IMLebanon

كل يوم تأخير في إصدار المراسيم التطبيقية خسارة حتمية للبنان…وبالتحديد للزبائن الأوروبيين

Nahar
سلوى بعلبكي

بينت الدراسات التي اجريت أن كميات الغاز الطبيعي الممكنة في لبنان تقدر بنحو 50 تريليون قدم مكعب وقد تصل الى 110 تريليون قدم مكعب. حتى الآن، ثمة ما يؤكد هذه الارقام بنسبة، فحتى ولو اعتمدنا الرقم الادنى فإن ذلك يعني عشرات المليارات من الدولارات لمصلحة لبنان في حال تمت الافادة من هذه الثروة بالطريقة الأمثل. ولكن المشكلة هي ان السلطة التنفيذية لم تبادر الى اصدار المراسيم التطبيقية للافادة من الثروة الموعودة.

الجهود التي بذلت لجعل استثمار هذا القطاع حقيقة هي خطوات مشجعة، ومنها مسألة انشاء الهيئة الناظمة لقطاع النفط. ولكن هذه الخطوة على اهميتها، لن تكون لها مفاعيل ايجابية اذا لم يتم الافراج عن المراسيم التطبيقية في مجلس الوزراء لتسير الامور على السكة الصحيحة على نحو يشجع الشركات ويحفزها، بما يساهم بشكل أكبر في اختصار المسافات نحو الإنتاج التجاري والأرباح.
ويعتبر الخبير النفطي يسار ناصر أن إنشاء هيئة قطاع البترول هو بالتأكيد خطوة متقدمة من الناحية التشريعية لبدء تنفيذ المشاريع الطموحة العائدة لهذا القطاع، إلا أن لبنان لا يزال أمامه طريق طويل لبدء حصاد ثمار ثروته، خصوصا وأن التأخير في اصدار المراسيم التطبيقية وإنشاء الصندوق السيادي الذي سيدير ثروات هذا القطاع ويجعلها أساساً لدورة اقتصادية جديدة تدعم النمو العام وتساهم في تخفيف دين الدولة، لا يزالان يشكلان عائقين كبيرين أمام السير قدما بالمشروع.
تقسيم المنطقة البحرية اللبنانية إلى 10 بلوكات هو خطوة ذكية، برأي ناصر، للمحافظة على الثروة الكامنة في كل بلوك وجعله جذابا لأي شركة تنوي الاستثمار في هذا القطاع. ولكن المشكلة الحقيقية التي تواجه لبنان في هذا السياق (الى البطء في اتخاذ القرارات على مستوى مجلس الوزراء)، هو التهديد الإسرائيلي الذي يهدد الثروة اللبنانية في البلوكات الجنوبية. فالخلاف الذي نشأ حول المنطقة الاقتصادية الخالصة بين لبنان، قبرص والدولة العبرية، يسمح وفق ناصر للكيان الإسرائيلي بالتسلل نحو مكامن الغاز في جنوب لبنان لاستثمارها لمصلحته مع ما يعنيه ذلك من خسارة لإمكانات هي لمصلحة لبنان.
والمشكلة أنه لا يزال أمام لبنان الكثير من العمل للافادة من ثروته، اذ برأي ناصر، قد تكون ثمة كميات صعبة الاستخراج وتحتاج الى أموال استثمارية كبيرة لإستخراجها. هذه الامور لا يمكن ان نتأكد منها قبل أن نبدأ العمل الجدي. وهذا ما حصل مع اسرائيل التي بينت الدراسات التي اجرتها أن ثمة كميات كبيرة من الغاز في احد حقولها، ولكن عندما بدأوا العمل وجدوا أن الحقل يحوي فجوات طبيعية ولكنها لا تحوي الكميات التي كانوا يتوقعونها.
كل يوم تأجيل في بت هذه الامور هو خسارة حتمية للبلد، وفق ما يقول ناصر “فالخسارة ليست في اننا لم نستطع ان ننتج الغاز، بل لأننا نخسر زبائننا ونعطيهم لإسرائيل وقبرص اللتين سبقتانا أشواطا على طريق الافادة من ثروة الغاز. فإذا لم يكن هناك زبائن، فإنه لن يكون في استطاعتنا الافادة من الغاز الذي ننتجه مهما كان انتاجنا كبيرا. ويشير الى ان زبائننا الطبيعيين هم الاوروبيون كونهم قريبين جدا منا. والمشكلة أن القبارصة والاسرائيليين وصولوا الى مكان اصبحوا متقدمين جدا في العلاقة مع الاوروبيين في موضوع الغاز. وثمة خوف من أن نصل الى مكان نتمنى فيه أن يزيد الاوروبيون استهلاكهم حتى نبيعهم، أو أن ندخل في حرب اسعار معهم لكي يكون لنا مكان، أو ان نفتش على زبائن جدد في الهند والصين وما وراء البحار، وهذا يكلفنا كثيرا”.
فإذا نظرنا لما يجري حولنا، فإن الكيان الإسرائيلي وقبرص واليونان قد أتمت مذكرة تفاهم للتعاون في ما بينها في مجالي الطاقة والمياه. وهو ما يعني أن أي إنتاج للغاز في هذه الدول يصبح تقنياً موجوداً للتسويق في أوروبا مع ما تعنيه (السوق الأوروبية) من أهمية حيال الكميات المطلوبة أو أسعارها. ويعتبر ناصر أن هذا التنافس سيجعل من أسواق لبنان المستقبلية شبه مقفلة من جهة الغرب (بالرغم من قرب لبنان الجغرافي من أوروبا وسهولة التصدير في هذه الحالة) ما يمنع لبنان من الافادة السريعة من تصريف غازه إلى هذه السوق المجدية اقتصادياً.
الى ذلك، فإن التأخير وهذا هو الاهم برأي ناصر “يسبب خسارة صدقيتنا والاهتمام العالمي بموارد الغاز التي لدينا، حتى أنه حتى ولو وافقت الشركات على بدء العمل فإنها تطلب وقتا اضافيا لكي تأتي بآلياتها وتأتي بفريق عملها وتبني الـ Plat form . وبمعنى آخر فإن تأخيرنا في هذا المجال هو تأخير لواردات محققة”.
إن هذا الواقع الجيوسياسي المعقد في المنطقة والمنافسة الشديدة بين الدول الكبرى وشركاتها لإيجاد وتوفير مصادر الغاز الطبيعي بأكبر الكميات وأرخص الأسعار، يجعل لبنان بحاجة إلى استراتيجية عاجلة لدفع هذا القطاع إلى الأمام بسرعة فائقة لضمان حمايته من الأخطار الخارجية وإنشاء شبكة أسواق للتصريف عبر مشاريع الأنابيب القائمة أو المخطط لها. ولا ضيم للبنان أن يختار شريكا أو شركاء عدة ما دام يستطيع أن يحمي الإنتاج والتصريف بأسعار تساهم في تدفقات نقدية مهمة لمصلحة الاقتصاد اللبناني الكلي.
هذا القطاع النامي قد يشكل الحلقة المفقودة لمعالجة مشكلات الدين والاستثمار في لبنان عبر إدارة رشيدة من خلال الصندوق السيادي الذي يساهم في النمو الآني والطويل الأجل عبر خطة سليمة موافق عليها من جميع الأطراف المهتمين ببناء أسس سليمة وقوية لاقتصاد معافى وقادر على الإنتاج المستدام لمصلحة الأجيال المقبلة.