سبب التوتر السياسي والأسعار المرتفعة للغاز الروسي في إحداث تغيرات واسعة عميقة وهيكلية في استخدام الوقود، وهو أمر يشير إلى أن شركة “غازبروم” الروسية لا تمسك بكل الأوراق الرابحة في توريد الغاز.
أثناء الوردية الليلية في أكبر مصنع للأسمدة في بلغاريا أي أغروبوليشين، عندما تلقى فاكساً في الساعة 4:30 صباح يوم السادس من كانون الثاني (يناير) عام 2009 يحذر فيه من أن واردات الغاز ستتوقف فوراً، طلب عندها المهندسون مهلة أربع ساعات إضافية، لأن الإغلاق الفوري للمصنع سوف يجعل تشكيلة من المواد الكيميائية المتفجرة تتحول إلى مادة جيلاتينية في أنابيب المصنع، الأمر الذي يؤدي إلى تدمير تجهيزات حيوية فيه.
ويذكر فيليب رومبو، الرئيس التنفيذي لمصنع أغروبوليشين أن الوضع كان يتطلب أن يكون “الجميع موجودين للعمل في وقت واحد”.
كانت بلغاريا واحدة من أكثر الدول الأوروبية التي تلقت أقوى ضربة من قطع واردات الغاز عن أوروبا في ذلك الشتاء القارس البرودة. بيعت المدافئ التي تعمل بالكهرباء خلال ساعات. وكان على الناس في أجزاء كثيرة من دول البلقان أن يعودوا ثانية إلى حرق الخشب.
وفي صوفيا، العاصمة، كان يجب إبقاء القردة الاستوائية الموجودة في حديقة الحيوان المرتعدة من شدة البرد، حيّة في دلاء مليئة بالشاي العشبي الممزوج بالليمون والعسل. واليوم يُنظر إلى بلغاريا مرة أخرى على أنها ستكون من أكثر الدول تعرضاً للخطر، إذا سبب التوتر السياسي حول أوكرانيا أزمة طاقة في هذا الشتاء.
يمكن المشاهدة من أول نظرة آثار الجروح التي نتجت عن قطع الغاز الروسي في عامي 2006 و2009 عميقة جداً عبر أوروبا الشرقية، ويبدو أن القارة ستصبح للمرة الثانية عرضة للخطر في هذه السنة، وهو أمر يعود الفضل فيه إلى الاعتماد الثابت على شركة “غازبروم”، الشركة المحتكرة لتصدير الغاز الروسي.
ارتفعت واردات أوروبا من الغاز الروسي بنسبة 16 في المائة في العام الماضي لتسجل بذلك رقماً قياسياً عالياً. وبشكل إجمالي، تورد “غازبروم” 30 في المائة من حاجة أوروبا من الغاز، وفي الكثير من دول أوروبا الشرقية تقرب نسبة الاعتماد على هذا الغاز من 100 في المائة.
يمر نصف واردات أوروبا من الغاز عبر أوكرانيا وتعتبر هذه الواردات دائماً رهينة محتملة للسياسة. أوقفت “غازبروم” في شهر حزيران (يونيو) مبيعات الغاز إلى كييف بسبب خلافات على الأسعار، الأمر الذي رفع من مخاوف أوكرانيا من أنها ستجبر على سحب الغاز المار في أراضيها بالترانزيت إلى دول الاتحاد الأوروبي، إذا لم تستأنف الواردات في فصل الشتاء.
كما تشدد موسكو الخناق حول كييف وذلك بمنع دول الاتحاد الأوروبي من إعادة تصدير الغاز الروسي إليها، فيما يسمى عملية “عكس اتجاه” تدفق الغاز، باعتباره حبل نجاة لأوكرانيا. والدبلوماسيون يحدوهم الأمل بأن الاتحاد الأوروبي وروسيا وأوكرانيا سيتوصلون إلى اتفاق حول استئناف واردات الغاز إلى كييف، أثناء المفاوضات التي ستجري في الأسبوع المقبل في برلين.
