نانسي ألكسندر وفرانسيس أي كورنيغاي
نمو متزايد لشراكات القطاعين العام والخاص
إن الشعبية التي تتمتع بها الشراكات بين القطاعين العام والخاص في دعم تنمية البنية الأساسية في البلدان الناشئة تشهد نمواً متزايداً في مختلف أنحاء العالم.
فتدعم مجموعة العشرين الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتعزيز النمو العالمي وخلق الوظائف. وتنظر اقتصادات مجموعة البريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) إليها باعتبارها وسيلة لتشييد البنية الأساسية بسرعة وبتكاليف زهيدة.
وتأمل الأمم المتحدة أن تتمكن الشراكات بين القطاعين العام والخاص في مشاريع البنية الأساسية من توفير الوسائل لتحقيق أجندتها التنموية العالمية لمرحلة ما بعد 2015.
والواقع أن هذه الجاذبية الجديدة التي تتمتع بها الشراكات بين القطاعين العام والخاص قد تعيد تعريف ليس فقط اقتصادات التنمية بل وأيضاً العلاقة الشاملة بين البلدان الغنية والفقيرة، وإن لم يكن نحو الأفضل بالضرورة.
وتتألف الشراكات بين القطاعين العام والخاص من ثلاثة عناصر أساسية: تعاظم وانفجار تمويل البنية الأساسية (بدعم من صناديق التقاعد وغيرها من الصناديق الضخمة), وإنشاء “خطوط أنابيب” للمشاريع العملاقة المربحة بواسطة الشراكات بين القطاعين العام والخاص لاستغلال المواد الخام لدى البلدان, وتخفيف القيود البيئية والاجتماعية. ولا بد من مراقبة كل من هذه العناصر بعناية ودقة مع التوسع في استخدام الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
البنك الدولي ومشروعات البنية الأساسية
ويسعى البنك الدولي بالفعل إلى مضاعفة قروضه في غضون عشر سنوات من خلال توسيع مشاريع البنية الأساسية. وسوف يعمل مرفق البنية الأساسية العالمية الجديد التابع للبنك على تعبئة صناديق التقاعد وصناديق الثروة السيادية العالمية للاستثمار في البنية الأساسية كفئة محددة من الأصول.
وكان العالم الناشئ أيضاً نشطاً في هذا المجال. فمؤخرا، أعلنت مجموعة البريكس عن خططها لإنشاء بنك التنمية الجديد لتمويل مشاريع البنية الأساسية والتنمية المستدامة، وسوف يكون مقر مركزه الإقليمي الأول في أفريقيا في دولة جنوب أفريقيا، وسوف تطلق الصين بنكاً جديداً للاستثمار في مشاريع البنية الأساسية، ويهدف كل من البنكين إلى تقديم بدائل للبنك الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وبنك التنمية الآسيوي الذي تقوده اليابان، على التوالي.
والواقع أن مؤسسات تمويل التنمية الجديدة هذه يُنظَر إليها باعتبارها رد فعل ضد مؤسسات بريتون وودز (التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية) والتي، بسبب ملاحقتها لسياسات التقشف النيوليبرالية وفشلها في إصلاح هياكلها الحاكمة وتقاسم السلطة مع الاقتصادات الناشئة، اعتُبِرَت مسؤولة عن خنق الإنفاق العام، والتراجع عن التصنيع، وتفكيك بنوك التنمية الوطنية.ومن أجل الاستجابة لهذا الانتقاد، يعمل البنك على مراجعة الضمانات وآليات التنفيذ.
لكن ضعف الإشراف من قِبَل البنك الدولي من شأنه أن يترك أيضا للبلدان الحاصلة على القروض مراقبة وتنفيذ الضمانات البيئية والاجتماعية بنفسها -بصرف النظر عن مواردها أو إرادتها السياسية اللازمة للقيام بذلك- وبالتالي يهدد الجهود الرامية إلى الدفاع عن حقوق السكان، أو إعادة توطين النازحين، أو تخفيف الأضرار البيئية، أو حماية الغابات والتنوع البيولوجي التي ينظر إليها البنك كقضايا مهمة.
وقد يؤدي إضعاف ضمانات البنك الدولي إلى إطلاق العنان لسباق نحو القاع، وتأليب مستثمري القطاع الخاص والشركات الحكومية، ومؤسسات التمويل الجديدة ضد بعضهم البعض، في حين يستفز ذلك ردة فعل شعبية عنيفة.
دور الشعوب في إدارة الاستثمارات
ومن الأهمية بمكان لهذا السبب أن تتدخل الشعوب لإدارة الاستثمارات على النحو اللائق.
