كيف ينبغي للمملكة المتحدة تحديد أهدافها المالية؟ اليوم، بعد الأزمة المالية والارتفاع السريع اللاحق في حالات العجز عن السداد ومبالغ الديون، بات كل هذا يعتبر مسألة سياسة حيوية. لقد قدمت الحكومة القضاء على العجز المالي باعتباره هدفاً رئيساً للدورة البرلمانية المقبلة، لكن حزب العمال اقترح بدلاً من ذلك أن الهدف ينبغي أن يكون تحقيق عجز جار متوازن – بمعنى أن الضرائب ينبغي أن تغطي الإنفاق على السلع الحالية، والخدمات والتحويلات الجارية، لكن ليس الاستثمار. أيهما على حق؟
من المهم فصل هذا النقاش عن النقاش حول مستويات الضرائب والإنفاق. وكما يُشير مكتب مسؤولية الميزانية، فإنه من أجل القضاء على العجز المالي الهيكلي المُقدّر، قامت حكومات حالية وسابقة بالإعلان عن خفض الإنفاق وزيادة الضرائب التي ستكون بقيمة تزيد على 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2019/2018، قياسا إلى السياسات القائمة في عام 2008. وكامل الضغط سيكون تقريبا على الإنفاق.
في الواقع، التعديلات المقررة أضيق حتى من ذلك. في الخطط الحالية “سيتم تخفيض الإنفاق الحقيقي لحصة الفرد من الخدمات العامة بنسبة 23 في المائة بين عامي 2008/2007 و2019/2018 (…) وهذا من شأنه خفض الإنفاق على الخدمات العامة والإدارة ربما إلى أدنى حصة من الناتج المحلي الإجمالي، على الأقل منذ عام 1948 – وفي بعض البيانات هو الأدنى منذ عام 1938”.
من الصعب تصديق أن مثل هذا التقشف يمكن أن يكون عملا حكيما أو عادلا. ومن جانبي أعتقد أن تعديلات العواقب المالية للأزمة ينبغي أن تتضمن ضرائب أعلى على الأثرياء. لكن هذا لا يزال يترك التساؤل مفتوحاً حول هدف العجز المالي. في ميزانية عام 2014، جادلت وزارة المالية بأن من الحكمة تخفيض نسبة الديون، لسببين: الأول، أنه سيمنح المجال لحكومة مستقبلية للاستجابة لأزمة أخرى. والآخر، أنه سيقضي على الآثار السلبية الناجمة عن ارتفاع مستويات الدين العام على نمو الاقتصاد.
لكن لا تتمتع أية حجة من هاتين بقوة الإقناع. إحدى الحجج المُضادة هي أن صافي الدين العام البالغ 80 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي أدنى بكثير من المتوسط في المملكة المتحدة خلال الأعوام الـ 300 الماضية. حجة أخرى هي أن اتجاه العلاقة بين النمو والدين العام قابلة للنقاش. وتُشير التجارب الأخيرة إلى أن العلاقة هي من نسبة النمو المنخفض إلى الديون أكثر مما هي بالعكس: ارتفاع الدين العام لم يتسبب في انخفاض النمو الأخير في المملكة المتحدة، لكن الانهيار غير المتوقع في النمو أدى إلى ارتفاع الديون. وتجربة إيرلندا وإسبانيا تُظهر أيضاً أن انخفاض الدين العام لا يُساعد في تجنّب الأزمات. ما يُساعد هو ضبط الرفع المالي في القطاع الخاص. وأخيراً، مع أسعار فائدة حقيقية تبلغ، مثلاً، 2 في المائة (مستوى ما قبل الأزمة)، فإن المنفعة التي تعود على المالية العامة حتى بتخفيض نسبة صافي الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى النصف ستكون أقل من 1 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً.
في أحدث تقرير حول التوقعات الاقتصادية العالمية، حتى صندوق النقد الدولي يُشير إلى أن الاقتراض من أجل الاستثمار في البنية التحتية من المرجح أن يسدد تكاليفه بنفسه، خاصة إذا تم تخطيط وتنفيذ الاستثمارات بشكل جيد، وهناك طلب ضعيف. هذا من المرجح أن يكون ذا صلة في المملكة المتحدة. فبعد أعوام من كونها “حذرة في الإنفاق على المشاريع الصغيرة، لكن مُسرفة في المشاريع الكبيرة”، تملك المملكة المتحدة ثاني أسوأ بنية تحتية في مجموعة الدول السبع التي تتصدر البلدان ذات الدخل المرتفع، ولا يسبقها سوى إيطاليا. وكان من المنطقي تخطيط وتنفيذ حملة كبيرة للبنية التحتية قبل ستة أعوام ـ عندما وصلت الأزمة. لكن حدوث ذلك متأخرا لا يزال أفضل من عدم حدوثه. ولحسن الحظ، تحقيق التوازن في الميزانية الحالية من شأنه ترك المجال للحركة في هذا الاتجاه.
في ورقة بحث حديثة، انتقد سايمون رين لويس، من جامعة أوكسفورد، وجوناثان بورتس، من المعهد الوطني للأبحاث الاقتصادية والاجتماعية، التقشف المالي، عن حق، عندما كانت أسعار الفائدة قصيرة المدى قريبة من الصفر، على الرغم من أنهما ساندا هدف الحكومة الخاص بالعجز الدوّار الذي مدته خمسة أعوام (فضلاً عن إنشاء مكتب مسؤولية الميزانية). لكنهما يجادلان بأن فوائد الاستثمار طالما كانت تعود لدافعي الضرائب في المستقبل، فمن المناسب أن يقوم الأخير بالدفع.
مع ذلك، يقولان في الأوقات العادية عندما تكون أسعار الفائدة بشكل مريح فوق مستوياتها الحالية القريبة من صفر، فإن التعديلات الاقتصادية الكلية يمكن إدارتها من خلال السياسة النقدية وحدها. لكن هذا محفوف بالمخاطر، لأنه قد يؤدي إلى فقاعات في أسعار الأصول وطفرات ائتمان، وبالتالي إلى نتائج أسوأ من العجز في المالية العامة. هذا الأمر مرجح ولا سيما في المملكة المتحدة، مع عجزها الهيكلي في الحساب الجاري. وإذا تم القضاء على العجز المالي fiscal، فإن القطاع الخاص سيعاني عجزا ماليا financial، ما يجعله يعتمد على التمويل الخارجي.
إن استهداف توازن الميزانية الحالية، وفي الوقت نفسه الاقتراض من أجل استثمارات البنية التحية، أمر معقول. إذا انتقل الاقتصاد إلى نمو سريع، عندها ينبغي أن يُسمح للتوازن المالي بأن يتحوّل إلى فائض. لكن تخفيض نسبة الدين ينبغي ألا يكون هو الهدف الأعلى. لا يرجح للمنافع أن تعمل على تعويض التكاليف في وقت من الطاقة الفائضة، وعدم وجود استثمارات كافية من القطاعين العام والخاص. هذا الجدل مهم فعلاً. دعونا ندخل فيه.