تسبب انحسار أسعار النفط في هبوط أسهم شركات النفط، إلا أن خبراء بمجال النفط يرون أنه لا توجد مؤشرات على تباطؤ ازدهار إنتاج الطاقة الأميركي؛ مما سيبقي على حالة الوفرة في السوق وعلى أسعار الغازولين المنخفضة.
ورغم تراجع أسعار النفط بنسبة تصل إلى 25 في المائة منذ مطلع الصيف، تشير تقارير حكومية وخاصة إلى أن الأمر يستلزم تراجع السعر بمعدل يتراوح بين 10 و20 دولارا للبرميل ليصل إلى 60 دولارا للبرميل كي يجري التحرك نحو إبطاء الإنتاج، ولو بصورة متواضعة على الأقل.
على الصعيد السلبي، ستتراجع الضرائب والعائدات المرتبطة بالنفط، الأمر الذي قد يؤثر على الأوضاع المالية للولايات المنتجة للنفط، مثل: تكساس، وألاسكا، وأوكلاهوما، ونورث داكوتا. وسيستمر هذا الوضع في خلق ضغوط على دول منظمة الأوبك كي تخفض إنتاجها لدعم الأسعار، بجانب التسبب في مصاعب اقتصادية للدول الكبرى المنتجة للنفط، مثل: روسيا، وفنزويلا، وإيران.
ويمكن الحفاظ على مستويات الإنتاج الراهنة بحقول الطين الصفحي لعام 2015 حتى لو تراجع مؤشر برنت النفطي العالمي، الذي تراجع إلى أقل من 84 دولارا للبرميل خلال نقطة ما هذا الأسبوع، انخفض لما بين 60 و65 دولارا، تبعا لما ذكرته شركة «ريستاد إنرجي» النرويجية الاستشارية بمجال النفط والغاز الطبيعي.
في هذا الصدد، أعرب بجورنار توناهوجن، نائب رئيس «ريستاد إنرجي» لشؤون أسواق النفط والغاز الطبيعي، خلال تقرير صدر هذا الأسبوع عن اعتقاده بأن «إنتاج النفط سيستجيب ببطء شديد لانخفاض أسعار النفط، بل وقد تشهد الأسواق عرضا يزيد على حاجتها خلال العام المقبل بدرجة أكبر مما سبق اعتقاده».
في الواقع، إن إبطاء الإنتاج النفطي الأميركي أشبه بإبطاء قطار شحن يسير بسرعة قصوى، ذلك أن الإنتاج الحالي البالغ 8.7 مليون برميل يوميا، وهو الأعلى منذ قرابة ربع قرن، يزيد بأكثر من مليون برميل يوميا عن الإنتاج منذ عام واحد مضى. والمعروف أن غالبية الشركات تتخذ قراراتها الاستثمارية مسبقا وبفترة طويلة، ويتطلب الأمر شهورا لإبطاء وتيرة عمليات التنقيب بسبب التعاقدات القائمة مع شركات الخدمات، وحتى لو قررت الشركات خفض بعض عمليات التنقيب، فإنها ستختار أقل الحقول إنتاجية أولا بينما ستستمر في العمل بالأخرى الأعلى إمكانية.
وأشارت وزارة الطاقة هذا الأسبوع إلى أن 4 في المائة فقط من إنتاج الطين الصفحي في نورث داكوتا وتكساس وولايات أخرى، بحاجة لأسعار نفط تتجاوز 80 دولارا للبرميل كي يبطئ المنتجون وتيرة عملهم. من بين الأسباب وراء ذلك أن تطور كفاءة التصديع الهيدرولي وأساليب الإنتاج الحديث الأخرى زادت من إنتاج كل بئر جديد شهرا وراء الآخر خلال السنوات الأخيرة. مثلا، تتوقع وزارة الطاقة ارتفاع إنتاج النفط من الآبار الجديدة في حقل بيكين بنورث داكوتا للطين الصفحي بمقدار 7 براميل يوميا الشهر المقبل عن الشهر الحالي، وبمقدار 8 براميل يوميا داخل حقل تكساس إيغي فورد، وعند جمع التقديرات معا، نجد أنه خلال شهرين سنشهد عشرات الآلاف من البراميل الجديدة يوميا بمختلف أرجاء البلاد، مع عدم حدوث زيادة في الاستثمارات.
