عدنان الحاج
يبقى موضوع المالية العامة، على الرغم من محاولات ضبط النفقات وتحسين الايرادات، الأساس في موضوع المشكلة الاقتصادية، نتيجة استمرار وتيرة تراجع المؤشرات أو أكثرها، في مختلف القطاعات الإنتاجية والخدماتية التي تعاني صعوبات التسويق أو التحصيل .
هذا الواقع يلقي الضوء على الصعوبات التي تواجهها المؤسسات في القطاعات الأساسية، وتنذر بإمكانية تزايد الديون المشكوك بتحصيلها، والبالغة حالياً حوالي 4.2 مليارات دولار، مقابلها مؤونات بحوالي 1.4 مليار دولار. لكن هذا الواقع استوجب من مصرف لبنان ومن القطاع المصرفي إعطاء مهل وتسهيلات للقطاعات السياحية والتجارية نتيجة تردي الأوضاع، وتلافياً للضغوط على المؤسـسات التي تواجه تراجعات في نشاطها.
استحقاقات 2014 ليست قليلة
وكان ينقص الوضع المالي اللبناني تردي الأوضاع في الأسواق العالمية، مما يزيد من صعوبة تمويل احتياجات الدولة في الإصدارات الخارجية المقبلة، لا سيما أن استحقاقات العام 2014 ليست قليلة، وهي تفوق مع عجز الموازنة 15 مليار دولار، أكثرها بسندات الليرة لا بالعملات، هذا على الرغم من أن القسم الأكبر من السندات اللبنانية وأوراق الدولة محمولة في أكثرها من المصارف والمؤسسات اللبنانية، المقيمة وغير المقيمة، وبالتالي فان تأثير الأزمات يبقى محدوداً، لكنه يرفع كلفة المخاطر على الديون نتيجة تصنيف لبنان الائتماني .
ويمكن القول إن «الفقر يولد النقار» وهو ما حصل، بدليل ما جرى في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة بين بعض الوزراء، من تبادل الاتهامات حول الأداء في الوزارات الخدماتية، والسعي لتعزيز الشعبية على حساب المال العام، وافتداء الخلافات السياسية بالنفقات العامة، التي تنعكس مزيداً من العجز في الخزينة، في ظل غياب الموازنات العامة منذ العام 2006 حتى اليوم.
ضغوط أمنية وسياسية
في هذا الوقت، تستمر ضغوط التطورات الأمنية والسياسية في الداخل والمنطقة، لتضرب إمكانية تحسن النشاطين الاقتصادي والمالي، نتيجة تراجع، أو هجرة المشاريع الاستثمارية، الخارجية منها وحتى اللبنانية، للبحث عن فرص أفضل في بعض الدول التي باتت محدودة في ظل تمدد أزمة المنطقة .
في ظل هذه الأجواء الملبدة تبرز بعض المؤشرات إلى بعض القطاعات، التي ما زالت صامدة، نتيجة خبرتها في التعامل مع الأزمات الداخلية والمستوردة طوال السنوات الماضية، والتي ارتفعت وتيرتها مع الأزمة السورية .
يترافق كل ذلك مع ضعف أداء الدولة وأجهزتها المترافق مع صعوبة التوافق على ايجاد مخرج لسلسلة الرتب والرواتب وكلفتها وشموليتها، ونتائج التضخم التي تزداد من دون علاج على المدى القريب أو المتوسط في القطاعين العام والخاص.
أزمات من دون معالجة
فهناك أزمات من دون معالجة، من الكهرباء إلى الطرقات والمياه والخدمات المختلفة، التي تكلف المواطن أعباء كبيرة تفوق قدرته المعيشية ودخله المتوافر، مع تراجع القدرات في القطاع الخاص على المطالبة بتصحيح الأجور، ولو بالحدود الدنيا، نتيجة الظروف العامة التي تصيب القسم الأكبر من القطاعات، التي ترفض مسبقاً أي بحث لتحسين الأجور في القطاع الخاص، وهو يشكل أكثر من 82 في المئة من النشاط في البلاد . يضاف إلى ذلك تزايد منافسة اليد العاملة اللبنانية قبل النزوح السوري وخلاله، ناهيك عن ضيق فرص العمل الخارجية أمام اليد العاملة التي تبحث عن الفرص خارج البلاد، لا سيما في دول الخليج وأفريقيا .
النتائج والمؤشرات في القطاعات الأساسية
لا بد من التوقف عند بعض المؤشرات، حتى بداية الفصل الأخير من السنة الحالية، في محاولة لتبيان النتائج المرحلية للنـشاط الاقتـصادي والمالي.
