IMLebanon

وادي السليكون .. الطريق إلى المليار الأول

FinancialTimes
ريتشارد ووترز

التوبيخ، الابتكار، السعي للاحتكار، الحصول على أفضل ما يمكن من المميزين، الحذر من الضعفاء والأغبياء – هذه الدروس التي وضعها أصحاب مشاريع التكنولوجيا العالية لا تشكل بمجموعها معادلة متكاملة للنجاح، لكنها تكشف الكثير عن عالم غالباً ما يُساء فهمه.

العالم يريد أن يعرف سر وادي السليكون. هنا، في ثلاثة كتب من تأليف أربعة من أصحاب مشاريع التكنولوجيا والمستثمرين الأكثر نجاحاً، نجد بعضا من الأجوبة. لكن، لا تتوقع منهم الاتفاق على كيف ينبغي لك العمل للحصول على مليارك الأول.

يبدو أن إنشاء شركة ناشئة رائعة هو بمثابة لعبة شطرنج دماغية، لعبة لا تستحق اللعب ما لم تفكّر ملياً كيف يمكن أن تفوز حتى قبل أن تبدأ. هذا، إذا لم تكُن لعبة ملاهي دوّارة مزعجة للغاية حيث الشجاعة الحقيقية (إلى جانب قدر لا بأس به من التقيؤ والدموع) هي الشيء الوحيد الذي يجعلك تنجح. وبعد كل هذا، ربما يتبيّن أنها أساساً ممارسة في تنظيم عدد كبير جداً من الأشخاص المبدعين – وحتى الأذكياء للغاية – بالطريقة غير الدقيقة، لكن المُنسقة التي لم يتم تحقيقها من قبل في تاريخ الأعمال.

كما يُشير هذا، لا توجد معادلة بسيطة – أو واحدة. بما أن ريادة الأعمال من حيث التعريف هي واحدة من الممارسات العملية الكبيرة، فإن الكتب التوضيحية يمكن أن تأخذك فقط إلى حد معين. يكتب بيتر تيل (المؤسس المشارك في “باي بال” و”بالانتير”، ومستثمر صناديق التحوّط، وصاحب رأس المال المغامر، والعضو في مجلس إدارة “فيسبوك”) “إن أفضل الممارسات اليوم تؤدي إلى طريق مسدود؛ حيث أفضل المسارات هي الجديدة وغير المُجرّبة”. لكن النصيحة الجماعية – والأهم من ذلك – هي أن التجارب المباشرة لبعض الشخصيات الأكثر نجاحاً في وادي السليكون خلال الأعوام الـ 15 الماضية بالتأكيد توفّر بعض المؤشرات.

في كتاب “من الصفر إلى الواحد”، تيل يجعل الشركات الناشئة تبدو غامضة: يقول “إننا نقوم بإعادة كتابة خطة العالم، من خلال ابتكار تكنولوجيا جديدة”. الشركة الناشئة تأتي من لا شيء (وهذا يفسر لنا عنوان الكتاب). هذه ليست طريقة سيئة للتفكير في الأشياء. إذ تتطلب ريادة الأعمال، أكثر من أي شيء، طاقة ابتكار مُطلقة: ليس فقط الأصالة لكن التركيز الفكري والتصميم على النجاح، أحياناً كما يبدو رغم كل الصعاب.

وتيل شخص متناقض بشكل مُطلق. فهو يوصي بأن عليك التفكير في شيء تعتقد أنه لم يتم التفكير فيه من قِبل أي شخص آخر، ثم الانطلاق وعمل شركة من تلك الفكرة. في هذا العالم، يتم رفض العديد من التقنيات المقبولة للجيل الحالي من الشركات الناشئة في وادي السليكون – البحث عن عناصر تقدم تدريجية، والمحافظة على اللياقة وعدم الترهل، والاستمرار في تكرار المُنتج، وجعل المبيعات تعتني بنفسها. عليك أن تبدأ كبيراً أو لا تبدأ من الأساس.

