روبن هاردينج
ذات مرة، لم يكن أحد يتحدث عن الدولار. كان عهد الصمت تاماً من واشنطن، إلا أنه عندما أدلى وزير الخزانة بتعليق مقصود، عندها فهم الجميع أن السياسة تغيرت.
أي مسؤول في مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أو في غيره، كان من الحماقة بحيث يعلق على الدولار في العلن كان يقتاد للتأديب الإداري. حتى في القطاع الخاص، فإن المسؤولين يتحدثون بعبارات طويلة ملتوية حتى يضمنوا أن الكلمة الفتاكة لا تخرج من أفواههم أبداً.
كل ذلك قد تغير. في الوقت الذي ارتفعت فيه قيمة الوزن التجاري النسبي للدولار بنحو 4 في المائة مقابل سلة من العملات خلال الأشهر القليلة الماضية – مدفوعة بانتعاش باقتصاد الأمريكي، والمتاعب في منطقة اليورو، وضعف الأسواق الناشئة – كان هناك تيار من التصريحات من مسؤولي “الاحتياطي الفيدرالي”.
قال ستانلي فيشر، نائب رئيس “الاحتياطي الفيدرالي”، قبيل الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي الأسبوع الماضي: “إن أسعار الصرف تتغير لتعكس ما يجري.” وأضاف: “هذا هو المناسب”.
وقال تشارلز إيفانز من البنك الفيدرالي في شيكاغو، إن الدولار القوي “رياح عكسية”. هذا التعليق المتابِع للأحداث يجعل من الأسهل فهم ما يفكر فيه “الاحتياطي الفيدرالي” في مجلسه، ولكن من الصعب تماماً استخراج إشارة من الضوضاء الصادرة حول آراء ووجهات نظر واشنطن بخصوص عملتها.
هذه الآراء هي خليط من التسامح والقلق. الولايات المتحدة تريد الاقتصادات المتعثرة في منطقة اليورو واليابان للحصول أن يشدوا زمام أنفسهم مرة أخرى؛ وهو يعترف أنه بعد خمس سنوات من التيسير الكمي في الداخل، والتي أضعفت الدولار، فإنه لا توجد لديه حجة للشكوى – والواقع أن لديه من الأسباب ما يدعوه للابتهاج – عندما يفعل الآخرون الشيء نفسه. ليس هناك معنى في أن قيمة الدولار أصبحت فجأة بعيدة تماماً عن موقعها الحقيقي.
من ناحية أخرى، هناك الكثير من القلق أن البلدان، تحت ستار تحفيز اقتصاداتها المحلية، ستعود إلى سياسات تجارية بحتة تقوم على خفض قيمة العملة.
الولايات المتحدة يمكن أن تستيقظ في غضون ثلاث سنوات لتجد أنها أصبحت مرة أخرى مستهلك الملاذ الأخير، مع وجود عجز الحساب الجاري فاغراً فاه، وعودة قوية إلى صدمة كاملة من “الاختلالات العالمية”.
وزير الخزانة جاك ليو – الصوت الوحيد الذي له أهمية فعلية بخصوص الدولار – ذكرها بصراحة في اجتماعات صندوق النقد الدولي.
في البداية أعطى تعليقات دافئة حول محاولات التحفيز في أوروبا واليابان. ثم أعطى تحذيره. تحتاج البلدان ذات الفائض، والمقصود بذلك هو ألمانيا، إلى بذل المزيد من الجهد لتعزيز الطلب المحلي، و”على ضوء تراجع الوضع العالمي، من المهم بصفة خاصة أن على جميع بلدان مجموعة السبعة ومجموعة العشرين أن تلتزم بالتعهدات الخاصة بأسعار الصرف”.
وحذر بلدان مجموعة السبعة من استهداف أسعار الصرف. ودعا بلدان مجموعة العشرين إلى أن “تجَنُّب اختلالات أسعار الصرف الثابتة، والامتناع عن التخفيض التنافسي لقيمة العملة، وعدم استهداف أسعار الصرف لأغراض تنافسية”.
حتى الآن، على الرغم من موجة من تجدد التدخل في العملة في وقت مبكر من هذا العام، لم تستجب الصين إلى التباطؤ المحلي من خلال السعي بقوة لخفض قيمة الرنمينبي. الخوف الكبير لدى الولايات المتحدة هو أن هذا سوف يتغير.
مناقشة “الاحتياطي الفيدرالي” لوضع الدولار مختلفة. على الرغم من أنه الآن يتحدث كثيراً عن العملة، فإنه لا يقول ما هو المستوى الصحيح للدولار، كما أنه لا يقول ما ينبغي أو لا ينبغي للبلدان الأخرى القيام به. بدلاً من ذلك، يتحدث عن كيف أن قوة الدولار ستؤثر على الانتعاش في الولايات المتحدة، وبالتالي ما سيكون أثر ذلك في أسعار الفائدة. أظهر مسؤولو “الاحتياطي الفيدرالي” قلقهم إزاء الخطر الذي يشكله الضعف العالمي، ولكنه يدرك أيضا أن الدولار القوي له آثار فورية متواضعة على الطلب الأمريكي. باستخدام نموذج “الاحتياطي الفيدرالي” توصل الاقتصاديون في بنك جولدمان ساكس إلى أن ارتفاعاً بنسبة 3 في المائة في الدولار يمكن أن يبطئ النمو بحدود 0.1 – 0.15 نقطة مئوية في كل من عام 2015 وعام 2016، ويؤدي إلى انخفاض طفيف في التضخم، ويطالب بأن تكون أسعار الفائدة أدنى بمقدار 15 نقطة أساس مما كان يمكن أن تكون عليه بخلاف ذلك بحلول نهاية عام 2016. هذه النقطة الأخيرة هي السبب في أنه أصبح من المنطقي فجأة بالنسبة لبنك الاحتياطي الفيدرالي أن يثرثر حول الدولار. حين يشير إلى أنه كلما ارتفع الدولار، من المرجح أن ترتفع في وقت لاحق أسعار الفائدة الأمريكية، فهو بهذا يساعد على شرح سياسته الخاصة، ويوجد ثقلاً موازناً لارتفاع الدولار.