Site icon IMLebanon

الأزمة المعيشية والخدماتية تسابق تردي المالية العامة…وسط غياب للدولة

Safir
عدنان الحاج

لا شك في ان مرحلة جديدة او عهداً جديداً، كما يحلو للبعض تسميته، قد بدأت مع الحكومة الحالية، وهو مرحلة وقف المعالجة للمشكلات وتمرير الممكن بالحد الأدنى من تظهير الانقسامات، على الصعيدين السياسي والأمني، في الأداء والممارسة، وكذلك على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، الذي لن يختلف كثيراً عن أداء الحكومات السابقة، وأن تعددت النظريات والتنظيرات القائلة بإمكانيات الإنجاز والأداء والتغيير وتحقيق النتائج ولو المرحلية منها .
هذا أمر يفترض مناقشته بالتفصيل لمعرفة نقاط التباعد من نقاط التلاقي بين حكومات الصف الواحد والحكومات المسماة ظلماً حكومات الوحدة الوطنية، أو التفاهم الوطني الظاهر والمضمر والمدروس أو المفروض. وهي عمليات واتفاقات شكلت تعطيلاً للعمل الوطني والخدمات العامة بفعل الخلافات والمعارضات من داخل الحكومة قبل خارجها .
ولا بد في هذه العجالة من التوقف عند بعض التحديات التي تتحول تدريجياً إلى أزمات تصعب معالجتها، في ظل تمدد الفراغ الاداري والانتاجي إلى معظم المؤسسات من جهة، وتزايد صعوبة الاستدلال الى ما يمكن تنفيذه في السياسات المالية والاقتصادية والاجتماعية، من جهة ثانية، على اعتبار أن الانجازات السياسية والمواقف الامنية تحول دون التوسع في الحد المطلوب من المشاريع، لتداخل المصالح الخاصة والعنتريات على حساب المصلحة العامة وهموم الناس. الحجة جاهزة دائما: سوء الاحوال في المنطقة والتخوف من انتقال موجات التوتر العالي إلى الداخل اللبناني من باب الانقسامات، بينما يغيب التوتر في كل انواعه عن التيار الكهربائي، حيث تغزو الأزمة والتقنين مختلف المناطق مكللة بتوقف المعامل وأعمال التجهيز والصيانة في الذوق والجية والبداوي، بسبب الخلافات السياسية، واحتجاج المياومين وإقفال أبواب مؤسسة الكهرباء. تكفي الإشارة إلى أن انتاج الكهرباء الذي تلبي البواخر التركية المستأجرة أكثر من 25 في المئة من الحاجة إليه (حوالي 280 ميغاوات) تدنى إلى حدوده القصوى نتيجة الأعطال والخلافات المالية إلى حوالي 1100 ميغاوات، بينما الحاجة إلى أكثر من 2800 ميغاوات و«الحبل على الجرار»، مع مجيء فصل الشتاء الذي تزداد فيه حركة الطلب على التيار، وترتفع فيه نسبة الاستغلال من قبل تجار المولدات المعلقين على شبكة التوتر العائدة للمؤسسة، متسللين بين الخلافات والعجز عن مكافحة التعليق والسرقات التي تصل الى أكثر من 57 في المئة في العديد من المناطق الخارجة عن سلطة الدولة وقدرة تدخل الوزارات المعنية، بينما لم تستطع شركات الخدمات نتيجة الظروف الأمنية والسياسية والفوضى من تحسين الجباية أكثر من 6.5 في المئة عل الرغم من كل المشاركات وتدخلات قوى الأمر الواقع .
الخطورة الأكبر ستظهر من خلال الفواتير المتراكمة التي باشرت مؤسسة الكهرباء طباعتها، والتي تحمل اعباء تراكمية على المواطن لمدة شهرين أو ثلاثة أشهر، وهو أمر سيجد المواطن نفسه عاجزاً عن تسديد تراكمها. ناهيك عن نمو كلفة فواتير المولدات التي لا تخضع لرقابة سوى في بعض المناطق المحدودة.
تصادف هذه الكلفة الإضافية خلال الأيام المقبلة، مع فواتير المدارس والحديث عن زيادة اقساط كبيرة حصلت وتحصل في المدارس والجامعات، بينما التعيينات السياسية والترضيات على حساب المال العام تحصل من دون دراسة كلفتها على المواطن وعجز الخزينة.