ورغم أن منظمات المجتمع المدني كانت لفترة طويلة تراقب “جانب العرض” -أي تمويل المشاريع- فإنها كثيراً ما تتجاهل “جانب الطلب” أو على وجه التحديد قيمة المشاريع التي يجري تنفيذها ومدى تأثيرها.
وهذه هي الحال بشكل خاص بالنسبة لاستثمارات البنية الأساسية في الطاقة والمياه والنقل وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
فعلى سبيل المثال تولى برنامج تنمية البنية الأساسية في أفريقيا التخطيط لمشاريع عملاقة قابلة للتمويل بقيمة 360 مليار دولار في هذه القطاعات حتى عام 2040.
ويعطي برنامج تنمية البنية الأساسية في أفريقيا الأولوية لمشاريع الطاقة (وخاصة الطاقة المائية) لدعم عمليات التنقيب وخطوط أنابيب النفط والغاز، في حين يهمش تكنولوجيات الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية، وطاقة الرياح، والطاقة الحرارية الأرضية. وتحيط مخاوف مماثلة بخطوط أنابيب المشاريع في إطار مبادرة تكامل البنية الأساسية الإقليمية في أميركا الجنوبية، وصندوق الاستثمار التابع لمنظمة آسيان في آسيا.
ورغم أن بعض مشاريع الشراكات بين القطاعين العام والخاص تقدم عائدات عالية، فإنها تتطلب أيضاً ضمانات إضافية ضخمة من الحكومة المضيفة للتعويض عن مخاطر القطاع الخاص.
وعلى هذا النحو تنشأ توترات جوهرية في الطريقة التي يتم بها إبرام هذه الصفقات وأيضاً في الإدارة الكلية لعملية التكامل بين الشمال والجنوب وبين الجنوب والجنوب.
على سبيل المثال تكتسب مجموعات قوية وشركات عابرة الحدود الوطنية (مثل المنتدى الاقتصادي العالمي، وجنرال إليكتريك، وريو تينتو) قدراً كبيراً من النفوذ داخل مجموعة العشرين ومجموعة السبع، ومجموعة البريكس، والتي يتنافس أعضاؤها فيما بينهم على الوصول إلى الموارد والأسواق.
وتُبرِز هذه المنافسة الآن المرافق الجديدة المعنية بالإعداد لمشاريع البنية الأساسية لتسريع وإكثار الشراكات الكبرى بين القطاعين العام والخاص مع الاعتماد بشكل مزعج على السدود الكبيرة والبنية الأساسية في مجال الوقود الأحفوري، مثل مشروع خط أنابيب الغاز من نيجيريا إلى الاتحاد الأوروبي. ويأتي هذا على رأس أولويات برنامج تنمية البنية الأساسية في أفريقيا، والذي يعني إبطاء التقدم نحو مستقبل منخفض الكربون.
والواقع أن النضال من أجل تحقيق الاستدامة -وخاصة في أفريقيا- تحول إلى ساحة قتال جديدة، أبطالها مجموعة البريكس، ومجموعة العشرين، ومنظمة التعاون الاقتصادي في منطقة آسيا والباسيفيكي، ومنظمة ميركوسور، وغيرها من التجمعات الدولية والمصالح الخاصة المحلية.
والواقع أن فهم الكيفية التي قد تنتهي إليها هذه المعركة يتطلب الاستعانة بنموذج جديد صارم للتنمية. وهو تحد صعب، لأن منظمات المجتمع المدني ذات المصلحة الأكبر في تعلم كيفية التغلب على الضغوط الجديدة تميل إلى التخصص في مجالات محددة للتنمية، مثل الأهداف الإنمائية للألفية، أو قضايا متعلقة بقطاعات بعينها، بدلاً من الاستعانة بنظرة أوسع للكيفية التي تعمل بها مؤسسات تمويل التنمية وكبار المساهمين فيها. وقد يتولى هذه المهمة المنتدى الاجتماعي العالمي بعد إعادته إلى الحياة، من خلال العودة إلى الغرض الأصلي منه باعتبارها ثِقَلاً موازناً للمنتدى الاقتصادي العالمي.
وفي أفريقيا لا بد من الحكم على الهيئات العاملة في عموم أفريقيا والمكلفة بالإشراف المنسق وتحديد الأجندات من خلال تحديد ما إذا كانت الشراكات العملاقة بين القطاعين العام والخاص في مشاريع البنية الأساسية تعزز اقتصاد الاستخراج والاستهلاك على النمط الاستعماري، أم إنها تساعد في خلق اقتصاد سليم ومستدام لأجيال المستقبل.