أنطوان فرح
اكتفت التحليلات المحلية في توصيف بقاء بورصة بيروت خارج دوامة «الانهيارات» التي شهدتها البورصات العالمية، ومن ثم تبعتها البورصات العربية، بالتركيز على مقولة ان بيروت هي في الاساس خارج معادلة الاسواق العالمية، وهي بالتالي محمية من النتائج السلبية التي تترتب على أي تراجع تشهده هذه الاسواق.
ويستعين المحللون للوصول الى هذه النتيجة، بما جرى في أزمة العام 2008، عندما بقيت السوق اللبنانية ثابتة، في وقت انهارت فيه معظم الاسواق العالمية، وتأثرت اقتصاديات ومستويات معيشة معظم الدول حول العالم.
في هذا السياق كان يطيب لأحد المصرفيين في بيروت أن يقول امام زواره، ان لبنان لم ينجو من هذه الأزمة بفضل حكمة قياداته، بل لأنه لم يكن موجودا في مكان الاعصار. اذ عندما هبت العاصفة وأغرقت السابحين في البحر، كان لبنان يسبح في بركة صغيرة امام المنزل.
هذا التوصيف قد ينطبق على الواقع الحالي، لأن لبنان لا يزال يسبح في تلك البركة الصغيرة امام المنزل، لكن المشكلة أن «الايجابيات» التي حصدها اقتصاد البلد جراء البقاء خارج المعادلة في تلك الحقبة، لن يتمكن من الحصول عليها اليوم.
وقد تمثلت تلك الايجابيات بعوامل عدة منها:
اولا- استقبال المصارف لكميات من الرساميل التائهة في المنطقة، والعائدة من الاسواق العالمية.
ثانيا- تزامن هذا الوضع مع هدوء أمني وسياسي سمح بعودة الاستثمارات، وإقبال السياح.
ثالثا – تراجع دراماتيكي في اسعار النفط أتاح للمالية العامة في الدولة تسجيل وفر مالي كبير.
هذا الوضع سمح للبلد الصغير بأن تكون السنوات الثلاث العجاف في العالم، بمثابة حقبة ذهبية بالنسبة الى اقتصاده. اذ ارتفع المدخول السياحي الذي يساهم في العادة بحوالي 15 الى 20 في المئة من الانتاج الوطني، الى حوالي 7 مليار دولار. كما سجل النمو بين 2008 و2010 ارتفاعا بمعدل 8 في المئة سنويا، في وقت كانت اقتصاديات كبيرة تسجل نمواً بنسبة صفر في المئة.
الملاحظة في هذه القراءة ان المواطن لم يستطع أن يستفيد كثيرا من المفاعيل الايجابية على اعتبار ان الدولة حافظت على أرباحها من بيع مشتقات الطاقة، وبالتالي، دفع المستهلك سعرا مرتفعا لنفط انهارت اسعاره ووصلت الى ادنى مستوياتها.
وللتذكير، كان سعر النفط قد وصل في تموز عام 2008، الى 136.86 دولارا للبرميل، ثم هبط بشكل دراماتيكي بعد اندلاع الأزمة الى 87.29 دولارا أميركيا للبرميل في 24 كانون الاول 2008، بتراجع نسبته حوالي 80 في المئة.
في عودة الى الواقع اليوم، يُلاحظ أن البورصات العربية خسرت في الايام القليلة الماضية مبالغ طائلة، ووصل التراجع الى مستويات مُقلقة. وقد هبطت 10 بورصات، وتقدمت بورصتان، واستقرت بورصة واحدة هي البورصة اللبنانية.
تراجعت السوق في دبي 13.6 في المئة، السعودية 8.7 في المئة، سلطنة عمان 8.1 في المئة، مصر 6.9 في المئة، قطر 6.4 في المئة، أبو ظبي 6.1 في المئة، البحرين 1.6 في المئة، الكويت 1.4 في المئة، الأردن 0.8 في المئة، فلسطين 0.2 في المئة، بينما ارتفعت السوق التونسية 0.4 في المئة، والمغربية 0.1 في المئة، واستقرت السوق اللبنانية.
يبقى السؤال، هل ما يجري حاليا هو مجرد عملية تصحيح بسيطة، ام بوادر أزمة عالمية قد تتطور اكثر وتتصاعد وتيرتها في الايام المقبلة، ام يمكن الركون الى النظرية الثالثة التي تتحدث عن مؤامرة مكتملة العناصر لضرب اقتصاديات دول نفطية كبيرة في مقدمها روسيا وايران؟
بصرف النظر عن الاجابة، وهي غير متوفرة في مطلق الاحوال، لا بد من تسليط الضوء على حقيقة واضحة لكنها تغيب احيانا عن أذهان البعض، وهي أننا لا نستطيع أن ندّعي انه اذا تكررت أزمة العام 2008 اليوم، مُصطنعة كانت ام طبيعية، نستطيع ان نكرّر النتائج نفسها. وضعُنا حاليا لا يشبه في شيء وضعنا عام 2008.
ونستطيع أن نورد النقاط التالية التي تصنع الفرق السلبي:
اولا – الوضعان الامني والسياسي في قعر الهاوية، على عكس الوضع بين 2008 و2010.
ثانيا – المشهد الاقليمي مضطرب الى حدود الرعب المُبرّر. وقد خسر قطاعنا المصرفي حتى الان حوالي 400 مليون دولار في سوريا وحدها.
ثالثا – التعاطّف العربي مع لبنان ضعيف، ولا يشبه الوضع عام 2008.
رابعا – الضغط الاقتصادي والنفسي والأمني الذي يشكله النازحون السوريون، يمنع النمو الطبيعي للاقتصاد.
هذا الفرق الواضح بين الحقبتين، يعني عمليا اننا في مواجهة ظروف مختلفة عن السابق. واذا كانت الحكومة اللبنانية لا تزال غائبة عن الوعي، وهي ليست في أحسن حالاتها لكي تقرأ وتستعد وتتخذ الاجراءات المناسبة لمواجهة الاحتمالات السوداوية على مستوى الاقتصاد الوطني، عليها، على الأقل، أن تلتزم جانب الحذر عندما تُطرح في هذا التوقيت ملفات حساسة وربما خطرة، كما هي حال «سلسلة الرتب والرواتب».
الحكومة «مُطمئنة» الى حد، انها تترك حالياً «السلسلة» تنمو، وقد تصل بعد التوافق على التصحيحات التي شهدتها الجلسة النيابية الأخيرة الى 2400 مليار ليرة.