IMLebanon

انتاج الحرير في لبنان: مواسم العزّ وذكريات عمرها عشرات السنين

Safir
باسكال صوما

أقفل «مكتب الحرير» أبوابه منذ خمسة عشرعاماً تقريباً، حين حيكت لهذا القطاع التنموي نهاية تدريجية، للإيقاع به وتفتيت أجزائه. فالصناعة التي تعود إلى عصور قديمة منذ أيام الأمير فخر الدين الثاني، والتي ازدهرت وذاع صيتها في أصقاع الأرض، انتهت الآن، باستثناء بعض مشاغل النسيج التي تستورد بضاعتها من الخارج، مع تقلّص زراعة التوت وتربية دود الحرير حتى الانعدام.
المكتب الذي أنشئ في العام 1956 وأدّى دوراً مميّزاً في مجال الزراعة والصناعة والتنمية عموماً، وكان يعدّ أوّل مؤسسة مستقلة في لبنان، وقع ضحيّة الدولة أو ربما ضحية غياب الدولة. قيل يومها إنّ زراعة التوت وتربية دود الحرير، تكلّف الدولة ولا تؤدّي أيّة جدوى اقتصادية في المقابل. إلاّ أنه وفق المعلومات التي توافرت لـ«السفير»، شكّل إنتاج الحرير في القرنين التاسع عشر والعشرين المورد الأساسي للموازنة، وكان يوازي أكثر من 60 في المئة من الدخل العام، في القرنين التاسع عشر والعشرين . وكان موسم الحرير يسمّى «موسم العزّ» لما كان له من أهميّة في إنعاش اللبنانيين وإنقاذهم من العوز في الأيام الصعبة، وكان يسمّى اقتصاد لبنان «اقتصاد الحرير».
أفلت مواسم العزّ، واقتعلت أشجار التوت ولم تستبدل بغيرها، أقفلت معامل النسيج ومعظم الصناعات الحرفية التي كانت تعتمد على الحرير كمواد أوّلية.
بحرقةٍ كبيرة، يروي المدير العام السابق والأخير لـ«مكتب الحرير» ميشال ليون لـ«السفير» قصّة الحرير في لبنان، آسفاً «للمؤامرة التي حيكت لهذا القطاع الذي كان يدعم الزراعة والصناعة على السواء، وبقي حتى اللحظة الأخيرة نظيفاً بعيداً عن صفقات الفساد والسمسرة». ويرى أنّ «إنهاء زمن الحرير في لبنان خسارة كبيرة، لا تعوّض، فهذا القطاع لا يرتّب على الخزينة أية أعباء مالية، فالوزارة كانت تدعم كلغ الفيالج الذي تشتريه من المزارعين بحوالي 3000 ليرة، أي ما مجموعه حوالي 15 مليون ليرة سنوياً»، سائلاً: «أليس ظلماً أن يدمّر هذا القطاع الذي لا يكلّف الدولة شيئاً، ويؤمّن في المقابل نتائج اقتصادية واجتماعية مهمّة، إضافةً إلى المردود المادي للعائلات الريفية والصناعات الحرفية والتراثية؟».

200 ألف غرسة

يوضح ليون أنه «منذ العام 1996 وحتى كانون الثاني من العام 2000، وزّعت وزارة الزراعة 200 ألف غرسة توت مطعمة من أصول يابانية، وأقامت مواسم تربية دود الحرير منذ العام 1964، بعدما أعادت تأهيل البنى التحتية لمواسم التربية من غرف لتفقيس بيوض الحرير ومولد كهرباء ومرجل ومخنق، وقد بلغت كمية الفيالج المكدسة في الموسم الأخير في العام 2000 حوالي 18 طناً، تقدّر قيمتها بأكثر من 250 مليون ليرة».
يأسف ليون لفوائد كثيرة خسرها لبنان مع انتهاء زمن الحرير في لبنان، مشدّداً على أهميّة «هذا القطاع في إيجاد فرص العمل للريفيين من دون مغادرة أرضهم، والحدّ من النزوح إلى المدن، لأنّ تربية دود الحرير بشكلٍ عام عملٌ عائلي تعاوني، يتركّز في القرى والجبال»، مشيراً إلى أنّ «مدّة تربية دود الحرير لا تتجاوز الشهر الواحد، ومن شأنها امتصاص البطالة المقنعة، لا سيما اليد العاملة النسائية والمتقاعدين والمرضى الذين لا يستطيعون القيام بأعمالٍ مرهقة». ويلفت الانتباه إلى انّ «تربية الحرير كانت في العديد من المناطق لا سيما بعلبك والهرمل بديلاً عن الزراعات غير القانونية».

3000 مربٍّ

منذ العام 1956، عمل «مكتب الحرير» كمصلحة مستقلّة لتعميم زراعة التوت المؤصل اليابـاني، وتربية دود الحرير الياباني الهجين في المناطق اللبنانيّة كافّة، وقد بلغ عدد المربين حوالي 3 آلاف مربٍّ. كما بلغ الإنتاج السنوي في السبعينيات حوالي 130 ألف كلغ من الفيالج الخضراء، التي كان يتمّ حلّها في المصنع الآلي العائد للمكتب، ما يؤمّن 30 في المئة من حاجة قطاع النسيج اللبناني من خيوط الحرير.
كما تسهم زراعة التوت في توسيع رقعة الغطاء الأخضر وتحسين المناخ والحد من جرف التربة في المرتفعات، لا سيما أنّ شجرة التوت تعيش في مختلف المناخات والارتفاعات، ويمكن غرسها في كل الأراضي بعلية كانت أم مروية، حتى الأراضي الهامشية التي لا تصلح لزراعة الأشجار المثمرة.
وفي كتابٍ أرسله ليون إلى وزير الزراعة في 15/6/2000، أي في آخر أيام هذا القطاع، شرح الجدوى البيئية والاقتصادية لزراعة التوت وتربية دود الحرير، مطالباً بتأهيل مصنع حل الفيالج في دائرة الحرير في كفرشيما. إلا أنّه على الرغم من الإفادة الواضحة للحرير على الاقتصاد اللبناني، لم تنفع المحاولات والشروحات في إنقاذ هذا القطاع من الإعدام ظلماً.