Site icon IMLebanon

الإنكماش وتأثيره في الاقتصاد الوطني

Joumhouriya-Leb
بروفسور جاسم عجاقة
الإنكماش عبارة عن إنخفاض في المستوى العام للأسعار و/أو الكتلة النقدية مع إنخفاض في الإنتاج (مثال على الإنكماش أزمة العام 1930 التي ضربت الاقتصاد العالمي وأزمة الاقتصاد الياباني في تسعينات القرن الماضي) وبعكس التضخم (inflation). فإنّ الإنكماش يتميز بانخفاضٍ تراكمي للمستوى العام للأسعار وذلك كنتيجة للفائض بالعرض أو أنّ كمية النقد -الكتلة النقدية غير كافية.

وهذا الأمر يُترجَم بتراجع المستهلك عن الشراء إلى وقت أخر أملاً في إنخفاض الأسعار ما يزيد القدرة الشرائية للمستهلك ويؤدي إلى حلقة فارغة تجعل من الإنكماش كارثة بكل ما للكلمة من معنى. فزيادة القدرة الشرائية للمستهلك تزيد نسبة الودائع وتدفع أسعار الفائدة إلى صفر. وهذا يؤدي إلى تدني الأجور، لكن هناك وقتاً لردة فعلٍ قد تجعل أسعار الإنتاج أعلى وبالتالي تتآكل معها الإستثمارات وتزيد البطالة.

والمُحزن لا بل التعيس في الأمر هو عدم وجود أيّ سياسة فعالة تسمح بمحاربة الإنكماش وأكبر مثال على ذلك ما عاشته اليابان منذ أوائل تسعينات القرن الماضي وحتى أواخره. إذ عمدت الحكومة اليابانية إلى التدخل بحسب النظرية الكينيزية وقامت بخفض أسعار الفائدة بهدف تشجيع الإستثمارات والإستهلاك على حساب الودائع وزيادة الكتلة النقدية والإنفاق العام. وهذا الأمر أدى إلى زيادة الدين العام من دون أيّ زيادة بالإستهلاك مع ارتفاعٍ بالبطالة.

هناك أيضاً نوعٌ أخر من الإنكماش إسمه الإنكماش بالدين العام (Irving Fisher, 1933) وهو عبارة عن ظاهرة يعي فيها اللاعبون الإقتصاديون حجم دينهم ويبدأون ببيع أصول يمتلكونها لسدّ هذا الدين. وفي حال قام عدد كبير من اللاعبيين الإقتصاديين بتنفيذ البيع فإنّ ذلك سيؤدي إلى خفضٍ في أسعار الأصول لدرجة أنّ نسبة الدين إلى الأصول تعلو بنسبة كبيرة.

ومن أسباب الإنكماش بالدين العام المضاربات الزائدة في البورصة التي تؤدي إلى إعطاء قيمة للأصول أكبر من قيمتها الحقيقية ما يعني حصول الشركات على كمية كبيرة من الأموال للإستثمارات وهذا يتسبّب بحال من الذعر تدفع بالمستثمر إلى بيع أصوله ما ينتج عنه إنخفاضٌ كبير في الأسعار يخلص إلى فقدان التمويل من الشركات وبالتالي تدخل الأسواق في الإنكماش. ومن الأمثال على هذا النوع من الإنكماش، يُمكن ذكر الأزمة التي ضربت بورصة اليابان في العام 1997 كنتيجة للأزمة المالية الآسيوية.

الاقتصاد العالمي

لا ينفك صندوق النقد الدولي يُحذِّر من خطر الإنكماش في الاقتصاد العالمي معتمداً بذلك على مؤشرات إقتصادات الدول المُتطوّرة التي تُشكل أكثر من 50% من الوزن الاقتصادي العالمي. وهذا الأمر يتمثل بالإنخفاض المُستمرّ للأسعار في العالم مع ارتفاعٍ في أسعار الفائدة الحقيقية، صعوبة في سدّ الدين العام والخاص، خفض ربحية الشركات، خفض الأجور والإستثمارات، هبوط الإستهلاك والإنتاج، وهبوط الطلب والنموّ.

