IMLebanon

اقتصاد السوق ينطوي على أكثر من مجرد العرض والطلب

FinancialTimes

إيزابيلا كامينسكي من لندن

“جان تيرول، الذي عملت دراساته وكتاباته على تغيير الطريقة التي يتم بها تنظيم الشركات، فاز وحده بجائزة نوبل في الاقتصاد، وهي حالة نادرة” ـ ” فاينانشيال تايمز”، 13 تشرين الأول (أكتوبر)

مرة أخرى تعمل جائزة نوبل في الاقتصاد (واسمها الرسمي “جائزة البنك المركزي السويدي في العلوم الاقتصادية تكريما لذكرى ألفرد نوبل”)، على الكشف عن فجوة في معرفتي بالأسماء المهمة في الدوائر الاقتصادية.

هل تعني أنك لم تسمع باسم جان تيرول قبل الإعلان عن الجائزة؟ بالضبط.

لو كنتُ مكانك لما أشغلت نفسي بالتفكير في ذلك. لو أنك بحثت في أرشيف “فاينانشيال تايمز” فستجد أن اسم البروفيسور جان تيرول ورد ثماني مرات قبل هذا الأسبوع. على ما يبدو، البروفيسور الفرنسي من تولوز لم يكن يحب الظهور في وسائل الإعلام.

أعتقد أن هذا يشعرني بالتحسن إلى حد ما.

ربما. رغم أن مما يؤسف له فعلا أنه لم يحظ بتغطية إعلامية أوسع من قبل، لأن عمله في قوانين مكافحة الاحتكار وهيمنة الشركات الاحتكارية والأسواق ذات الجانبين يعد عملا رائعا ومهما تماما للعصر الرقمي.

ماذا تقصد؟

خذ مثلا كتاباته عن الأسواق ذات الجانبين. لقد اكتشف أن السعر في بعض الأسواق يتم تحديده بعوامل تزيد على مجرد العرض والطلب على الشيء المعروض. هل سبق لك أن سمعتَ بالمثل الذي يقول إنك إذا لم تكن تدفع مقابل شيء ما، فأنت في السوق؟

صحيح. أعتقد أنهم كانوا دائما يضربون مثلا على ذلك في رسوم الكرتون بالمواشي التي تتحدث فيما بينها كيف أن الوضع رائع لأن الطعام مجانا، لأن المواشي كانت تنعم بالجهل دون أن تدري أنه يتم تسمينها للذبح.

أصبتَ القول. بالتالي كثير من كتابات تيرول كانت تبحث في ميل الأسواق، خصوصا الرقمية منها، لاستغلال هذه الأنواع بالضبط من الأساسيات. خير مثال على ذلك هو ما رأينا من أن شركات الإعلام تعطي المحتوى مجانا لأن عملها هذا يؤدي إلى إيجاد حجم أكبر من القراء، وهو ما يساعد على توليد إيرادات أكثر من الإعلانات. المثال المشهور الآخر هو النوادي الليلية التي تسمح للنساء بالدخول مجانا، لأن وجود المزيد من النساء في النوادي يعني أن الرجال سيدفعون من أجل الدخول.

ما- إذن- النتائج التي يتوصل إليها البروفيسور تيرول نتيجة كل ذلك؟

أعتقد أنها تربط عمله حول الشركات الاحتكارية بفكرة أن نظرية الاحتكار التقليدية لا تنطبق على جميع حالات السوق. نقطة الانطلاق لدى تيرول هي أن الأسواق لا تعمل دائما بصورة جيدة من تلقاء نفسها. المنافسة التامة نادرة. وفي بعض الأسواق، فإن أنواعا معينة من السلوكيات الشاذة، أو غير المألوفة يمكن أن تؤدي إلى مواقف مهيمنة طويلة الأمد، تستلزم أن يتم تنظيمها بذكاء على نحو لا يعاقب المبتكرين دون داع.

كيف ينطبق ذلك على شركات مثل “جوجل”؟

الواقع أن “جوجل” مثال جيد على لاعب في السوق مهيمن بصورة كبيرة. لكنّ كثيراً من الناس ينظرون إلى “جوجل” على أنها احتكار حميد، ما يعني أن من غير المنطقي بالنسبة للأجهزة التنظيمية أن تتخذ منهجا نشطا في تنظيمها. التحدي يكمن في فهم المقدار الزائد عن الحد في القوانين التنظيمية والمقدار الذي يقل عن الحد المطلوب.

معنى ذلك أن الأجهزة التنظيمية بحاجة إلى أن تعامل الشركات التي تعمل في الأسواق ذات الجانبين بصورة مختلفة نوعا ما عن الوضع الطبيعي؟

الفكرة العامة لدى تيرول هي أنه في الفضاء الرقمي، تواجه الشركات في البداية تكاليف ثابتة كبيرة في تطوير التكنولوجيات الرقمية، التي لن تسدد تكاليفها إلا إذا انتهى الأمر بالمنصات التي أنشأتها إلى الانتفاع من “آثار الشبكات” – بمعنى الفوز بعدد كاف من المستخدمين على نحو يكفي لتوليد كتلة حرجة. بعد ذلك يصبح من غير الممكن تجنب الكثير من التركيز، نظرا لاعتماد الأنموذج على إعطاء الناس المنصات من النوع الذي تريد الشركات النظيرة أن تعمل عليه.

ما دور الأجهزة التنظيمية في هذا السيناريو؟

يشير تيرول إلى أن دورها يشبه دور الحَكَم. الهدف من القوانين التنظيمية ينبغي أن يكون التأكد من أن مستوى اللعب يستوعب الجميع، وأن المنصات تعمل على تمكين الناس وليس فرض قيود عليهم، وأن مصادر الاقتصاد الأرحب يتم الدفاع عنها. بعبارة أخرى، ينبغي على الشركات موضوع البحث ألا تستغل موقعها من أجل أن تصد الباب في وجه الآخرين.

أين يمكن أن يحدث الخطأ؟

وفقا للبروفيسور تيرول، سيكون ذلك بالدرجة الأولى إذا كان هناك عدم تناظر في المعلومات، خصوصا فيما يتعلق بالتكاليف. لأنه يتبين أن التكاليف ليست دائما ما تبدو عليه.

هل تعني أنك ربما تكون مستعدا لدفع ثمن شيء معين لا يكون الآخرون على استعداد لدفعه؟

الأقرب أن نقول إنك مستعد لدفع المبلغ نفسه مثل الآخرين، لكن الذي يحدث هو أنك تحصل على قيمة أكبر من ذلك الشيء مما يحصل عليه معظم الناس الآخرين.

أعطني مثالا على ذلك لو سمحت.

هناك مثال جيد أخذتُه من عمل تيرول ضمن “علم اقتصاد السلوك الطوعي”. خذ مثلاً المحسنين الذين يتبرعون بالمال من أجل قضايا الخير بسبب الأثر الإيجابي لذلك على سمعتهم. يشير تيرول أيضا إلى أن هذا يؤدي في النهاية إلى سوق لاختبارات التحمل، مثل سباق الماراثون، كوسيلة لإيجاد مسافة بين صاحب العمل الحسن وبين فكرة أنه يقوم بذلك فقط من أجل الدعاية لنفسه.

جميل. الآن عرفت لماذا كل هذه الضجة حول عروض سكب الثلج على الجسم التي قام بها المشاهير في 2014 للدعاية لبعض قضايا الخير ومساعدة المحتاجين والمرضى.