وحتى لو حصل اتفاق فلن يكون في وسع أغلب الحكومات في أوروبا الشرقية أن تشعر بالراحة. يقول فاكلاف بارتوشكا، سفير الحكومة التشيكية لشؤون الطاقة: “سيكون السيناريو الأساسي بالنسبة لنا هو ألا يمر الغاز بالترانزيت عبر أوكرانيا”.
سيكون خط الدفاع الأول بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي هو الاعتماد على مخزونات الغاز التي زادت بكثير على ما كانت عليه في عام 2009 (حيث حدثت أزمة توريد مماثلة)، إضافة إلى التخزين الهائل الذي تباشره هذه البلدان منذ الربيع الماضي. وصلت المخزونات الآن إلى 93 في المائة من طاقة التخزين الكاملة، الأمر الذي يقدم لأغلب البلدان فسحة مريحة مدتها عدة أسابيع أو أكثر، إذا رغب الروس في قطع الإمدادات.
دأبت المجر منذ الأزمة السابقة على توسيع مرافق التخزين تحت الأرضية لتصل إلى 6.2 مليار متر مكعب من الغاز، للوفاء باستهلاكها السنوي الذي يبلغ 10.2 مليار متر مكعب. كما ملأت جمهورية التشيك خزاناتها ب 3.3 مليار متر مكعب، وهو هامش مريح لدولة تستهلك 7.5 مليار متر مكعب في السنة.
أصبح الاتحاد الأوروبي واثقاً أكثر من أي وقت مضى بأن خزانة موسكو لا تريد أي تخفيض في بيع الغاز، أو تخاطر بدفع المزيد من الزبائن الأوروبيين إلى تحول هذا الجيل عن استخدام الغاز إلى أنواع أخرى من الوقود، خاصة عند رؤية أسعار النفط وهي تنخفض إلى أقل من 90 دولاراً للبرميل الواحد. يقول كاريل دي غوشت، مفوض الشؤون التجارية السابق في الاتحاد الأوروبي: “هم متأكدون من أنهم سيقعون أيضاً في المشكلات، كما أن لروسيا مصلحة في أن تعتبر مصدراً يعتمد عليه في توريد الغاز”.
ربما يكون قد فات الأوان بالنسبة للروس لإيقاف التحول التدريجي العميق الجاري حالياً للابتعاد عن “غازبروم”. تُظهر خطط رومبو، في مصنع أغروبوليشين، أن موسكو لا تحمل كل أوراق اللعب بيديها.
في العام المقبل سيتحول من استخدام الغاز إلى استخدام البيوماس (الوقود الحيوي)، الذي يعمل على القش وشرائح الخشب. يعتبر هذا شيئاً مهماً بالنسبة لـ “غازبروم”، لأن أكبر مصنعين للأسمدة في بلغاريا، وهما أغروبوليشين ونيوشيم، يستهلكان معاً نحو 25 في المائة من غاز البلاد.
والقصة متشابهة في بولندا، حيث بدأت شركة غروبا أزوتي لصناعة الأسمدة، أكبر مستهلك للغاز في البلاد، تسعى إلى كسر اعتمادها على روسيا. تستهلك مجموعة غروبا أزوتي 15 في المائة من واردات بولندا السنوية من الغاز، ولكنها تعهدت بأن نصف ما تستهلكه من الغاز وهو 2.3 مليون متر مكعب، سيأتي من مصادر غير روسية في عام 2016. يقول بافيل جاكزويسكي، المدير التنفيذي للشركة، أنا واثق تماماً بأننا سنكون قادرين على تحقيق ذلك”.
يعود بعض من ثقة جاكزويسكي إلى التغيرات الهيكلية العميقة في الاتحاد الأوروبي، التي يشار إليها اختصاراً بـ “اتحاد الطاقة”. دول الاتحاد الأوروبي تبني بنية تحتية أساسية – مثل محطات استيراد الغاز الطبيعي المسال والخطوط العابرة للحدود – لكسر قبضة ممرات التوريد الروسية القوية.