باعتباره لاعب شطرنج متمرسا، يُعتبر تيل مؤمناً كبيراً بالتفكير في العمل الأفضل قبل أن يبدأ. أي حديث عن “التمحوّر” – وهي كلمة وادي السليكون المفضلة في الوقت الحالي، التي يتم استخدامها لوصف الطريقة التي تقوم بها الشركات التي تفشل في شيء واحد بتعديل أهدافها حتى تحصل على شيء ناجح – لن يلقى اهتماماً يذكر إذا كان مستثمراً.

بالمثل، يتخذ تيل وجهة نظر قاتمة عن هوس وادي السليكون الحالي بإحداث “الاضطراب”، وهي كلمة طنّانة لتهنئة الذات على أي شيء يظهر عصرياً وجديداً”. الأشخاص الذين يظنون أنفسهم قادرين على إحداث الاضطراب مشغولون جداً بالالتهاء بسبب “القوى الغامضة” التي يعتقدون أنهم يعملون على إعاقتها للتركيز على الوظيفة الموجودة في متناول اليد، وهي إيجاد منتجات رائعة.

يقول تيل إن فرص الأعمال الأفضل من كل شيء هي الاحتكارات: لماذا تهتم بعملية المنافسة المُدمّرة عندما يكون بإمكانك امتلاك كل شيء؟ تبريره للاحتكارات الرقمية هو أنها ليست مثل وحوش الاقتصاد القديم الثابتة التي تجمع الإيرادات: هذه منصات ديناميكية تجلب قيمة جديدة إلى العالم (تأمل منصة برمجيات أبل iOS للهاتف الخليوي أو – التي لم يذكرها تيل – “فيسبوك”).

من الواضح أن تيل، بوصفه مشجعا للشركات المهيمنة، لا يستطيع فهم لماذا كان ينبغي على اثنتين من الشركات الاحتكارية الأكبر التي أوجدتها صناعة التكنولوجيا الشروع في العمل المُدّمر لمحاولة تدمير بعضهما بعضا. يكتب: “تماماً كما تسببت الحرب في خسارة عائلتي مونتيجو وكابوليتس لأطفالهم (في مسرحية روميو وجولييت لشكسبير)، فقد تسببت أيضاً في خسارة مايكروسوفت وجوجل لهيمنتهما ـ جاءت أبل وتفوّقت عليهماً جميعاً”، عن طريق جهاز الآيفون.

من المُخجل أنه، في كتاب “كيف تعمل جوجل” أن إيريك شميدت وجوناثان روزنبرج لا يتناولان هذه المسألة بشكل مباشر. شميدت، باعتباره الرئيس التنفيذي السابق، وروزنبرج، باعتباره الرئيس السابق لقسم تطوير المنتجات، لعبا أدواراً أساسية في بناء جوجل خلال مرحلة رئيسة من وجودها ـ الفترة قبل عملية الاكتتاب العام الخاصة بها عام 2004.

يبدأ كتابهما بشكل مثير للاهتمام، بوصف الطريقة التي دعا فيها عضو مجلس الإدارة، مايكل مورتيز، لاجتماع طارئ في الأيام الأولى للشركة لإيجاد استراتيجية تتغلب على فنلندا (الذي تبيّن أنه الاسم الرمزي لمايكروسوفت – مع أن المؤلفين بعد ذلك قاما بتخريب حكايتهما الطريفة من خلال كشف أن هذا الاسم الرمزي هو اسم برنامج حقيقي).

بعض مبادرات جوجل الأهم (والأنجح)، مثل متصفح الإنترنت، كروم، ونظام تشغيل الأندرويد للهاتف الخليوي، تبدو كأنها محاولات متعمدة لمواجهة منصات البرمجيات الرئيسة في مايكروسوفت. لذلك من المفارقة أن المفوضية الأوروبية تنظر في إطلاق تحقيق منافسة فيما إذا كانت جوجل تستخدم نظام الأندرويد لحجب المنافسين، وهي قضية قد تكون لها أوجه تشابه مباشرة مع قضية سابقة بشأن نظام ويندوز لشركة مايكروسوفت.

لكن في هذا الكتاب، أي نقاش عن استراتيجية التنافسية يتم دفنه بسرعة. وتجاهل المؤلفان أموراً قاما بها لمواجهة مايكروسوفت باعتبارها “بضع نقاط تكتيكية”، وبدلاً من ذلك جاءا بتفاهات حول كيف أن التركيز على المنتج وتقديم أفضل تجربة للمستخدم كانا الأساس في إيقاف تقدم شركة البرمجيات العملاقة.

