واحد من أكبر المفاهيم الخاطئة حول منطقة اليورو هو الاعتقاد في القوة الكامنة لدى ألمانيا – فكرة أن الإصلاحات على جبهة القدرة التنافسية حولت المتقاعس إلى زعيم. هذا كلام فارغ. يعتمد الأنموذج الألماني على وجود طفرة استثمار غير قابلة للاستدامة في أجزاء أخرى من العالم. هذه الطفرة انتهت الآن في الصين، وفي معظم بلدان الأسواق الناشئة، وفي روسيا بالتأكيد. ما شهدناه في الأسبوع الماضي هو ما سيحدث حين يعود العالم إلى التوازن الاقتصادي، ألمانيا تعود إلى انخفاض النمو الاقتصادي.
لقد سمعت من يقول إن هذا في الواقع خبر سار. إذا كانت ألمانيا ضعيفة، فإنها تكون أكثر توافقاً مع البلدان الأخرى في منطقة اليورو، وبالتالي أكثر عرضة لقبول الحاجة إلى اتخاذ إجراءات في السياسة، مثل شراء الأصول من قبل البنك المركزي الأوروبي، أو حتى التحفيز في المالية العامة.
كن حذراً مما ترغب فيه. بحسب الأدلة المتوافرة حتى الآن، فإن العكس هو الصحيح. المعارضة السياسية لسياسات شراء الأصول من البنك المركزي الأوروبي آخذة في التصلب. ولأن أسعار الفائدة قريبة من الصفر، فقد استُهلِكت أدوات السياسة النقدية التقليدية. وقد أعرب المعلقون الألمان عن غضبهم من التخفيف المقترح لضوابط المالية العامة في فرنسا وإيطاليا. وكان النقاش الأسبوع الماضي في ألمانيا لا يدور حول التحفيز في المالية العامة، وإنما حول إجراءات تهدف إلى تحسين القدرة التنافسية للبلاد.
ضبط أوضاع المالية العامة يحظى بشعبية من الناحية السياسية. الهدف الرئيسي في سياسة الحكومة لعام 2015 هو إحداث التوازن في المالية العامة، حتى إن المعاهد الاقتصادية المتشددة في ألمانيا سخِرت من هذا واعتبرته “مشروع هيبة” وخلُصت إلى أن الحكومة لديها مجال لزيادة الإنفاق على التعليم في مرحلة الطفولة المبكرة والطرق والسكك الحديدية المتعبة في البلاد. بدلاً من ذلك، يناقش النواب مزيدا من تخفيضات الإنفاق لضمان أن التوقعات للتوازن في المالية العامة ستصمد في ظل افتراض قائم على ضعف النمو الاقتصادي.
ما الذي يتطلبه الأمر لتحويل تعنتهم؟ مرة أخرى، نحن لا نرغب لهذا الوضع أن ينشأ. إن الأمر سيستغرق أكثر بكثير من بضعة أرباع من النمو الاقتصادي الضعيف. الرقم الرئيسي الذي ينبغي مراقبته هو معدل البطالة. عند مستوى 4.9 في المائة، فإن ألمانيا لديها واحد من أدنى المعدلات في الاتحاد الأوروبي. وما لم يرتفع هذا الرقم، فإن برلين لن تغير موقفها. وما لم يرتفع، فإني أتوقع استعداداً أقل حتى من قبل لقبول التحويلات المالية إلى البلدان الطرفية في منطقة اليورو. بالتالي، مهما كان مصدر التحفيز، فإنه لن يكون من ألمانيا – وهذا سيجعله ساماً في الواقع.
ما سبب الضعف في ألمانيا؟ نحن نفهم أسباب ضعف منطقة اليورو ككل – أزمة مالية أعقبتها سياسات تقشف، لكن هذا لم يحدث في ألمانيا. لم يكن هناك عدم استقرار مالي في الاقتصاد المحلي، ولم تكن هناك طفرات ائتمان، ولا حالات لاحقة من الانقباض الائتماني. كانت سياسة المالية العامة صارمة إلى حد ما، لكن لم يكن هناك تقشف صريح. والبطالة الآن أقل مما كانت عليه في 2007. لقد مرت ألمانيا في أزمة لا بأس بها.
أولاً، يجب أن نضع أرقام الأسبوع الماضي في المنظور المناسب. كانت أرقاماً سيئة، لكن ليس تماماً بالسوء الذي يبدو عليها. انخفض الإنتاج الصناعي بنسبة صاعقة بالمعدل الشهري بلغت 4 في المائة خلال آب (أغسطس)، لكنه ارتفع بنسبة 1.6 في المائة في تموز (يوليو). لم يتمكن الإحصائيون قط من التفسير الكامل للحقيقة التي تقول إن الولايات الألمانية تأخذ عطلة الصيف السنوية في فترات متداخلة مختلفة. بالتالي، حين تضيف تموز (يوليو) وآب (أغسطس) معاً، فإنك تحصل على صورة أكثر وضوحاً: ستجد أن الإنتاج الصناعي انخفض بنسبة 2 في المائة في غضون شهرين.
لكن حتى هذا ليس جيداً. السبب الجذري لهذه المشكلة هو الاعتماد المفرط، الذي طال عليه الأمد، على الصادرات – وعلى صادرات المصانع والآليات على وجه الخصوص. الصدمات العالمية المختلفة – الحروب في الشرق الأوسط والعدوان الروسي في أوكرانيا – كان لها تأثير إضافي. باعتبارها محركاً قوياً للتصدير، فإن ألمانيا حساسة للغاية للتغيرات الصغيرة في الطلب الخارجي. والآن لا توجد علامات على حدوث انتعاش عالمي قوي، ناهيك عن ازدهار الاستثمار العالمي. بالتالي، من المعقول أن نتوقع أداء متواضعاً من الاقتصاد الألماني لفترة من الوقت. المعاهد الاقتصادية الألمانية، في توقعاتها المشتركة، تشير إلى نمو بنسبة 1.3 في المائة هذا العام، ينخفض إلى 1.2 في المائة العام المقبل. وفي تقديري أن هذا قريب جداً من الرقم الصحيح.
فوق كل ذلك تأتي صدمة ديموغرافية تكتسب الزخم في الوقت الحاضر. عدد الناس المتقاعدين سيرتفع كثيراً في الوقت الذي يتقاعد فيه جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية، ما يلقي بثقل أكبر على معدل النمو. لقد سمعت تحذيرات من الاقتصاديين الألمان تقول إن معدل النمو المحتمل قد ينخفض إلى أقل من 1 في المائة على مدى العقد المقبل.
في الماضي، كانت السمة الرئيسية لمنطقة اليورو هي النمو القوي في البلدان الرئيسية، الذي يعوض جزئياً التقلص في البلدان الطرفية. الآن كل من البلدان الأساسية والطرفية تعاني ضعفا، والسياسة لا تستجيب بما فيه الكفاية. وحين تضع هذين العاملين معاً ليس من الصعب أن تستنتج أن الركود طويل الأمد ليس خطراً، بقدر ما هو السيناريو الأكثر احتمالاً.