كولن فان الرئيس المشارك للمصرفية الاستثمارية في دويتشه بانك، إلى حد ما يضيق ذرعاً بشيء معين. على وجه التحديد، هو يشعر بالانزعاج من المتداولين الذين يتسببون في الإساءة لسمعة صناعته. وقد أوضح ذلك بجلاء في فيديو داخلي انتشر بسرعة كبيرة عبر الإنترنت في أيار (مايو) عقب تسريبه إلى “فاينانشيال تايمز”. في الفيديو، يواجه فان (41 عاماً) الكاميرا ويوبخ موظفيه، ويقول لهم إنه “ضاق ذرعاً” بالرسائل الطائشة المماثلة لتلك التي اكتشفتها الأجهزة المنظمة العالمية، المستخدمة في تبرير عدة ملايين من الغرامات على المصارف المشابهة لمصرفه. واعترف قائلا: “هذا تسبب تقريباً لزوجتي بنوبة قلبية”. وأضاف: “شخص ما أرسل إليها رسالة نصية يقول فيها: يا إلهي، فيديو كولن انتشر عبر الإنترنت بسرعة هائلة. وأول شيء فكرت فيه كان: ما الشيء الغبي الذي فعلته لينتشر بهذه السرعة عبر الإنترنت؟”. كان الفيديو جزءاً من محاولة فان لتحقيق “تغيير ثقافي” في دويتشه بانك ـ الذي يعني في الكلام غير المصرفي إيقاف المتداولين عن قول أشياء غبية. كان عمله جاهزاً ومناسباً تماماً بالنسبة إليه. ومثل العديد من المصارف الاستثمارية الأخرى، علِق دويتشه بمجموعة من فضائح الصناعة، التي تسبب فيها في كثير من الأحيان أناس في قاعة التداول يقومون بحركات التفاف، أو تحايل، أو يحاولون التلاعب في السوق. لم يتم تغريم دويتشه بعد في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة لدوره في فضيحة التلاعب بمعدلات الإقراض العالمية بين المصارف، لكنه سبق أن دفع 725 مليون يورو إلى السلطات الأوروبية في قضية سعر الفائدة بين المصارف والمعروفة بقضية الـ “ليبور”. وفي الآونة الأخيرة كان المصرف متورطاً في تحقيقات جديدة حول التلاعب بالنقد الأجنبي. وفي حين أنه لم يتم حتى الآن تقديم أي اتهامات رسمية من قبل الأجهزة المنظمة المتعددة حول العالم، والتي تحقق مع المصارف بشأن ادعاءات التلاعب في السوق
العالمية، يجري دويتشه تحقيقا داخليا أسفر حتى الآن عن طرد ستة أشخاص على الأقل.
ويجد فان أن كل هذا يدعو للإحباط، على الرغم من أنه لا يمكن أن يوصف بأنه دخيل “جديد على هذا العمل”، بعد أن انضم إلى المصرف في عام 1998 وصعد إلى منصبه الحالي في عام 2012 – بعد استئناف التحقيقات في قضية الليبور، لكن قبل أن تبدأ تحقيقات التلاعب بالنقد الأجنبي. وهو يقول: “إن الغالبية العظمى من الأشخاص الموجودين هنا هم حقاً أشخاص طيبون وصادقون يريدون فعل الخير والعمل الصادق. بعض القضايا المؤسفة التي انتشرت ارتُكبت من قبل أقلية صغيرة من الأفراد، وبشكل يترك الآخرين يشعرون وكأنهم مرتبطين بها”. وبمساعدة الفيديو، أصبح المتداول السابق الشامخ مع المصرف مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالجهود الرامية إلى استعادة ثقة الجمهور. ففي الخطابات الداخلية ومحادثات التوظيف، أكد على أهمية ما يسميه “حاملو الثقافة” ـ الأشخاص الذين يجسدون القيم الرسمية الجديدة للمصرف. ويعمل هذا حتى على تشكيل نهج المصرف حول توزيع المكافآت، كما يقول – في خطوة قد تزعج الصناعة الموجَّهة للمال. ووفقاً لفان، لم يعد الأشخاص الذين يقومون بأداء أفضل في القطاع المالي هم الأشخاص الذين يحصلون دائماً على أفضل المكافآت، أو على ترقية في دويتشه بانك.
ويتساءل: “مثلا، شخص أنتج الملايين من العائدات، لكن أحيانا يحدث بعض الاضطراب قليلاً في النظام، كيف تحكم عليه في مقابل شخص لديه أداء مالي أقل، لكنه يعتبر ناقلاً رائعاً لثقافة المصرف؟”.
