فاتن الحاج
«إذا أعطيناكم السلسلة والدرجات فستقفل المدارس وسيكون لذلك تأثير موجع على الأهل». كانت هذه أغرب حجة سمعها معلمو المدارس الخاصة للاعتراض على تصحيح اجورهم. الحقيقة أنّ إدارات هذه المدارس لم تنتظر يوماً تشريعاً جديداً للمعلمين لتزيد أقساطها، فقد دأبت على هذه النغمة السنوية منذ 16 عاماً، بحجة زيادة الرواتب، جنت ولا تزال مليارات الليرات ليس من الأقساط فحسب، بل أيضاً من خدمات أخرى غير منظورة في الموازنات يدفعها الأهل لقاء تعليم أبنائهم وبناتهم.
في الجدول (المرفق) نماذج لسبع مدارس تمكنت «الأخبار» من الحصول على معطيات بشأن أقساطها بين عامي 2008 ــ2009 و2013 ــ 2014 من مؤسسة رسمية. المدارس هي: الشانفيل ـ ديك المحدي، مدرسة القلبين الأقدسين ـ السيوفي، الكوليج بروتستانت (الانجيلية الفرنسية) ـ قريطم، المدرسة المعمدانية الإنجيلية ـ المصيطبة، سيدة الجمهور، الليسيه الفرنسية الكبرى وسيتي انترناشيونال سكول.
وباحتساب الأرقام، يتبين أن المعدل العام الوسطي للزيادة المحققة على الاقساط في هذه المدارس بلغ 50.7 % أي اكثر من 10 % سنوياً. الحد الأدنى للزيادة كان في مدرسة الشانفيل 28 %، فيما لامس حدها الأقصى في الليسيه الفرنسية الكبرى 81 %. أما قيمة الزيادة، فراوحت بين مليون و230 ألف و4 ملايين و400 ألف ليرة لبنانية.
الزيادة تأخذها المدارس من دون مبرر، ما دام المعلمون لم ينالوا زيادة على رواتبهم في السنوات الخمس الأخيرة. فقط 50 % من المدارس أعطت معلميها سلفة على غلاء المعيشة عام 2012 وهي تجبرهم على توقيع تعهد تهددهم به في كل لحظة بأنّها ستسحب منهم المبالغ التي أخذوها، إذا أقرت السلسلة. تصل هذه السلفة في حدها الأقصى إلى 300 ألف ليرة لبنانية.
قسط الليسيه الفرنسية الكبرى في مرحلة الروضة ارتفع خلال العامين الأخيرين من 8 ملايين و86 ألف ليرة عام 2012 ــ2013 إلى 8 ملايين و841 ألف ليرة لبنانية في عام 2013 ــ 2014 أي بقيمة 755 ألف ليرة للتلميذ الواحد. وبحسابات بسيطة، وإذا ضربنا هذه الزيادة بعدد التلامذة الذي يبلغ 3000 تلميذ، بحسب ما تصرّح به المدرسة في موازنتها إلى وزراة التربية، يكون المجموع مليارين و250 مليون ليرة. في المقابل، دفعت المدرسة لـ 210 أساتذة في الملاك لديها غلاء معيشة بين 2012 ـ 2013 و2013 ـ 2014: 12 * 210 * 300000 = 750 مليون ليرة لبنانية فقط، أي إنّ المدرسة ربحت بالحد الأدنى: مليار و500 مليون ليرة لبنانية.
نموذج آخر هو مدرسة الشانفيل، التي تضم 3200 تلميذ و167 أستاذاً، حيث يبلغ مجموع السلفة التي تعطيها المدرسة لهؤلاء في السنة الواحدة : 12 *167 *300000 =601 مليون ليرة. أما القسط، فقد ازداد من 4 ملايين و80 ألف ليرة عام 2012 -2013 إلى 4 ملايين و395 ألف ليرة لبنانية عام 2013 -2014 أي إنّه ارتفع بقيمة 315 ألف ليرة للتلميذ الواحد، وإذا ضربنا هذه القيمة بعدد التلامذة، فيساوي المجموع مليار و8 ملايين، أي إن الربح هو407 ملايين على الأقل.