وهذه المؤشرات تُشكّل الحلقة الفارغة للإنكماش. فمثلاً في الولايات المتحدة الأميركية، انخفضت نسبة التضخم من 4% في العام 2011 إلى 1.5% في أيلول 2014. وتزامن هذا الإنخفاض مع ارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية من 1.3% في العام 2011 إلى 1.7% في نهاية العام 2014.

أمّا الإستهلاك فقد تأرجح في هذه الفترة، فبعد إنخفاض في العام 2012 و2013، بدأ يرتفع في العام 2014 عن الاشهر التسعة الأولى. وهذا كله يعني أنّ المؤشرات تؤدي إلى تزايد إحتمال الإنكماش في الولايت المُتحدة الأميركية.

وعلى صعيد أوروبا، الأمر أسوأ بكثير حيث إنّ عدد المؤشرات التي تُشير إلى إنكماش في الاقتصاد الأوروبي أكبر: البطالة الى ارتفاع والأسعار الى انخفاض وربحية الشركات الى تدنٍّ والإستهلاك والإنتاج ليسا على الموعد. كذلك فإنّ التخلّف عن دفع الدين العام والخاص الى ازدياد مستمرّ مع ارتفاع العجز في الدول الأوروبية (حال فرنسا وإيطاليا). وكذلك الحال بالنسبة لروسيا والبرازيل وغيرها من الدول النامية.

في لبنان…

أمّا في لبنان فإنّ بعض عوارض الإنكماش بدأت بالظهور وعلى رأسها ارتفاع العجز في سدّ الديون وانخفاض ربحية الشركات والإنتاج وزيادة البطالة وارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية.

لكنّ الإختلاف الأساس مع باقي الدول يأتي من حجم تحاويل المغتربين اللبنانيين والذي يتجاوز الـ 7 مليارات دولار أميركي يستخدم اللبنانيون المقيمون جزءاً كبيراً منه في الإستهلاك ما يسمح بالحفاظ على نسبة نموّ توازي الـ 1% على مرّ السنين الأريع الماضية أيْ منذ بداية الربيع العربي وحتى يومنا هذا.

من هنا نرى أهميةَ كسر حلقة الإنكماش المفرغة قبل الدخول فيها وذلك عبر العمل على زيادة الإستثمارات خصوصاً أنّ هناك عاملاً خارجياً يعود الى تحاويل المغتربين اللبنانيين – يُساعد على دعم الإستهلاك.

بمعنى أخر، لن يكون هناك مشكلة في تصريف الإنتاج مع قدرة شرائية كبيرة تتمتع بها شريحة من اللبنانيين. وهذا الأمر إذا ما اقترن بسياسة مؤاتية لتنظيم سوق العمل وحماية اليد العاملة اللبنانية من هجمة اليد العاملة الأجنبية، سيُشكل رافعة للنموّ قد تتجاوز الـ 5%.

أمّا في ما يخص الكتلة النقدية، فمن المُتوقَع أن يكون هناك سيناريوهان: (1) في حال إقرار السلسلة سيكون هناك تضخم ناتج عن رفع حجم الكتلة النقدية وهذا سيفرض رفعَ الفوائد ما يعني كسرَ حلقة الإنكماش. والإحتمال الثاني هو في حال عدم إقرار السلسلة، من المُمكن تخفيض الفوائد عبر زيادة الكتلة النقدية لدفع الودائع نحو الإستثمارات وهذا سيكون باباً أخر لكسر إحتمال الإنكماش في الاقتصاد اللبناني.

وعن ربحيّة الشركات، فمن المفروض العمل على دعم الشركات عبر سياسة ضريبية أكثر من مؤاتية لمساعدة هذه الشركات. وفي توصياتٍ للسلطات اللبنانية، دعا البنك الدولي إلى دمج المصارف وخفض عددها بهدف زيادة ربحيّتها. وهذا الأمر ضروري لقطاع أصبح أكثر من حيويّ على صعيد الاقتصاد اللبناني والمالية العامة.