يعد مارتن وولف أحد أبرز الكُتاب الاقتصاديين البريطانيين وهو يكتب مقالاته في جريدة «فايننشال تايمز». ويمكن اعتباره في مكانة بول كروغمان، الاقتصادي الأميركي الحائز على جائزة «نوبل»، والذي يكتب في جريدة «نيويورك تايمز». يثابر مارتن وولف على انتقاد السياسيين في الغرب ومهاجمتهم، وهو، كوسطي، يقف إلى جانب التجارة الحرة والسوق الحرة. وفي كتابه الأخير «التحولات والصدمات ما الذي تعلمناه، وما يجب علينا أن نتعلمه من الأزمة المالية»، يظهر نفسه كواحد من أكبر المنتقدين لمسار الاقتصاد العالمي الحالي، وكداعٍ إلى إحداث تغييرات جذرية فيه. ويعتبر أن إجراءات البنوك المركزية في الغرب حمت الاقتصادات من الانهيار والركود. وبعد ست سنوات من الأزمة، لا تزال آثارها ماثلة حتى الآن، إذ لا يزال الاقتصاد الغربي مكبلاً، وسائراً في طرق متعرجة. فالطلب ضعيف، والإنفاق مقيد كنتيجة للقيود التي وضعت على إعطاء القروض. كما استمرت أزمة اليورو من دون حل. وتواجه الاقتصادات الصاعدة انخفاض نسبة النمو ومشكلة الديون الداخلية والخارجية.
يرجع وولف أسباب نشوب الأزمة الطاحنة إلى قرارات السياسيين الخاطئة. ولا يضيف جديداً إلى الأسباب التي ذُكرت من قبل. ان «التحولات» تعود إلى ما حدث ما بين الأعوام 1990 و2000، عندما راكمت بعض الدول مثل الصين وألمانيا مدخرات مالية ضخمة، فاقت الاستثمارات. ونتج منها انخفاض الفائدة المصرفية، إلى أدنى مستوى لها. وتحولت المدخرات إلى استثمارات خارجية هائلة، ما أدى إلى نشوء القروض الرخيصة، محولة المالية العامة إلى نظام ضعيف، نجم عنه عدم القدرة على دفع الديون. وقد أدى ذلك إلى انفجار فقاعة الديون، مما أسفر عن انخفاض القدرة المالية للشركات والمؤسسات والقطاع الصناعي، وجعل الاقتصاد الوطني كاملاً على حافة الانهيار.
يعتقد وولف ان الفترة التي تلت الأزمة كانت ضعيفة اقتصادياً، بسبب عدم تفهم السياسيين لمسار هذه الأزمة وأسبابها. وبدلاً من قبول العجز الكبير في موازنة الدول المالية كبديل للاستثمار الحاصل، وضع السياسيون إجراءات وقيودا لملء فجوة عدم تسديد الديون. وكان المطلوب إعادة الهيكلة. لم تستطع المدخرات، برغم كبرها، تخطي الأزمة، وذلك بسبب عدم المساواة في توزيع الثروة. ويرى لاري سمارز أن العالم الغني يواجه «ركوداً بنيوياً»، بينما يرى وولف أن الطلب الضعيف سيستمر، وأن على البنوك زيادة رساميلها وابتكار خطة جديدة للتأمين، لإتاحة الفرصة للاقتصادات الصاعدة للحصول على الرساميل بطريقة سليمة ومستدامة. ويصل وولف إلى فكرته الأساسية التي تقول إن النظام المالي الضعيف والقصور البنيوي يجب ألا يعتمدا على تقديمات البنوك، بل على القبول بالعجز الدائم في موازنات الدول العامة، التي يغطيها البنك المركزي بسندات الخزينة. وهو ما سيساعد على تخطي الأزمات المالية مستقبلاً.