Site icon IMLebanon

اقتصادات الخليج بعد هبوط أسعار النفط …وطهران الأكثر تضرراً

ArabOilGasoline
تامر بدوي

عوامل هبوط أسعار النفط
بعد هبوط سعر النفط يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول الجاري إلى 81.84 دولارا للبرميل, هناك توقعات بأن ترفض دول الخليج -وعلى رأسها المملكة العربية السعودية- تقليص إنتاجها النفطي في اجتماع منظمة أوبك المزمع عقده أواخر الشهر القادم.
ويرى العديد من منتجي أوبك أن مسؤولية خفض الإنتاج النفطي لتثبيت الأسعار لا تقع على كاهلهم، بل على المنتجين خارج المنظمة بصورة رئيسية, أي بمعني أوضح الولايات المتحدة وروسيا وغيرهما.
ومنذ منتصف سبتمبر/أيلول الماضي ارتفع الإنتاج الليبي من النفط ليصل إلى 780 ألف برميل يومياً (بفضل عودة النشاط الإنتاجي في الزاوية ورأس لانوف)، وارتفع لاحقاً إلى أكثر من 900 ألف برميل يومياً في الشهر الجاري.
كما رفعت الولايات المتحدة إنتاجها في أغسطس/آب الماضي بمقدار 300 ألف برميل يومياً. وكذلك فعلت مؤخرا روسيا والعراق وأنغولا ونيجيريا.
أما بالنسبة للسعودية فقد رفعت إنتاجها خلال العام الجاري ثم خفضته، لترفعه مرة أخرى.
ورفعت الرياض أولاً من إنتاجها النفطي بين يناير/كانون الثاني ويوليو/تموز الماضيين للعوامل التالية:
1- عدم استقرار الإنتاج في ليبيا ونيجيريا.
2- الاستجابة لارتفاع الطلب العالمي على النفط.
3- الاستجابة لارتفاع الطلب المحلي نتيجة ارتفاع درجات الحرارة.
وبارتفاع الإنتاج النفطي في ليبيا ونيجيريا وتراجع الطلب الأوروبي والصيني، خفضت الرياض إنتاجها بحجم 408 آلاف برميل يومياً -حسب بلومبرغ- ليصل إلى 9.597 ملايين في نهاية أغسطس/آب (بحسب تقرير أوبك الشهري الأخير). ولاحقاً في سبتمبر/أيلول رفعت المملكة إنتاجها إلى 9.704 ملايين حسب ما أبلغت به الرياض منظمة أوبك، غير أن هناك تقارير أخرى تشير إلى أرقام مختلفة.
ومن المتوقع أن يترك هبوط أسعار النفط تأثيرات كبيرة على اقتصادات إيران وعُمان والبحرين، وانعكاسات أقل تأثيراً بصور متفاوتة على السعودية والكويت والإمارات وقطر.