وبالإطلاع على لوائح المدارس العشر الأكثر ارتياداً لموظفي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، والتي يحدد الصندوق على أساسها المنحة المدرسية لأبناء موظفيه، ارتفع قسط الليسيه ناسيونال في المرحلة الثانوية (على سبيل المثال) من 4 ملايين و105 آلاف عام 2008 ــ2009 إلى 5 ملايين و730 ألف عام 2013 ــ 2014 أي بنسبة 41 %. وزادت ثانوية حسام الدين الحريري قسطها في المرحلة المتوسطة بين هذين العامين من 3 ملايين و500 ألف إلى 5 ملايين و785 ألف، أي بنسبة 35%. وفي مدرسة نوتردام ازداد في المرحلة الثانوية من 4 ملايين و862 ألف إلى 6 ملايين و510 آلاف، أي بنسبة 48 %. وفي مرحلة الروضة، ارتفع قسط ثانوية المصطفى من مليونين و618 ألف عام 2008 ـ2009 إلى 4 ملايين و50 ألف عام 2013 ـ2014 أي بنسبة 26%.
لا بد من التذكير بأنّ مجموع الأقساط السنوية يجب ان تتساوى بنسبة 100% مع النفقات ولا تتضمن مبالغ متراكمة من السنوات السابقة، كذلك فإنّ الموازنة لا تتضمن ما تتقاضاه المدرسة من رسوم تسجيل الطلاب الجدد أو بدعة «فتح الملف»، وقرطاسية وكتب وثياب وأنشطة لاصفية وغيرها. ثم إن القوانين تعفي المدارس الخاصة من الضريبة، باعتبار أنّها لا تبغي تحقيق أرباح، فيما الواقع عكس ذلك، وهي معفاة حتى من الضريبة على القيمة المضافة (TVA) في كل عملياتها. فقط تدفع رسوم بلدية على القيمة التأجيرية إذا لم تجد طريقة للتهرب منها.
في الشكل، تقدم المدارس موازنات صحيحة تحت سقف القانون 515 أي إنّ المبالغ المرفوعة إلى مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية تتوزع بين 65% على الأقل للرواتب والأجور وملحقاتها (ضمان للموظفين، صندوق التعويضات، بدلات النقل، تعويضات عائلية، ساعات إضافية، مكافآت ومساعدات مالية، تصحيح تعويضات الصرف، الخ) و35% على الأكثر نفقات تشغيلية (إيجار مبنى، تجديد وتطوير، استهلاكات مختلفة، ترميم وصيانة، مساعدات التلامذة المحتاجين، هاتف وكهرباء وماء، نفقات إدارية، رقابة صحية وتأمين، تدفئة، وتعويض على صاحب الإجازة المدرسية، الخ). أما في الجوهر، فتتلاعب المدارس بالأرقام وتعتمد المبالغة في معظمها لتضمن لنفسها أرباحاً، تحت ستار القانون 515.
في السياق، يكشف وزير التربية الياس بو صعب في اجتماعه الأخير مع اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة أن الوزارة أجرت مسحاً على موازنات المدارس لثلاث سنوات مضت، وقد أظهر أن عدداً من المدارس رفع أقساطه بنسبة 30 % ومنها بنسبة أقل ومنها من دون أي زيادة، إلاّ أنّه بدا لافتاً أن يربط الوزير الحديث عن أهمية الحفاظ على وحدة التشريع بين المعلمين في القطاعين الرسمي والخاص بمراعاة امكانات أصحاب المدارس وقدرتهم على الدفع، وبالتالي ترجيح اعتماد التقسيط، بحجة أن المدارس الخاصة تستوعب نحو 70 % من التلامذة أي نحو 600 ألف تلميذ!
ولم يتردد بو صعب في القول إنّ «إعطاء المفعول الرجعي للمعلمين غير وارد بسبب إقفال موازنات المدارس الخاصة في كل عام، وبالتالي لا يمكن استيفاء أقساط من الأهالي عن سنوات سابقة وتلامذة غادروا المدارس». في المقابل، يطرح الاتحاد إمكان سداد المفعول الرجعي المتعلق بغلاء المعيشة فقط ويطالب بقوننة ذلك كشكل من أشكال فصل التشريع عن التعليم الرسمي، على أن تعد المدارس ورقة لدرس هذا الأمر.
وبينما يرفع الاتحاد مسؤوليته عن المدارس التي تزيد أقساطها بطريقة عشوائية، يقول إنّ القانون 515 الناظم للموازنات المدرسية ينسحب على كل المدارس الخاصة في لبنان، ولا يمكن لأي مدرسة أن تكون معفاة منه، وهو ينص على أن حصول الزيادة أو عدمها أمر تقرره موازنة المدرسة التي تقدم عادة بين شهري تشرين الأول وكانون الثاني من كل عام، وبالتالي لا تقرر أي زيادة في انتظار حصول الموازنة والانتهاء من وضعها مع الأهل. هذا لا يحدث عملياً إذ إن الزيادة تفرض مرتين قبل تقديم الموازنة وبعدها.