ومع ذلك لا يزال التقدم في هذا البناء بطيئاً لدرجة مؤلمة. ولا تتوقع فيتش، وهي إحدى وكالات التقييم، أن تقلل أوروبا من اعتمادها على روسيا “حتى العقد المقبل، على الأقل ومن المحتمل أطول من ذلك.”
أما دول الاتحاد الأوروبي الغربية الرئيسية فهي أقل تعرضاً للخطر، لأن لديها بالفعل تنوعاً أكبر في الموارد وموانئ أكبر لاستقبال الغاز الطبيعي المسال، وهي تحصل على الغاز من النرويج والجزائر وحتى أبعد من ذلك. وبالنسبة لألمانيا، فهي تمتلك خط أنابيب نورد ستريم الذي يأتي من روسيا، ولكن لا يعتقد بأنه سيصبح موضع خلاف لأنه لا يمر من أوكرانيا.
ويُنظر إلى إيطاليا على أنها الدولة الغربية الأكثر تعرضاً للخطر، وهي التي يمكن أن تقع في مشكلات إذا عانت انقطاعا في الواردات من روسيا وليبيا في الوقت نفسه. ومن المرجح أن تستفيد مجموعة غروبا أزوتي من محطة للغاز الطبيعي المسال المقرر بناؤها في سوينوجسي على شاطئ بحر البلطيق، التي يتوقع أن يتم افتتاحها في العام المقبل. كما سيتم تزويد دول البلطيق من محطة ستُبنى في كليببيدا في ليتوانيا، التي سيبدأ العمل فيها أيضاً في عام 2015.
يقول جاركزويسكي: “سيسمح لنا أنبوب يصل بين المحطة والشركة [الشقيقة لأزوتي] زاكلادي كيميكزني بوليس بالاستفادة من تدفق غاز غير روسي إضافي من الخليج أو الغاز الصخري من الولايات المتحدة.” الولايات المتحدة تناقش حالياً ما إذا كانت سترسل واردات لبولندا، وهو أمر لن يحدث ما لم ترفع واشنطن القيود على صادرات الغاز من الولايات المتحدة.
تقول شركتا أغروبوليشين وغروبا أزوتي إنهما تنوعان من المصادر للابتعاد عن روسيا وكذلك بسبب أسعار “غازبروم” العالية لتامين مواردهما، ولكنه لم يكن بالإمكان الوصول إلى “غازبروم” للتعليق على هذه الأنباء.
ويقول رومبو إنه بدأ التحول لأسباب مالية، لأن أسعار الغاز الروسي أعلى بكثير مما هي في المراكز الأوروبية مثل زيبروغي حيث يُتاجر بالغاز في أسواق مفتوحة. وهو يقول، أنا رجل أعمال، وهذا اقتصاد. وإذا حصلت على سعر مماثل [لغاز] مثل البيوماس (الوقود الحيوي) فسأذهب مباشرة للبيوماس.
يقول إيليان فاسيلوف، وهو محلل في شؤون الطاقة وسفير سابق لبلغاريا في موسكو، إن الأسعار الروسية المرتفعة تدمر تنافسية الصناعات في وسط أوروبا، مثل الصناعات الكيميائية والمعادن والتدفئة المركزية. “والقليل منها بقي في وضع مربح وغير مرهق بالديون”.
ويضيف فاسيلوف أن “غازبروم” من الناحية العملية، تساعد في قتل زبائنها، فهي بأسعارها العالية تسرع من عملية التقليل من القدرات الصناعية، فقد نقصت واردات بلغاريا من الغاز لتصل إلى 2.7 مليار متر مكعب في العام الماضي بعد أن كانت 6.7 مليار متر مكعب في عام 1989، وهي السنة الأخيرة من الحكم الشيوعي.
وهو يجادل بأن أي قرار تتخذه روسيا لقطع الغاز هذا الشتاء سيعتمد على العوامل السياسية في موسكو. ويقول: “الجانب الطائش اللاعقلاني في شخصية الرئيس فلاديمير بوتين له حدوده، ويتم رسم هذه الحدود من خلال إحساسه بما تدعو الحاجة إليه لإبقاء قبضته على أهل النفوذ والمال”.