ووضع شميدت وروزنبرج الكثير من تركيزهما على الأشخاص: طريقة التوظيف، والتدريب، والتحفيز، والتنظيم، ومكافأة (وأحياناً طرد) الموهبة اللازمة لإدارة شركة مثل جوجل. على الرغم من أن ثقافة الشركة معروفة بامتيازاتها التي يُحسَد عليها العاملون فيها، إلا أنهما شدّدا على أهمية الأجواء الحميمة التي خلقاها من تكديس الموظفين معاً في مقصورات مُكتظة (ولا عليك من فكرة العمل من المنزل).

ولديهما أيضاً قاعدة بسيطة لأية شركة في عالم التكنولوجيا: توبيخ المهندسين. من خلال أخذ ذلك في الحسبان في الوقت الذي كانت فيها استراتيجية المنتجات في جوجل تواجه خطر الإصابة بالغرور، ادعا الكاتبان أنهما حافظا على تركيز الشركة على الابتكار الحقيقي. وفي مثل هذه الثقافة حتى شيريل ساندبرج، الموظفة الرئيسة وهي الآن الشخص الثاني في فيسبوك، كان يمكن رفضها للعمل في وظيفة للمرة الأولى لأنها لا تملك خلفية هندسية.

المسألة الأكثر أهمية بالنسبة لأي كتاب مثل هذا هي ما إذا كان قادة جوجل بارعين حقاً في تنظيم أنموذج القرن الـ 21 لما ستبدو عليه الشركة المبتكرة للغاية – أو مع إعلانات البحث، ما إذا كانوا محظوظين بما فيه الكفاية للعثور على آلة النقود الأكبر التي قامت صناعة الإعلانات بإنتاجها على الإطلاق. ولا تزال هيئة المحلفين لم تقرر بعد ما إذا كانت الثقافة التي قاموا ببنائها – وكافة تلك الأموال التي تتدفق – يمكن أن تقوم بإنتاج الابتكار الذي يأخذ جوجل إلى مستقبل أبعد من البحث.

بالنسبة لوجهة نظر أكثر تواضعاً عن حياة الشركة الناشئة بعد هذه المزاعم الكبيرة، فإن كتاب “الأمر الصعب بشأن الأمور الصعبة” هو الترياق المثالي. بن هورويتز، الذي خاض تجربة اثنتين من الشركات الناشئة قبل إطلاق شركة رأس المال المغامر مع الشريك مارك أندريسين، يُقدّم وجهة نظر بكافة العيوب الواضحة عن كيف تكون بالفعل مسؤولاً عن شركة على بُعد أسابيع من نفاد النقود، أو مُهدّدة بخسارة زبونها الأكبر، أو تفوّقت عليها شركة منافسة من خلال مُنتج أفضل؟ جوابه المُرتجل هو: “دائماً هناك خطوة أخرى”. إنها حكايات واقعية تقوم بإنتاج الدروس الأكثر تعبيراً في مثل هذه الكتب، وقد وجد هورويتز بعضاً من أفضل هذه الدروس. إذا كنت تتساءل إلى أي مدى يمكن أن تكون إدارة شركة ناشئة أمرا مُجهداً، فكل شيء موجود هنا – ابتداءً من الكفاح حول ما إذا كان الاستخدام المفرط لكلمة اللعنة ينبغي أن يبقى جزءا من ثقافة أي شركة جديدة (بقيت الكلمة مستخدمة في الشركة). تيل لديه نصائح خاصة به تتضمن عدم الوثوق بأي شخص يلبس بذلة وربطة عنق (على الأقل، ليس إذا كان يزعم أنه من أصحاب المشاريع في التكنولوجيا): فهو يدّعي أن هذا هو النوع من الأشخاص الأنيقين الذين كانوا وراء العديد من شركات الطاقة البديلة الفاشلة التي استثمر فيها وادي السليكون أخيرا.

