أثار تدهور قيمة الروبل الروسي إلى مستويات غير مسبوقة حالة عامة من القلق في الأوساط الشعبية ولدى قطاع الأعمال، وطرح تساؤلات عن أسباب الانخفاض الحاد في قيمة العملة الروسية، وانعكاساته الاقتصادية، ووضع الاقتصاد الروسي عموما.
فقد تراجعت قيمة الروبل أمام الدولار الأميركي خلال الأشهر الثلاثة الماضية بأكثر من 15%، وتجاوزت حاجز 41 روبلا للدولار مقابل 35 روبلا في أغسطس/آب الماضي.
يقول المحلل الاقتصادي في مجموعة “إنفست كافيه” تيمور نيغماتولين إن “تدهور سعر صرف الروبل، وكذلك جميع العملات الرئيسية في العالم، يرجع إلى السياسة التي ينتهجها مجلس الاحتياط الفيدرالي”.
ويتابع “أضف لذلك أن أسعار النفط العالمية تشهد انخفاضا، لاسيما أن الاقتصاد الروسي اقتصاد نفطي، إذ تشكل صادرات النفط والغاز أكثر من 75% من إجمالي الصادرات الروسية، وتوفر موارد الطاقة حوالي 50% من إيرادات الميزانية اليفدرالية”.
ليست النهاية
وشدد نيغماتولين في حديثه للجزيرة نت على أن الشركات المحلية تواجه صعوبات في الحصول على رؤوس الأموال من مصارف أجنبية، لذا فهي تشتري كميات كبيرة من النقد من السوق الداخلية، مما أدى إلى نقص العملة في السوق.
ويرى أن هناك سببا آخر لتراجع الروبل يكمن في “تغيير سياسة البنك المركزي الروسي، الذي أوقف ضخ السيولة لدعم الروبل. إلى جانب تأثيرات العقوبات الغربية”.
واعتبر نيغماتولين أن هبوط سعر صرف الروبل أمام سلة العملات الأجنبية الرئيسية قد يستمر لمدة شهرين أو ثلاثة بسبب انعكاسات الأزمة الأوكرانية. ومن غير المستبعد تراجع قيمة العملة المحلية إلى مستويات منخفضة قياسية أمام الدولار الأميركي.
وربط الصعوبات التي قد يواجهها الاقتصاد الروسي بأسعار النفط العالمية، موضحا أن تحقيق النمو خلال العامين أو الثلاثة المقبلة مرهون باستقرار أسعار النفط عند مستوى 90 دولارا للبرميل.
عوامل داخلية
أما رجل الأعمال ورئيس اتحاد شركات “روس أغرو ماش” قونستانتين بابكين فقد اعتبر أن هبوط قيمة الروبل غير مرتبط بأي شكل من الأشكال بالعقوبات المفروضة، لكنه مرتبط بجملة عوامل داخلية منها السياسة التي تنتهجها القيادة الروسية، وسياسة البنك المركزي الروسي.
وفي ما يتعلق بأسعار النفط، اعتبر بابكين أن “مدى تأثير أسعار النفط العالمية على الاقتصاد الروسي مبالغ فيه”، مضيفا أن “الحكومة تحصل على إيرادات ضخمة من بيع النفط، لكنها تنقل فورا هذه الأموال إلى الخارج لوضعها في صندوق الاستقرار وصندوق الاحتياط، وتتخذ الحكومة هذه الإجراءات منذ سنوات وفقا لمعايير الميزانية”.
جيوب المواطنين
واستبعد بابكين تعزيز قيمة الروبل أمام العملات الأخرى في المستقبل القريب، مشيرا إلى أن “قيمة الروبل ستبقى عند مستواها المنخفض أو حتى ستتراجع لإنعاش تصدير المنتجات من غير الخامات، ذلك أن هبوط سعر صرف الروبل يؤثر إيجابا على تصدير المنتجات غير النفطية، وعلى تخفيض النفقات الحكومية”.
فعلى سبيل المثال مبيعات المعدات الزراعية المصنعة في روسيا ارتفعت في العام الجاري بواقع 25% بسبب تراجع قيمة الروبل، وانخفاض أسعار هذه المنتجات في الأسواق الخارجية بنسب بتراوح بين 20 و25%.
لكن في المقابل ألقت تأثيرات انخفاض الروبل بظلالها مباشرة على جيوب المواطنين الروس بسبب ارتفاع الأسعار وانخفاض القدرة الشرائية، وهذا أوجد حالة من الاستياء دفعت الكثيرين للربط بين هذه التغيرات وبين ما يحدث في أوكرانيا والعقوبات الغربية.
كما يرى بابكين أن تحول روسيا والصين إلى اعتماد الروبل في الحسابات الخارجية يشكل خطوة جيدة، كخيار احتياطي، من دون أن يحتل الروبل الروسي مكان اليورو أو الدولار، ومع بقاء الحرص على عدم قطع الارتباط بالولايات المتحدة وأوروبا.