الرياض.. خسائر ومكاسب آجلة؟
تتعدد التفسيرات بشأن رغبة الرياض وشركائها الخليجيين في خفض أسعار النفط وزيادة حصصها في الأسواق، إذ ترى إيران وروسيا أن دوافع السعودية جيوسياسية, بينما هناك من يرى أن الهدف تقويض الإنتاج الأميركي من النفط الأحفوري لإزاحته، وهناك فريق ثالث يرى أن الهدف هو الاستحواذ على المزيد من الحصص في الأسواق فقط. على الأرجح, جميع التفسيرات السابقة صحيحة.
بالانتقال من علل رغبة الرياض في خفض الأسعار ورفع الإنتاج إلى الانعكاسات الداخلية المحتملة, يُطرح سؤال: إلى أي مدى يتحمل اقتصاد المملكة هذا الانخفاض؟
تشير تقديرات صندوق النقد الدولي إلى ارتفاع سعر برميل النفط التعادلي (أي سعر النفط المحقق لتوازن الموازنة) إلى 89 دولارا عام 2013 مقابل 78 دولارا عام 2012، وهو ما يعني أن الاقتصاد بات يتعرض تدريجياً لضغوط أكبر مع توسع الإنفاق الحكومي في مشروعات عملاقة، فضلاً عن المساعدات الخارجية.
بحسب آخر تقارير الصندوق عن السعودية الصادرة في الشهر الماضي (أي قبل هبوط أسعار النفط بأسابيع), قد تواجه المملكة عجزاً في موازنة العام القادم بنسبة 1.4% من الناتج المحلي الإجمالي وذلك في مقابل تقديرات للصندوق في أبريل/نيسان الماضي تنبأت بتحقق فائض يصل إلى 4%. وكان الصندوق قدّر في وقت سابق أن المملكة لن تواجه عجزاً قبل العام 2018، لكنه في التقرير الأخير توقع أن يبلغ العجز 7.4% بحلول العام 2019.
ويتوقع الصندوق أن تتراجع الودائع الحكومية لدى مؤسسة النقد العربي السعودي بنسبة 55% بين 2013 و2019، كما ستكون في العام 2019 قادرة على تغطية مدة ستة أشهر ونصف فقط من الإنفاق الحكومي. لكن إذا استطاعت الرياض تقليص العجز المالي غير النفطي بنسبة 3% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي سنوياً بين 2014 و2019 مقارنة بموازنة 2013, فستكون الاحتياطات قادرة على تثبيت الوضع الاقتصادي إذا ما حدث هبوط كبير في أسعار النفط مستقبلاً.
تشير تقديرات إلى قدرة الرياض على تحمل ضغوط كهذه على المديين القصير والمتوسط، خاصة أنها في العام 2014 تحتاج إلى سعر 85 دولارا للبرميل لتحقيق توازن في موازنتها العامة (هناك تقديرات أخرى تشير إلى 93 دولارا). وبحسب تقرير للفايننشال تايمز، ستنفق الرياض في حال انخفاض سعر البرميل إلى 80 دولارا ما بين 10 و20 مليار دولار سنوياً من مجموع الاحتياطي النقدي البالغ قدره 750 مليارا. ويبدو أن الرياض مستعدة لانخفاض أكبر, فبحسب وول ستريت جورنال توقع مسؤولون خليجيون وصول سعر النفط إلى 70 دولارا.
هناك مكاسب قد تجنيها الرياض على المدى البعيد من انخفاض مماثل في أسعار النفط في حال استمراره لفترة طويلة (تشير تقديرات إلى أن الانخفاض الحالي ليس سوى انخفاض مؤقت)، كتقويض موقع النفط الأحفوري الأميركي. ولكن رغم اختلاف تكاليف استخراج النفط الأحفوري بين منتج وآخر, ستصبح عملية تقويض النفط الأميركي أكثر صعوبة مستقبلاً مع تقدم التقنيات وتراجع التكاليف تدريجياً.

طهران.. الأكثر تضرراً
أما إيران -خصم السعودية ومنافستها في المنطقة- فترى أن رفع الرياض إنتاجها في ظل تشبع الأسواق يستهدف الضغط عليها اقتصادياً ومن ثم جيوسياسياً، إذ عندما تنخفض عائدات طهران النفطية يتآكل أداؤها الاقتصادي داخلياً, ويتراجع موقعها في المحادثات النووية, ويتعرض دعمها العسكري للنظام السوري إلى المزيد من الضغوط.
قدمت إدارة الرئيس روحاني إلى مجلس الشورى الإسلامي منتصف يوليو/تموز الماضي “حزمة التحفيز الاقتصادي” للخروج بالبلاد من حالة الركود التضخمي، لمعالجة مشكلات يعاني منها الجهاز المصرفي, والموازنات العامة، وآليات سعر الصرف. ولكن -في النهاية- يعتمد هذا البرنامج التحفيزي على العائدات النفطية التي يهدد تراجعُها الإنجازات القليلة التي حققتها الإدارة الإيرانية خلال الفترة الماضية.
بلغ سعر برميل النفط لموازنة السنة المالية الجارية (عام 1393 الفارسية) 100 دولار بمعدل تصدير يصل إلى 1.4 مليون برميل يومياً. ولذلك يتوقع أن تواجه طهران عجزاً معتبراً في موازنتها ما لم ترتفع الأسعار إلى ما فوق المائة دولار قريباً (بينما يرى محللون أن طهران تحتاج إلى 140 دولارا كي تحقق التوازن في موازنتها العامة). ويترتب على ذلك احتمال أن تعاود معدلات التضخم الارتفاعَ مرة أخرى ما لم يقلص الإنفاق (خاصة في القطاع العمراني)، وعليه فقد تلجأ الحكومة إلى السحب من الصندوق الوطني للتنمية, وهو صندوق سيادي يتلقى العائدات التي تتجاوز سعر برميل النفط التعادلي.
وكان المركزي الإيراني قد أعلن عن تراجع معدل التضخم في سبتمبر/أيلول الماضي إلى 20.6%. وتزامناً مع هذا التراجع التدريجي, بدأت الحكومة تركز مؤخراً على دفع البنوك والمؤسسات المالية إلى تقديم المزيد من التسهيلات للمنشآت الصناعية الصغيرة والمتوسطة في القطاع الخاص لتحفيز الإنتاج من أجل إخراج البلاد من حالة الركود.
هناك من يرى من داخل الدولة الإيرانية أن إعلان المركزي الإيراني الأخير عن معدل نمو بلغ 4.6% خلال ربيع 2014 مقارنة بربيع 2013، لم يكن سوى تلاعب من طرف الحكومة في مؤشرات الاقتصاد الكلي لتحقيق مكاسب سياسية في الشارع الإيراني. ويرى مراقبون اقتصاديون في إيران أن هذا الرقم لا يعبر عن نمو حقيقي ناتج عن عودة نشاط القطاعات الصناعية والزراعية الراكدة، بل هو مدفوع بتدفق البترودولار.
قد تبدو التوقعات والأرقام التي تعلن عنها طهران مبالغاً فيها عند مقارنتها بتوقعات صندوق النقد الدولي، إذ يتوقع محافظ البنك المركزي الإيراني ولي الله سيف أن تحقق بلاده معدل نمو بنسبة 3% في العام الجاري، بينما يتوقع الصندوق أن لا يتعدى نسبة 1.5% هذا العام، و2.3% في العام القادم.

