طلال سلامة
تحسنت المؤشرات المنوطة بمسار الاقتصاد السويسري أخيراً، بينما يتمحور الاتجاه التجاري، سواء على صعيد أسواق المال المحلية أو غيرها، حول التوسع إلى الخارج وفي الدول المجاورة عبر تطوير آليات التعامل المواتية.
وأكد مدير البورصة السويسرية «سيكس» كريستان كاتس في مقابلة مع «الحياة» أن «نحو 16 في المئة من الشركات، المدرجة أسهمها في بورصة زوريخ أجنبية، بينما أصبح وضع الشركات السويسرية الكبرى في الخارج أفضل بكثير، ولم تعد تعتمد كثيراً على الأوضاع الاقتصادية السويسرية لرسم تحركاتها، فما يجري خارج سويسرا أصبح شغلها الشاغل، في حين يبحث بعض الجهات السويسرية عن أوضاع غير مستقرة بالكامل لجني أرباح طائلة».
وفي ما يتعلق بالتطورات السياسية والمالية التي أدت إلى توتر العلاقات بين حكومة برن وبعض الدول الغربية بسبب ملف دفع الضرائب، أوضح كاتس أن «لهذه التطورات تداعيات على الشركات المدرجة أسهمها في البورصة السويسرية، ومنذ آذار (مارس) الماضي لم تنجح نحو 300 شركة قابضة سويسرية في تحقيق أهدافها المالية للعام جراء احتدام الصراع الضريبي السويسري – الغربي». وأضاف أن «اهتمام الشركات الأجنبية في إدراج أسهمها في بورصة سيكس تراجع في الشهور الأخيرة بسبب غياب الثقة، وخصوصاً الشركات الآسيوية».
وعبر كاتس عن خيبة أمله إزاء قوانين تنظيم أسواق المال التي تحاول الدول الصناعية الكبرى منذ عام 2009 تطويرها، فجميع المشغلين اعتقدوا أن هذه القوانين ستعطي الأسواق درجة أمان أعلى، فضلاً عن التصدي بقوة للمضاربات، ما يضمن لها درجة صدقية واسعة، ولكن للأسف عدد محدود من هذه الأسواق استفاد من هذه القوانين، على رأسها بورصة «وول ستريت».
ومن غير الممكن تطبيق هذه القوانين على الشركات القابضة أو شركات الـ «أوف شور»، نظراً إلى تحركاتها الدولية الغامضة، كما فرضت هذه القوانين آليات مراقبة قاسية على بعض الدوائر التجارية والمصرفية في سويسرا والخارج. يرافق هذه المراقبة المشددة تكاليف عالية تحض كل جهة خاضعة للمراقبة الدولية على دفع ملايين الدولارات لابتكار آليات جديدة للتهرب من مفعول هذه المراقبة. وكلما ارتفعت تكاليف آليات الرقابة المالية الدولية، كلما تصدت لها آليات إبداعية موازية لتعتيمها، وهذا ما يفعله العديد من المصارف السويسرية في شكل غير علني.
وأوضح كاتس أن «على البورصة المثالية أن تتمتع بمزايا تقنية وبنية تحتية معينة، تجعلها في الوقت ذاته جذابة وتنافسية، ويجب على إدارتها أن تتمتع بسرعة اتخاذ القرارات». وأضاف: «على البورصة المثالية في العالم أن تنجح في انجاز أكبر عدد ممكن من الصفقات التجارية في الثانية الواحدة، كما يجب أن تكون وظائف التحكم بتجارة العملات الصعبة ومراقبة كل ما يجري في البورصة متقدمة جداً تكنولوجياً، وأخيراً يجب أن تكون منصة التداولات التابعة للبورصة ثابتة ومحكمة». ولفت إلى أن «بورصة زورخ، وبعض البورصات الأخرى، كانت مثالية، ففي عام 2012 أبرمت إدارة البورصة السويسرية اتفاقاً مع ناسداك أو ام اكس لتركيب نظام تكنولوجي متقدم قادر على إدارة 20 ألف صفقة تجارية في الثانية، كما تبنت البورصة السويسرية هذه السنة نظاماً جديداً لإدارة الأخطار، وهي تعتبر اليوم الأفضل أوروبياً».
وفي ما يتعلق بتحسين درجة التنافسية مع الخارج، أكد كاتس أن «التكنولوجيا هي السلاح الوحيد القادر على تحسين صورة البورصة السويسرية عالمياً، كما أن الحوار مع كل شركة لديها أسهم في البورصة السويسرية على حدة، ضروري عبر التواصل المستمر لعرض آخر التطورات وتقديم بعض النصائح». وأضاف: «كلما ابتعدت البورصة عن أي أخطار منوطة بانهيار بنيتها التحتية التكنولوجية بين لحظة وأخرى، كلما زاد عدد زبائنها من شركات وغيرها». ومع أن معظم أسواق المال طوى صفحة قديمة ويستعد لفتح أخرى جديدة، توقع كاتس أن «تتفاقم وتيرة الهجمات الالكترونية الفيروسية على الأنظمة الحاسبية التابعة للبورصات، ما يعني أن البورصة المثالية عليها الاستثمار في شكل دائم في مجالي التكنولوجيا ومكافحة التجسس، علماً أن أنشطة التجسس في أسواق المال عبر أنشطة معروفة باسم اينسايدر تريدينغ يقودها مشغلون ذات أوجه متعددة، قد تجر معها تكاليف باهظة الثمن، ففي العام الماضي مثلاً، تجاوزت الخسائر الناجمة عن عمليات التجسس في أسواق تريليون دولار في العالم».
وأشار كاتس إلى أن «سوق لندن المالية تعتبر حالياً المنافسة الرئيسة لبورصة زوريخ، التي تتأثر بتشرذم القوانين المالية التنظيمية في دول الاتحاد الأوروبي وتشرذمها، كما أن المصارف الأوروبية تدير منصات تداولات تجارية موازية غير شفافة أبداً، وقد تستفيد سويسرا من هذه المنصات لعرض بديل أكثر أماناً واستقراراً».