ديفيد بيلينج
الحقيقة التي لا يعترف بها معظم الناس – على الأقل في طوكيو، رغم أنها مع ذلك مفهومة سرا – فهي أن ضعف العملة يعتبر بندا رئيسيا حيويا من خطط شينزو آبي ليرفع الاقتصاد، وهو ما يدعى آبينوميكس.
انخفضت قيمة الين بنحو 26 في المائة مقابل الدولار منذ أن أصبح واضحاً قبل عامين أن آبي كان عازماً على دفع سياسة التيسير النقدي الواسعة النطاق.
وقد ساعد ذلك على رفع الأسعار الاستهلاكية نحو رقم التضخم المستهدف من بنك اليابان بنسبة 2 في المائة بفضل ارتفاع أسعار الواردات، لكن هناك عقبة واحدة فقط وهي أن ضعف الين ربما لم يعد أمراً جيداً بشكل لا لبس فيه بالنسبة لليابان.
هناك عدة أسباب لذلك. أحدها أن فاتورة الطاقة في اليابان ارتفعت نتيجة لإغلاق جميع المفاعلات النووية العاملة، والبالغ عددها 48 في أعقاب كارثة فوكوشيما في 2011. هذا يعني استيراد النفط والغاز الطبيعي المسال بشكل أكثر بكثير، وغالباً من خلال عقود مكلفة على المدى الطويل، وهو ما يعد ضربة لميزان اليابان التجاري.
الين الضعيف يجعل الأمور أسوأ. ونتيجة لذلك، فقد انزلقت اليابان، التي بني اقتصادها على فوائض تجارية صحية باستمرار، إلى عجز شبه مزمن، وهي لا تزال تسجل الكثير من دخل الاستثمار من الخارج، على الرغم من أن ذلك لم يكن كافياً لتعويض الفجوة التجارية الآخذة في الاتساع. في آب (أغسطس) سجل أول عجز في الحساب الجاري في النصف الأول من العام منذ نحو 30 عاماً.
السبب الآخر في أن الين الضعيف قد لا يكون هو المن والسلوى الذي نزل من السماء ، خلافًا للتصور الشائع، فاليابان لم يعد اقتصاداً قائماً على التصدير. تشكل الصادرات فيه نحو 15 في المائة من الناتج، في مقابل 51 في المائة لألمانيا و54 في المائة بالنسبة لكوريا الجنوبية.
العديد من الشركات المصنعة في اليابان، بما في ذلك شركاتها الكبيرة المصنعة للسيارات والإلكترونيات، بتحويل الإنتاج إلى الخارج لتكون أقرب إلى مصادر الطلب. الأهم من ذلك، وكقواسم مشتركة مع العديد من الدول المتقدمة، اقتصاد الخدمة في اليابان هو المهيمن. وهكذا فإن الجزء الأكبر من اليابانيين يتم تشغيلهم من قبل الشركات التي يحتمل أن تستفيد من قوة الين مثلما تستفيد من ضعفه.
وحتى مع ذلك، وفقا لشركة كابيتال إيكونوميكس، فإنه في إجمالي الشركات لا تزال اليابان أفضل حالاً مع ضعف العملة. اختارت العديد من الشركات إعادة المزيد من الأرباح في ضعف الين بدلاً من خفض الأسعار في السعي لتحقيق حصة أكبر من السوق. ويقدر التقرير أن خمسي الزيادة الأخيرة في أرباح الشركات اليابانية يعزى إلى ضعف العملة. هذا ليس جيداً كما يبدو، ولا سيما في الاقتصاد الذي تكتنز فيه الشركات النقد لسنوات. وارتفاع الأرباح لم يفعل ما هو كثير للاستثمار. والأسوأ من ذلك، كان تأثير ذلك على الاستهلاك بأدنى حد، وذلك لأن الأجور الحقيقية واصلت انخفاضها.
قد يكون هذا من الآثار الجانبية التي لا مفر منها للتضخم، على الأقل في المراحل الأولى، قبل أن يتم تمرير الأرباح الأعلى في الأجور. وكما أشار جوناثان ألوم من شركة SMBC نيكو، فإن إصرار آبي على رفع ضريبة الاستهلاك بنسبة 3 نقاط مئوية، ربما أدى إلى إيذاء الإنفاق الأسري بشكل أكبر من سقوط الين.
وفي كلتا الحالتين، بالنسبة لرئيس الوزراء – الذي يواجه انتخابات مهمة للمحافظين هذا العام وانتخابات محلية في الربيع – فإن من غير المناسب نهائياً أن معظم الناخبين يشعرون، بأنهم أكثر فقراً بسبب السياسات الاقتصادية التي تحمل اسمه. من الواضح أن آبي أخذ يراجع نفسه حول فضائل ضعف الين. في تصريحات بعد أن انخفضت العملة إلى أدنى مستوى لها منذ ست سنوات من 110 ينات مقابل الدولار، قال إن هناك جوانب جيدة وأخرى سيئة لانخفاض قيمة الين. وكما لو كان يؤكد هذه النقطة، تم استدعاء هاروهيكو كورودا، محافظ بنك اليابان الذي بنى سياسته النقدية التوسعية على قضم قيمة الين بالتدريج، إلى البرلمان لشرح موقفه في ذلك.
كل هذا يشكل معضلة بالنسبة لمستقبل برنامج آبي الاقتصادي، التي بدأت قبل المصادقة على اتفاق تاريخي بين الحكومة وبنك اليابان للتعاون من أجل تخليص الاقتصاد من الانكماش. إن أي علامة على وجود شقاق قد تهز الأسواق وتضعف صدقية السياسة النقدية التي تعتمد إلى درجة غير مريحة على قوة البلاغة. أسعار المواد الاستهلاكية الأساسية آخذة في الارتفاع الآن بنسبة متواضعة تبلغ 1.1 في المائة سنوياً، وأنه ليس من الواضح، مع ذلك، ما إذا كان هذا هو حالة دائمة.
وكما أشار كورودا، فليس من السهل أن تعيد تحديد التوقعات التضخمية بعد 15 سنة من تراجع الأسعار. يعلم الجميع أن الين الهابط هو أقوى أداة لدى بنك اليابان. إذا اعتبر الناس أنه سيتردد تحت الضغط السياسي من آبي، كأن يتراجع مثلاً عن جولة أخرى من التسهيل الكمي والنوعي، فإن كامل تجربة إعادة شحن الاقتصاد ربما تتجمد.
آبي محق في تخمينه بأن الين الضعيف لم يعد مفيداً على النحو الذي كان عليه. وهو محق أيضاً في أن التضخم، دون تعويض في ارتفاع الأجور، أكثر شعبية لدى علماء الاقتصاد الكلي مما هو لدى الناخبين، لكن سيكون من الكارثة أن يتراجع الآن.
إن التوصل إلى تضخم مستدام هو أحد المعطيات الأساسية لبرنامج آبي الاقتصادي. إن العودة إلى الانكماش سيكون من شأنها قذف كل ذلك في الهواء. سواء أحببنا ذلك أم كرهناه، الين الضعيف جزء من الخطة.