1 ـ بداية، تظهر نتائج ميزان المدفوعات حتى نهاية شهر آب أن العجز ارتفع إلى حوالي 433 مليون دولار، بزيادة حوالي 500 مليون دولار خلال شهر آب وحده، وهو الفارق بين حركة العملات الداخلة والخارجة من لبنان، وهي في أكثرها تعود إلى العجز في الميزان التجاري البالغ حوالي 11.9 مليار دولار، بزيادة حوالي 3.2 في المئة عن الفترة ذاتها من العام الماضي. مع الإشارة إلى أن ميزان المدفوعات حقق فائضاً حتى نهاية شهر تموز من العام الحالي بحوالي 132 مليون دولار .
لكن مع ذلك فإن عجز ميزان المدفوعات في الفترة ذاتها من السنة الماضية كان سجل حوالي 1180 مليون دولار. مع الإشارة ايضاً إلى ان المستوردات تراجعت حوالي 300 مليون دولار خلال الاشهر الثمانية الأولى من العام الحالي .
2 ـ النقطة الثانية في الحركة الاقتصادية تظهر من خلال تراجع الصادرات الصناعية من حوالي 2697 مليون دولار في العام 2013 إلى حوالي 2057 مليون دولار للفترة ذاتها من السنة الحالية، بتراجع حوالي 545 مليون دولار، وبما نسبته 23.7 في المئة. أما الصادرات الزراعية فقد تراجعت من 181 الى 161 مليون دولار بما قيمته 20 مليون دولار ونسبته 11 في المئة.
الدين العام يرتفع حوالي % 9
3 ـ بالنسبة لوضع المالية العامة، وعلى الرغم من محاولات تقليص النفقات، فقد زاد الدين العام على صعيد سنوي بحوالي 9 في المئة، وسجل في نهاية آب ما مجموعه حوالي 65.9 مليار دولار، مقابل حوالي 60.5 مليار دولار لنهاية الفترة ذاتها من العام 2013. اللافت أن الدين العام الداخلي زاد حوالي 16 في المئة، وبلغ حوالي 39.7 مليار دولار، مقابل حوالي 26.1 مليار دولار للدين الخارجي الذي تراجع حوالي النصف في المئة. بمعنى آخر، لقد زاد الدين العام حوالي 5.3 مليارات دولار خلال سنة تقريباً. اما خدمة الدين فقد زادت حتى نهاية شهر آب حوالي 12.6 في المئة وبلغت حوالي 2157 مليون دولار، مقابل حوالي 1915 مليوناً للفترة ذاتها من السنة الماضية .
تحسن إيرادات الدولة
تبقى إشارة الى أن إيرادات الدولة تحسنت بشكل جزئي خلال النصف الأول من السنة، حسب (آخر الإحصاءات المالية) وسجلت حوالي 5.2 مليارات دولار مقابل حوالي 4.9 مليارات للفترة ذاتها من العام 2013. على الرغم من نمو النفقات حوالي الواحد في المئة.
4 ـ التحويلات من الخارج والرساميل الوافدة سجلت تحسناً وبلغت حوالي 11.4 مليار دولار، مقارنة مع حوالي 10.2 مليارات دولار للفترة ذاتها من العام الماضي، أي بزيادة نسبتها 10.9 في المئة. وهذا يعود لحركة تحويلات العاملين في الخارج، إضافة إلى دخول بعض الرساميل في قطاعات محددة نتيجة حركات النزوح من أزمات المنطقة. هذا على الرغم من تراجع الحركة السياحية والتجارية بنسب ملحوظة مع بعض التحسن المحدود في النشاط السياحي القائم على اللبنانيين من غير المقمين خلال فترة الصيف الأولى .
ارتفاع حجم التسليفات
5 ـ تبقى الإشارة إلى نشاط القطاع المصرفي، الذي زادت موجوداته خلال ثمانية أشهر حوالي 5.5 مليارات دولار، مقابل حوالي 6.6 مليارات دولار للفترة ذاتها من العام الماضي، أي بتراجع في نمو الموجودات بنسبة 17.5 في المئة. أما الودائع فقد زادت حوالي 5.3 مليارات دولار، بتراجع حوالي المليار دولار عن العام الماضي، بما نسبته 16.8 في المئة. اما حركة التسليفات فقد ارتفعت من حوالي 2.1 مليار دولار إلى حوالي 2.3 مليار دولار نتيجة تحفيزات مصرف لبنان وتسهيلاته بالقروض المدعومة للقطاعات المختلفة وخصوصاً تسليف السكن والمؤسسات المتوسطة بتخصيص حوالي 1200 مليار ليرة خلال العام الحالي.
بالنسبة لارباح القطاع المصرفي فقد بلغت خلال ثمانية أشهر من العام الحالي حوالي 1105 ملايين دولار، مقابل حوالي 1061 مليون دولار للفترة ذاتها من العام 2013، بزيادة حوالي 43 مليون دولار وبنمو نسبته 4.09 في المئة.