يشعر مستثمرو الأسهم بالقلق. فهذا تشرين الأول (أكتوبر)، شهر عيد الهالوين وتقريباً جميع حوادث البورصة المعروفة عبر التاريخ. فبعد ارتفاع طويل، تُظهر الأسهم أكبر التقلّبات منذ أكثر من عام، في حين إن مؤشر ستاندرد آند بورز 500 يوجد الآن في منتصف الطريق تقريباً نحو تصحيح بنسبة 10 في المائة هو الأول بالنسبة له منذ أكثر من ثلاثة أعوام.
العوامل من انتشار فيروس الإيبولا إلى الاشتباكات في أوكرانيا وسورية والعراق تمنح سبباً للقلق.
من خلال حجب هذا الضجيج، تصبح المشكلة مألوفة. لقد ظل الرهان منذ أشهر ـ مثلما كان قبل عدة مرات خلال مرحلة الانتعاش الذي أعقب الأزمة التي دامت خمسة أعوام ـ إن اقتصاد العالم بقيادة الولايات المتحدة جاهز لإطلاق شرارة الإشعال وإظهار نمو قوي. والآن يعيد المستثمرون النظر بشأن ذلك الرهان.
لماذا؟ لقد أشارت محاضر اجتماعات الاحتياطي الفيدرالي الأخيرة إلى أنه متردد في رفع أسعار الفائدة أكثر مما كان يُعتقد. والأسواق تحب أسعار الفائدة المنخفضة – لكنها لا تحب قلق الاحتياطي الفيدرالي المتعلق بكون الاقتصاد ليس قوياً بما فيه الكفاية لتحمّل أسعار فائدة تكون أعلى من الصفر.
في المقابل، البنك المركزي الأوروبي أخذ الأسواق في الاتجاه المعاكس، ما أدى إلى خيبة أمل بسبب عدم الانتقال بعد إلى برنامج التسهيل الكمّي الشامل لشراء السندات. هذه الاستجابات ليست متناقضة، إذ يعتقد المتداولون أن منطقة اليورو لا تزال بحاجة إلى المساعدة، ويأملون أن تكون الولايات المتحدة قد تجاوزت مسألة المساعدة هذه.
في مثل هذه الظروف، التراجع وإلقاء نظرة على أسواق السلع يكون أمراً مساعداً. فهي “تخبر بالحقيقة” عن الاقتصاد العالمي، لأنها المكان الأول الذي تظهر فيه التغيرات في العرض والطلب على الأسعار. ومن خلال تحديد أسعار المواد الأساسية، فهي أيضاً تعمل على تحريك النتائج الاقتصادية. فما القصة التي تخبرها؟
لقد شهد قطاع النفط الأحداث الأكثر إثارة من الناحية الدرامية، مع انخفاض خام برنت ما يُقارب 24 في المائة منذ منتصف الصيف ووصوله إلى أدنى مستوياته منذ أواخر عام 2010، على الرغم من احتدام القتال في الشرق الأوسط، الذي عادة ما يؤدي إلى رفع أسعار النفط، لأنه ينطوي على خطر انقطاع الإمدادات.
ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، فإن أسعار النفط “تم تخفيضها بسبب العرض الوفير” وبسبب “النمو الضعيف للطلب على النفط”. وفي الوقت نفسه زادت الولايات المتحدة إنتاجها بفضل الزيت الصخري، ما أدى إلى انخفاض الأسعار. وترافق ذلك مع بدأ النفط الليبي العودة مرة أخرى. في غضون ذلك، تعيش كثير من اقتصادات العالم في حالة تباطؤ، في حين إن الولايات المتحدة بدأت التوفير في الوقود. وهذا يؤدي إلى أسعار منخفضة، ويعمل على تعزيز أرباح الشركات خارج قطاع الطاقة، ويحقق مكاسب للدولار.
هوامش الربح في الولايات المتحدة، وأداء سوق الأسهم الأمريكية، قياسا إلى بقية العالم، استفادا كثيراً من النفط الأرخص. لكن النفط الأرخص خبر سيئ بالنسبة للبلدان التي تعتمد على إنتاج النفط – والضحية الأكبر هي روسيا. فسعر خام برنت وقيمة الروبل يتحركان معاً خطوة بخطوة. وبالنسبة للأسهم الروسية، التي طالما كانت تبدو رخيصة، فقد انخفض مؤشر إم إس سي آي الروسي بنسبة 24.6 في المائة هذا العام وعاد تقريبا إلى مستوياته المنخفضة خلال أزمة شبه جزيرة القرم في الربيع الماضي.
وبذلك ربما وجد الأمريكيون الطريقة الأفضل والأسلم للانتقام من فلاديمير بوتين: إنتاج نفط أكثر واستهلاك أقل، إذ انخفض للعام التاسع على التوالي عدد الأميال التي يقود فيها الفرد الأمريكي سيارته.
في الوقت نفسه، المعادن الصناعية ضعيفة أيضاً. فقد انخفض مؤشر بلومبيرج للمعادن الصناعية بنسبة 37 في المائة عن أعلى مستوياته في مرحلة ما بعد الأزمة (و50 في المائة عن رقمه القياسي في عام 2007). وتلاشى في الأشهر القليلة الماضية انتعاش حدث في وقت سابق هذا العام. ولطالما كانت الصين أكبر مستهلك في العالم للمعادن على الهامش، وبالتالي هذا يعكس عودة القلق بشأن الاقتصاد الصيني.
أما بالنسبة للمعادن الثمينة، فهي عالقة في سوق هابطة. فقد انخفض الذهب بنسبة 38 في المائة منذ أعلى مستوياته في عام 2011 وبنسبة 11.5 في المائة منذ قمة انتعاشه الأخير في وقت سابق من هذا العام.
وسوق الذهب الصاعدة كانت بسبب مخاوف من أن سياسة نقدية متساهلة ستؤدي في النهاية إلى ارتفاع حاد في مستويات التضخم. وبالتالي كان شراؤه بمثابة وسيلة تحوّط ضد حدوث انخفاض في قيمة العملات.
وتظهر عمليات البيع الكبيرة ثقة متزايدة بأن برنامج التسهيل الكمّي لشراء السندات لم يعمل على إحداث التضخم. وهذا قد يُظهر أن البنوك المركزية لم تكن غير مسؤولة؛ لكنه أيضاً يُظهر أنها فشلت في إثارة الحياة في اقتصاد العالم.
هذا الأمر غير مُشجّع بشكل عميق. لكن بشكل عكسي، الاقتصاد الضعيف قد يدعم أسهم الولايات المتحدة. وأسعار الفائدة المنخفضة وأسعار المواد الأولية الأكثر انخفاضاً يعتبران أمراً جيداً لتحقيق الأرباح.
وتُشير أسعار السلع إلى أن التفاؤل الذي يقود الأسهم أمر في غير محلّه، لكنه أيضاً قد يمنع عملية بيع أكبر وأكثر خطورة.