البحرين.. هل تستطيع العبور؟
يبدو أن الكويت عازمة مع السعودية على إبقاء سعر النفط منخفضاً في الأسواق العالمية لقدرة اقتصاديهما على تجاوز انخفاضات مماثلة, لكن الاقتصاد البحريني سيكون أقل قدرة بكثير على التعايش مع التطورات الجارية.
فقد شهدت الموازنة البحرينية في السنة المالية 2013 عجزا مالياً بلغ 1.1 مليار دولار، وعليه أشار صندوق النقد الدولي آنذاك إلى حاجة البحرين لسعر 119 دولارا للبرميل كي تحقق توازناً في موازنتها العامة.
وفي قطر، هناك تداعيات محتملة على صادرات الغاز المُسال. وتظل الدوحة بمنأى عن تقلبات أسواق النفط نظراً لكون سعر برميل النفط التعادلي الخاص بها متواضع القيمة, إذ يبلغ سعره حسب تقديرات 65 دولارا (يتوقع صندوق النقد أن يرتفع إلى 77.60 دولارا عام 2015). لكن من ناحية أخرى ترتبط تسعيرة صادرات الغاز المُسال القطري بأسعار النفط العالمية (Oil-indexed), وبذلك قد تتأثر عائدات الغاز بصورة محتملة بمثل هذه الاضطرابات التي تشهدها أسواق النفط.
وقد يكون الغاز الأحفوري الأميركي أكثر تأثراً بمثل هذه التحولات من المنتجين التقليديين، مما يُضعف من موقعه أمام الغاز القادم من قطر إلى آسيا. فهناك شكوك في قدرة الغاز المُسال الأميركي على المنافسة في آسيا إذا انخفض سعر برميل النفط عن 90 دولارا. يزيد هذا التأثر بارتباط إنتاج الغاز الأحفوري بإنتاج النفط الأحفوري في الولايات المتحدة وغيرها. وبذلك يصب انخفاض أسعار النفط بصورة من الصور في صالح المنتجين التقليديين بتقويض المنتجين الجدد للغاز المُسال.
لكن من جهة أخرى قد لا يكون انخفاض أسعار النفط مكسباً للمنتجين التقليديين في حال اتجاه مستهلكي آسيا إلى الاستغناء جزئياً عن استيراد الغاز المُسال المكلف لصالح النفط الأقل تكلفة في حال استمرار الأسعار في الانخفاض. من هنا يعزز انخفاض أسعار النفط من موقع المستهلكين عند التفاوض مع منتجي الغاز المُسال على الأسعار الجديدة.