في الوقت نفسه، لم يعمل شميدت وروزنبرج، إلا في بعض الأحيان، على كشف الحياة داخل جوجل – وهي شركة يستمران في خدمتها كونهما، على التوالي، رئيس مجلس الإدارة التنفيذي والمستشار. ومن بين حكاياتهما الأكثر دلالة، كيف قام المؤسس المشارك لاري بيج، عندما لم يكُن راضياً عن شكل الإعلانات الجديدة في جوجل، ببساطة بنشر رسالة عامة ذكر فيها أن “هذه الإعلانات سيئة”. قالا إن هذه الرسالة ألهمت مجموعة من المهندسين ليسوا حتى مسؤولين عن المشكلة، لإيجاد حل. الإدارة من خلال الإذلال قد تكون غير مرغوبة في أماكن أخرى، لكن يبدو أنها تنجح في جوجل. مع ذلك، كما هي الحال مع الكتب المكتوبة من الخطوط الأمامية للشركات، لا يمكنك عدم التفكير بأن الأمور المثيرة حقاً قد تم حجبها. بعد كل شيء، في عالم وادي السليكون الاجتماعي، فإن الإساءة للكثيرين لا تجدي نفعاً. ما تبقى من قراءة هذه الكتب هو شعور بالمُعضلات التي حتى الشركات الناشئة الأكثر نجاحاً تجد صعوبة في حلها. توظيف أفضل المواهب و”التحجيم” – أو النمو بسرعة فائقة قبل أن تأتي شركة أخرى وتسرق سوقاً جديدة – هما اثنتان من مهارات وادي السليكون الرئيسة. لكن حتى هناك يمكن أن تكون الأمور صعبة.

مثلا، يحذّر شميدت وروزنبرج من “الأشرار” الذين طموحهم الشخصي يمكن أن يدّمر الشركة – مع أنهما يُناشدان الصبر على “المميزين” الموهوبين الذين بإمكانهم أيضاً نشر الصبر. يملك هورويتز فئاته الخاصة بالعاملين – عادة الأكثر ذكاء – المسؤولين عن تراجع أي شركة: الزنادقة، والضعفاء، والأغبياء. وهناك “الأشخاص الكبار في السن” – وهي كناية عن أولئك الذين جاءوا من شركات أكبر بخبرة أكثر، والذين قد يُلحقون الضرر بالثقافة. هل هذه هي الطريقة التي يتحدث بها الرؤساء التنفيذيون في شركات التكنولوجيا عن موظفيهم من وراء الأبواب المغلقة؟

هناك مشكلة شائعة أخرى تتعلق بالحجم: لا توجد إجابات سهلة هنا لكيفية الحفاظ على ديناميكية شركة جديدة أثناء نموها. تيل يتلقط المشكلة بتعريفه الذكي للشركة الناشئة: “أكبر مجموعة من الأشخاص بإمكانك إقناعهم بخطة لبناء مستقبل مختلف”. ماذا يحدث لذلك الهدف المشترك عندما تتجاوز المجموعة ذلك العدد؟

ويلخص هورويتز الرعب الذي في انتظارنا: “في حجم معيّن، ستقوم شركتك بأشياء سيئة جداً بحيث لن تتصوّر أنك قد تشارك بهذا النوع من عدم الكفاءة”. ويحذّر الرؤساء التنفيذيين الطموحين بقوله: “إن رؤية العاملين يبدأون بإضاعة الأموال، وإنتاج أعمال سيئة، وإضاعة وقت بعضهم بعضا قد يجعلك أيضاً تشعر بالسوء”.

هذه الكتب الثلاثة كافة لديها عيوبها. لقد تم تجميع كتاب تيل من محاضرات كان قد ألقاها في جامعة ستانفورد من قِبل طالب حريص ومؤلف مشارك، هو بليك ماسترز، في حين أن عمل هورويتز تم بناؤه جزئياً من سلسلة من رسائل المدونات الطويلة. لكن جميعها يستحق مكانه على رف كتب أصحاب المشاريع الطموحين. ففي أسوأ الأحوال ستعرف كيف تلبس – وتلعن – في المرة المقبلة التي تقترب فيها من صاحب رأسمال مغامر لجمع الأموال.