1 ـ بداية، يفترض الانطلاق من السياسة النقدية على اعتبارها الأساس في الاستقرار الاجتماعي. بالنسبة إلى المعالجات المالية فهي تتم بالتقسيط من قبل وزارة المالية التي أمنت الرواتب للقطاع العام لما تبقى من العام 2014 واصدارات شهادات الايداع وضمان السياسة المالية والمصرفية، لضمان استمرارية تمويل احتياجات القطاع العام وعجز الموازنة وهو بيت الداء في غياب امكانية تمويل هذه الاحتياجات حتى ولو وصل حساب الخزينة إلى 4600 مليار ليرة لتغطية نفقات ما تبقى من العام 2014. وهو أمر مرحلي مع ارتفاع وتيرة الأزمات في العالم والمنطقة وغياب ملامح المساعدات للدولة من الدول المانحة لتغطية بعض احتياجات كلفة النزوح السوري في الأغاثة والبنى التحتية وهو أمر يزداد صعوبة من دون مقاربات مقنعة.
2 ـ أبرز نقطة يمكن التوقف عندها هي مشاريع الاشغال التي ظهرت بأفضل حللها كما كل سنة مع الامطار الأولى التي قطعت الطرقات واظهرت هزالة المعالجات بدليل الطوفان الذي حصر الناس ساعات على الطرقات نتيجة تراكم المياه.
3 ـ الموضوع الآخر والمهم يتعلق بالسياسة المالية، بمعنى الموازنة العامة والنفقات والايرادات، في محاولة لضبط الإنفاق.
4 ـ قد يقول البعض ان سياسة استدانة الدولة يفترض ان تتغير باتجاه تحويل توظيفات المصارف الى القطاعات الاقتصادية والإنتاجية مما يكبر حجم الاقتصاد ويخلق فرص عمل ويزيد الايرادات، وليس حصرها في إقراض الدولة. هذا المنطق على اهميته لم يعد واقعياً على اعتبار ان تسليفات المصارف الى الدولة باتت بحدود 37 مليار دولار، مقابل تسليفات للقطاع الخاص تخطت 47 مليار دولار وهو رقم يوازي ويفوق بنسبة كبيرة الناتج المحلي اللبناني، وهذا معدل يعتبر مقبولاً بل جيداً في المعايير الدولية والعالمية لكنه لم ينعكس حركة نتيجة تراجع المؤشرات وتردي الأداء السياسي والأمني. لكن الأمر الأساسي والأخطر في لبنان، هو ان الأجواء السياسية القائمة والمستوردة من المنطقة، لم تعد تشكل حافزاً للاستثمارات في القطاعات الانتاجية بفعل عدم الاستقرار، ناهيك عن التشريعات المعقدة والروتين الاداري المعطل للعمليات الاستثمارية من جهة ثانية. وسعي العديد من القائمين على الوزارات الفعالة لتحقيق مكاسب بالنظر إلى الأماكن الجاهزة للسمسرة وتحقيق المكاسب على الأماكن الملحة لخدمة المواطن وتخفيف الأعباء عنه في ظل تراجع كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية وتقلص فرص زيادة المداخيل نتيجة نمو البطالة بمعدلات غير مسبوقة في السنوات الماضية. أما الحديث عن نمو الدين العام بمعدل 9+ و10 في المئة خلال السنتين الأخيرتين مقارنة مع تراجع النمو الاقتصادي إلى ما دون 1.5 في المئة، فهو كان وما زال بيت الداء الذي يعيد لبنان إلى منطقة الخطر في ظل صعوبة تحسين ايرادات الدولة مع تضرر مثلث النمو في لبنان وهو تراجع الصادرات الصناعية والزراعية أكثر من 28 في المئة وضرب المواسم السياحية والتجارية بشكل يفوق الـ50 في المئة على مدار السنوات الأخيرة. كذلك تراجع الاستثمارات الخارجية أكثر من 50 إلى 60 في المئة خلال السنتين الأخيرتين بحيث بقيت تحويلات اللبنانيين العاملين في الخارج المصدر الأساسي لتحسين حركة الرساميل الوافدة وتحسين شكل العجز في ميزان المدفوعات.
5 ـ في الموضوع الاجتماعي وتصحيح الاجور وتحسين القدرة الشرائية للأسرة، لا شك ان حكومة الرئيس سلام، من خلال التسريبات، لن تستطيع مقاربة تصحيح الأجور في القطاع الخاص نتيجة نمو شكاوى المؤسسات، وحتى انها تحل القضية على حساب المزيد من تقليص فرص العمل أمام الشباب في ظل النمو القياسي للبطالة وتراجع النشاط الاقتصادي.