مع كادر إداري حوله واثق من نفسه. وقد حافظت الشركة على توسيع ميزانيتها العمومية من خلال إضافة ديون لتغذية توسّعها العالمي.

التحدي الأساسي الذي تواجهه الشركات الكبيرة هو الحجم بحد ذاته. فهي تنمو بسرعة لأنها قامت بابتكار منتج أو فتح سوق، لكن قانون الأرقام الكبيرة يعني أن هذا لا يمكن أن يستمر إلى الأبد. يجب عليها إما أن تقبل بمعدل نمو أقل، وإما ـ في الواقع ـ اتخاذ مزيد من المخاطر عن طريق الاستثمار في أنشطة تفتقر فيها إلى الغرائز والخبرات نفسها.

والغطرسة الاستراتيجية ليست فقط خطأ التنفيذيين ذوي الثقة المفرطة بالنفس. فغالباً ما يتم حثّهم على المبالغة في التوسّع من قِبل المحللين والمساهمين الذين يريدون لهم مواصلة إنتاج عوائد مرتفعة. يقول سميث: “إنها رقصة فودو غريبة. لن يقبل المساهمون أن الشركات لا يمكنها تحقيق نمو بنسبة 12 ـ 15 في المائة إلى الأبد، لذلك على المديرين التظاهر بأن الأمر ممكن”.

إذا كانت تيسكو محظوظة ولويس بارع، فإن الاضطراب سيهدأ ويستقر. وحتى عندها، سيتعين بذل جهد أكثر صرامة مما كان في أوج عهد السير تيري. وإحدى المقارنات هي جنرال إلكتريك الأمريكية التي احتاجت إلى عقد من الزمن قبل أن تتمكن من استعادة حماس المساهمين بعد تنحي جاك ويلش المتصلّب ذي الشخصية الجذابة عام 2001. وقد جاهد جيف إيميلت، خليفته، لأعوام من أجل إعادة تشكيل توقعاتهم.

هذا يُشير إلى ضرورة إضافة الكلمة الحادية عشرة في الإدارة إلى مُعجم السير تيري للمسؤولين التنفيذيين الطموحين. إذا حصلت على الفرصة لقيادة شركة ناجحة كانت قد أظهرت قدرة ثابتة وخارقة على التغلب على المنافسين والتفوّق باستمرار في العديد من الأسواق، عليك أن تنجو بجلدك.