IMLebanon

“عش العصافير” حاضن أحلام الطفولة الأرمنية

 jbeil-new-3ech-3asafir

 

تقرير آية يونس

 

من يعرف مدينة جبيل جيّداً، لا بدّ أنّه زار “شارع ارمينيا” فيها، وهو الحيّ الذي تأسس فيه دار للأيتام احتضن عددا كبيرا من ابناء ضحايا المجزرة التي ارتكبتها الدولة العثمانية ضدّ الشعب الأرمني والمشردين الذين لا مأوى لهم. ومازال الميتم حتّى اليوم يستقبل الأولاد الصغار ما دون الخمس سنوات، ويحتضنهم قبل نقلهم الى المياتم الأخرى للكبار الموجودة في مناطق ارمنيّة في لبنان.

سمي الميتم بعشّ العصافير لأن المكان كان كناية عن مساحة أرض كبيرة مزروعة بأشجار الليمون والزيتون التي تختبئ فيها العصافير. هو من أوائل المدارس التي جمعت الأيتام الأرمن بعد الحرب العالمية الأولى ومدّت يد المساعدة لهم على كافة الأصعدة. الأرض كانت ملك سيّدة دانيماركية تدعى ماريا جاكوبسن، وهي متطوعة انسانية اشرفت على انقاذ عدد كبير من الصغار وقدّمت لهم التعليم المهني بنفسها لكسب المال من عرق جبينهم.

 

jb3

بعد ان توفي افراد عائلتها ولم يبق لها أيّ وريث، قدّمت ماريا قبل موتها الأراضي للبطريركية الأرمنية وسجلتها باسمها على ان تبقى هذه الارض ذات منفعة وبعيدة كل البعد عن الاستثمار التجاري والسياحي ، بحسب ما افادنا بعض المعمرين الأرمن في الحيّ. كما طلبت دفنها على مدخل الميتم وهذا ما حصل. الميتم مؤلّف من المدرسة وغرفة طعام كبيرة وغرف نوم منفصلة عن مبنى المدرسة ومقسومة الى قسمين: مبنى للصبيان ومبنى للفتيات. وامام الميتم قرب البحر مساحة كبيرة تزرع بالخضر والفواكه من تين وزيتون وليمون وفلفل يعود مردودها المادي الى الميتم. كما يعتمد أيضاً على المساعدات المقدّمة من الخيّرين الأرمن واللبنانيين.

 

jb4

يقول سكان الحيّ الارمني أنّ هذا الميتم يحمل ذكرياتهم ومآسي شعوبهم التي اضطهدت وعنّفت. فعندما ينظرون اليه يشعرون وكأنهم في “ارمينيا” علماً أنّ عددا كبيرا منهم لم يزر بلدهم الأمّ، فقد ولدوا في لبنان ولم يعرفوا عن أرمينيا سوى تاريخها الحزين بسبب المجزرة التركيّة “الشنيعة” بحقّهم. ويقول أحدهم: “بعد المصائب الأليمة التي حلّت بأجدادنا أثناء الحرب العالميّة الأولى وهروب عدد كبير منهم الى لبنان وسوريا، نحن نتمسّك اليوم بالأماكن التي عاشوا فيها ونشعر بأنها أمانة تركوها لنا ويجب المحافظة عليها”.

jb5

هذا الحيّ الأرمني الجميل في جبيل، هو شاهد على ارادة الشعب الأرمني الصلبة والقويّة، وخصوصاً الصغار منهم، الذين تربّوا فيه على حبّ أرمينيا ولبنان معاً ومصرّون على أنّ الاضطهاد والعنف والقتل لا يمكن ان يقف يوما في وجه استمرار شعب ما في الدفاع عن بلده وأرضه ولو حتّى من بعيد…

 

jb6