من جهته، توقع سداد الحسيني، رئيس شؤون التنقيب والإنتاج سابقا في «أرامكو» السعودية، أن تضيف الولايات المتحدة مليون برميل أخرى لإنتاجها اليومي خلال العام المقبل.
وأضاف خلال مقابلة أجريت معه: «ما يخفف الأسعار هو الطلب الأضعف بسبب وضع الاقتصاد العالمي وتنامي إنتاج أميركا الشمالية، والتساؤل الآن: هل ستهبط الأسعار للقاع؟ هذا يعتمد على ما يأتي من الولايات المتحدة».
وأضاف أن «المستثمرين بدأوا في توقع تراوح الأسعار بين 75 و80 دولارا، الأمر الذي سيحد من بعض الطموحات، وقد يعني ذلك «استقرار الإمدادات الجديدة بحلول منتصف 2015».
يذكر أن الولايات المتحدة حظرت معظم صادرات النفط لمدة 4 عقود، لكن الإنتاج الموسع أدى لتراجع شديد في واردات النفط من كثير من دول «أوبك»، مما أجبرها على خفض أسعارها في آسيا. كما تزيد الولايات المتحدة صادرتها من منتجات مكررة مثل الغازولين والديزل، وهو أمر مسموح به، الأمر الذي يؤثر على إنتاج دول أخرى.
من ناحيتها، أشارت الوكالة الدولية للطاقة، التي تعنى بجمع وتحليل البيانات من الدول الصناعية وتتخذ باريس مقرا لها، هذا الأسبوع إلى أن الإنتاج المائي العميق أوفشور، والإنتاج الكندي من الرمال النفطية، وبعض إنتاج الطين الصفحي، هو الأكثر عرضة لإجراءات خفض الاستثمارات والإنتاج عند تراجع أسعار النفط، إلا أن قرابة 8 في المائة فقط من هذه الأنماط الإنتاجية تستلزم وصول سعر البترول إلى 80 دولارا كي تصل نقطة التعادل بين الاستثمار والعائد.
وأفادت الوكالة الدولية للطاقة أن قرابة 2.6 مليون برميل فقط من إجمالي الإنتاج العالمي المتجاوز 90 مليون برميل يستلزم وصول السعر إلى 80 دولارا ليصل نقطة التعادل، بما في ذلك بعض الحقول في الصين وإندونيسيا ونيجيريا وروسيا، وهي حقول مرتفعة التكلفة لأسباب منها ما تفرضه الحكومات هناك على المنتجين من ضرائب وتكاليف أخرى.
حققت الأسعار العالمية والأميركية بعض التعافي، الجمعة الماضي؛ حيث تراوحت بين 83 و86 دولارا. وتراجع مؤشر ويست تكساس إنترميديات الأميركي لأدنى من 80 دولارا للمرة الأولى منذ عامين لفترة موجزة صباح الخميس الماضي، ويتوقع بعض الخبراء تكرار ذلك خلال الأيام القادمة.
ويعني تراجع الأسعار انخفاض أسعار الطاقة للمستهلكين الأميركيين. يذكر أن متوسط السعر الوطني لغالون الغازولين العادي، الجمعة الماضي، بلغ 3.14 دولار، ما يقل بـ10 سنت عما كان عليه من أسبوع مضى، و22 سنتا أقل عن العام السابق، وهذا هو أدنى سعر خلال أكثر من 3 سنوات.
ويرى الكثير من الخبراء بمجال النفط أن السعودية والكثير من دول «أوبك» التي خفضت أسعارها الفترة الأخيرة تحاول دفع الإنتاج العالمي نحو الانخفاض، خاصة الإنتاج الأميركي والكندي، لحماية نصيبها في السوق، إلا إنه مع تنامي أعداد السكان والسعي الدؤوب لتهدئة القلاقل الداخلية المحتملة، تحمل السعودية على عاتقها ميزانية اجتماعية متزايدة تعتمد بشكل يكاد يكون كاملا على العائدات النفطية. وعلى المدى الطويل، ربما تحتاج السعودية لرفع الإنتاج ليبلغ نفس مستوى أو يزيد عن الإنتاج الأميركي.