ويضيف أن روسيا ستكون تواقة لتجنب أية صدمة من شأنها أن تدفع الاتحاد الأوروبي إلى تبني أنواع أخرى من الوقود. يقول فاسيليف: “أتوقع أنه حتى لو حدث انقطاع في إمدادات الغاز فإنه لن يستمر طويلاً – على اعتبار أن موسكو مدركة أن مثل هذا القرار سيستثير اتجاهات متطرفة في جهود التنويع في الاتحاد الأوروبي، وهي اتجاهات لا تستطيع موسكو السيطرة عليها”.
في براغ، يحذر بارتوشكا أيضاً من أن بوتين يمكن أن يدرك أنه لن تكون هناك طرق للعودة: “تغيير نوع الوقود ليس سهلاً، وسيكون مكلفاً، وسيستغرق بعض الوقت، لكن ما أن يكتمل، فإن كثيراً من الزبائن لن يعودوا إلى الغاز، حتى لو ركعت بقية الصناعة يقول جاركزويسكي: “سيسمح لنا أنبوب يصل بين المحطة والشركة [الشقيقة لأزوتي] زاكلادي كيميكزني بوليس بالاستفادة من تدفق غاز غير روسي إضافي من الخليج أو الغاز الصخري من الولايات المتحدة.”
الولايات المتحدة تناقش حالياً ما إذا كانت سترسل واردات لبولندا، وهو أمر لن يحدث ما لم ترفع واشنطن القيود على صادرات الغاز من الولايات المتحدة.
تقول شركتا أغروبوليشين وغروبا أزوتي إنهما تنوعان من المصادر للابتعاد عن روسيا وكذلك بسبب أسعار “غازبروم” العالية لتامين مواردهما، ولكنه لم يكن بالإمكان الوصول إلى “غازبروم” للتعليق على هذه الأنباء. ويقول رومبو إنه بدأ التحول لأسباب مالية، لأن أسعار الغاز الروسي أعلى بكثير مما هي في المراكز الأوروبية مثل زيبروغي حيث يُتاجر بالغاز في أسواق مفتوحة. وهو يقول، أنا رجل أعمال، وهذا اقتصاد. وإذا حصلت على سعر مماثل [لغاز] مثل البيوماس (الوقود الحيوي) فسأذهب مباشرة للبيوماس.
يقول إيليان فاسيلوف، وهو محلل في شؤون الطاقة وسفير سابق لبلغاريا في موسكو، إن الأسعار الروسية المرتفعة تدمر تنافسية الصناعات في وسط أوروبا، مثل الصناعات الكيميائية والمعادن والتدفئة المركزية. “والقليل منها بقي في وضع مربح وغير مرهق بالديون”. ويضيف فاسيلوف أن “غازبروم” من الناحية العملية، تساعد في قتل زبائنها، فهي بأسعارها العالية تسرع من عملية التقليل من القدرات الصناعية، فقد نقصت واردات بلغاريا من الغاز لتصل إلى 2.7 مليار متر مكعب في العام الماضي بعد أن كانت 6.7 مليار متر مكعب في عام 1989، وهي السنة الأخيرة من الحكم الشيوعي. وهو يجادل بأن أي قرار تتخذه روسيا لقطع الغاز هذا الشتاء سيعتمد على العوامل السياسية في موسكو. ويقول: “الجانب الطائش اللاعقلاني في شخصية الرئيس فلاديمير بوتين له حدوده، ويتم رسم هذه الحدود من خلال إحساسه بما تدعو الحاجة إليه لإبقاء قبضته على أهل النفوذ والمال”. ويضيف أن روسيا ستكون تواقة لتجنب أية صدمة من شأنها أن تدفع الاتحاد الأوروبي إلى تبني أنواع أخرى من الوقود.
يقول فاسيليف: “أتوقع أنه حتى لو حدث انقطاع في إمدادات الغاز فإنه لن يستمر طويلاً – على اعتبار أن موسكو مدركة أن مثل هذا القرار سيستثير اتجاهات متطرفة في جهود التنويع في الاتحاد الأوروبي، وهي اتجاهات لا تستطيع موسكو السيطرة عليها”.