تريسي ألووي
فيلم “الفتاة المختفية” اكتسح شباك التذاكر في الولايات المتحدة في الأسابيع القليلة الماضية، ولا شك أنه تسبب في جعل الأزواج في جميع أنحاء البلاد يفكرون بنوع من التوتر في وضع زيجاتهم.
وفي الوقت نفسه، المخاوف بشأن النمو الاقتصادي اكتسحت الأسواق المالية، ما جعل المستثمرين في وول ستريت يفكرون في حالة محافظهم الاستثمارية.
هناك تشابه بين الاثنين (أرجو أن ينتبه القارئ إلى أن من الممكن أن أفسد متعته بالكشف عن سر الفيلم).
ما الفرضية التي يقوم عليها الفيلم؟ علاقة رائعة بشكل يبعث على الغثيان – يتمتع بها زوجان رائعان بشكل غير عملي – تتحلل إلى زواج كابوسي بفضل ميول الزوجة المعتلّة اجتماعياً وبراعتها في استخدام شفرة فتح الصناديق.
حتى لحظة اختفائها، كانت الزوجة الفاترة، التي تعلب دورها روزاموند بايك، ترنم وهي تسترجع ذكريات الماضي “سأواصل الاعتقاد بأن زوجي يحبني”. أما زوجها الصادق، فيُفكّر بتأمّل “بماذا تفكر؟ بماذا تشعر؟ ماذا فعلنا لبعضنا؟ وماذا سنفعل”؟
في الخاتمة، الزوج – بن أفليك ذو الوجه الجاد – يواجه خياراً لا يُحسد عليه إما بإقناع نفسه بتحمّل زواج مصلحة مُزيّف، وإما إيصال هذا الخداع بالكامل إلى نهاية مؤلمة.
هذا أقرب ما سيحصل عليه مراقبو السوق لتوجيه أفليك بشكل مقنع. إنها الحالة التي بإمكان معظم المستثمرين الذين يحاولون تصنيف علاقة الأسواق الأخيرة مع السياسات النقدية غير التقليدية، بشكل وثيق.
بالنسبة للفترة التي تزيد على خمسة أعوام، منذ بدء الاحتياطي الفيدرالي برنامج شراء الأصول – المعروف باسم التسهيل الكمّي، حافظ المستثمرون على علاقة قوية وغير مستقرة بشكل متزايد، مع البنك المركزي الأمريكي.
عندما بدأ الاحتياطي الفيدرالي تطبيق برنامج التسهيل الكمي في أوائل عام 2009 كانت بسيطة الفرضية: إطلاق العنان لموجة عارمة من السيولة لإجبار المستثمرين القلقين على الخروج من الاستثمارات الآمنة، مثل سندات الخزانة الأمريكية والنقد، والدخول في الأصول ذات المخاطر الأعلى.
ومنذ ذلك الحين ظهر نمط كان بسيطاً ولافتاً للنظر على حد سواء: يتم الإعلان عن برنامج التسهيل الكمي، ثم تندفع الأسواق. وفي مرحلة ما تعثر هذا التدافع – أولاً في عام 2010، ثم مرة أخرى في منتصف عام 2012. وفي كل مرة يقوم فيها الاحتياطي الفيدرالي بالإعلان عن مزيد من نوبات “التسهيل الكمّي”، تنتعش أسعار الأصول حسب الأصول.
ساعدت الجولات المتعاقبة من برنامج التسهيل الكمّي هذه على رفع أسعار الأسهم والسندات إلى مستويات تاريخية. لكن لا يوجد دليل يذكر على أن برنامج التسهيل الكمّي كان له تأثير كبير في الاقتصاد العالمي الحقيقي أبعد من تضخيم أسعار الأصول المالية – في نظر كثير من الناس، على نحو يفوق ما قد يُشير إليه الاقتصاد الكامن على أنه أمر معقول.
مات كينج، المحلل الاستراتيجي في سيتي جروب، قالها صراحة في مؤتمر عبر الهاتف هذا الشهر “كل شيء يتمحور حول السياسة النقدية. ليس الاقتصاد الكامن هو ما يحرّك الأشياء، إنها سيولة البنك المركزي”. وفي الأسبوع الماضي برزت المخاوف بشأن نوعية الانتعاش الاقتصادي بشكل حاد في الوقت الذي أخذ فيه المستثمرون يفكرون في النهاية الوشيكة لبرنامج شراء الأصول الخاص بالاحتياطي الفيدرالي. وكانت تحركات السوق كبيرة، إذ انخفض العائد على سندات الخزانة الأمريكية إلى أقل من 2 في المائة يوم الأربعاء، ليهبط إلى مستوى لم يشهده منذ أيار (مايو) 2013. وبدا أخيراً أن الوقت قد حان لأن يعيد المستثمرون تقييم علاقتهم التاريخية مع البنك المركزي. وبالنسبة لكثير منهم مصدر القلق الأكبر الآن هو أن يستمر الاحتياطي الفيدرالي في الانسحاب التدريجي المقرر – وهي خطوة من شأنها، من الناحية النظرية، إزالة شبكة الحماية من السيولة التي أنعشت المحافظ لفترة طويلة. ويوم الخميس كان يبدو أن رئيس الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، جيمس بولارد، يشير إلى أن مزيدا من التسهيل الكمّي، أو على الأقل وقف الانسحاب التدريجي المقرر، يمكن أن يكون في طريقه لمكافحة النمو المُخيب للآمال.
لكن مصدر القلق الأكبر الذي يواجه الأسواق الآن ربما يتمثل في أن المستثمرين لن يستجيبوا إلى مزيد من التحفيز، وأن آلية إعادة التوازن إلى المحافظ بفعل التسهيل الكمي، وهي آلية غير مفهومة بشكل كامل، ستتوقف عن العمل بالطريقة التي فعلتها ذات مرة.
أو ربما، بحسب تعبير فيلم “الفتاة المختفية”، أن الشراكة القسرية التي أبقت الأسواق تتحرك بالتوازي مع الاحتياطي الفيدرالي لفترة طويلة يمكن أن تصل إلى نهاية مؤلمة.
“سأواصل الاعتقاد بأن البنوك المركزية تحبني” هي عبارة ربما استشهد بها كذلك المستثمرون الذين حاولوا أن يصدقوا أن الاحتياطي الفيدرالي كان أفضل صديق لهم خلال الأعوام الخمسة الماضية. لقد اقتيدوا نحو مواقف مماثلة بفضل أعوام من الأموال السهلة.
هذا كله تفوح منه رائحة زواج مبني على أُسس هشة. إنه انعدام متبادل للثقة يمكن أن يؤدي إلى وضع قابل للاشتعال بصورة كبيرة في الوقت الذي يقوم فيه المستثمرون بإعادة تقييم علاقتهم التاريخية بالسياسة النقدية غير التقليدية في أي وقت من الأوقات – مع نتائج غير متوقعة للغاية.