ويتابع: “لقد اعتدنا على تداول تلك المناقشات. اليوم، لا تعتبر هذه حتى نقاشاً. لقد نال المجموعة الأولى ضربة على الرأس من عملية ترقيات تلك السنة”. وهذا النهج لا يكسبه دائماً أصدقاء في قاعة التداول. “نحن بالتأكيد نشهد تسربا”، كما يقول، مشيراً إلى الموظفين المغادرين بدلا من الإشارة إلى أشرطة الفيديو الداخلية التي تجد طريقها إلى شبكة الإنترنت. ويضيف: “بعض الناس يتم دفعهم مالياً وبشكل محض وهم ذاهبون الآن إلى مساحات أقل تنظيماً، ربما يذهبون إلى قطاع التكنولوجيا، وربما إلى صناديق التحوط. نحن نتمنى لهم التوفيق. هؤلاء هم الأشخاص الذين ربما لن ينسجموا مع البيئة المصرفية الجديدة على أية حال”.
وكان التحدي الرئيس أمام فان في السنوات القليلة الماضية هو إعادة هيكلة الأعمال التي ساهم معلمه، آنشو جاين، في إعدادها على مدى نحو عقدين من الزمن. ومثل فان، كان جاين الرئيس المشارك للمصرفية الاستثمارية والآن الرئيس التنفيذي المشارك لكامل دويتشه بانك. انضم فان إلى دويتشه بانك بعد ثلاث سنوات من تعيين جاين، لكنه مثله ينظر له كجزء من “عصابة ميريل لينش”: عشرات من كبار المتداولين الذين جاؤوا من شركات أمريكية منافسة لتولي أعمال تداول السندات التابعة للبنك الألماني – المعروفة أيضاً باسم تداولات الدخل الثابت – في الفترة من منتصف التسعينيات إلى أواخر ذلك العقد. ويقول شخص يعرف فان جيدا: “كان يعتبر آنشو سيد الدخل الثابت لأنه الشخص الذي بناه، لكن كان كولن أحد الأشخاص الذين اضطروا إلى إجراء تغييرات كبيرة على هذه الأعمال”.
لقد ذهبت مسؤولية تنظيف أعمال التداول في أعقاب فضيحة الليبور في عام 2012 إلى شخص يعرف عنه الهدوء وله أسلوب هادئ في الإدارة. ويقول أحد المستشارين المقربين: “لن تسمعه أبدا وهو يسب أو يصرخ على أي شخص”.
وبالنظر إلى أن معظم إيرادات المصرف تأتي من التداول، موطن قوة فان، إلا أنه أيضاً الرئيس المشارك الأبرز من بين الرئيسين المشاركين في المصرف الاستثماري (الآخر هو روب رانكين، الذي يقود أنشطة تمويل شركات دويتشه بانك). وهذا يردد صدى ما أعده سلفه، جاين، الذي كان ينظر إليه على أنه أكثر من قوة دافعة للمصرف الاستثماري من نظيره المسؤول عن تمويل الشركات، مايكل كورس. ويقول زملاء له إن فان، وهو رئيس سابق للأسواق الناشئة والتداول الائتماني أصبح مديرا إداريا في سن الـ 28، لديه نهج مباشر وعادل. وهذا النمط ساعده على تغيير ثقافة التداول ما قبل الأزمة في دويتشه، التي وصفت بأنها “داروينية” من قبل بعضهم، حيث المكاتب المختلفة تتنافس أحياناً على الأعمال نفسها. وربما تكون المهمة الأكبر التي ستواجهه في السنوات المقبلة هي استعادة الأرض المفقودة في أسواق الدخل الثابت، حيث فقد الرائد السابق في السوق العالمية الحصة لمنافسيه الأمريكيين في السنوات الأخيرة (على الرغم من أنه استعاد بعضها في هذا العام). ويقول المستشار: “ما يتحداه هو إظهار التألق مرة أخرى على الجهاز”.
وبالنسبة للمصرفي المتخرج في جامعة هارفارد، فإن سوء السلوك من الشخص المتداول يعمل منذ الآن على تغذية تغييرات هيكلية واضحة في هذه الصناعة. ويقول إن المثال الرئيسي على ذلك هو سوق الصرف الأجنبي. فالتسريح السريع للعديد من المتداولين الذين هم على صلة بالتحقيقات يعجل فقط التحرك نحو التعاملات الإلكترونية. هذه الأتمتة السريعة للتداول، كما يقول، سوف تقلل حتماً من مخاطر سوء السلوك: “عندما تحولت الآلات الخاصة بك بأكملها إلى خط أنابيب إلكتروني، لم يعد الشخص الذي يتداول في بعض الأحيان يحتاج إلى الجلوس هناك”. وهذا ليس أمراً سيئاً “إنه مثل مقارنة السيارات اليدوية الصنع مع خط تجميع الإنتاج في شركة فورد ومن ثم الذهاب الى الروبوتات. إنهم جميعا يصنعون السيارات، لكنها أعمال مختلفة تماما”.
وبالنسبة لفان، التغيير في تداول الدخل الثابت والعملات أمر لا مفر منه، نظراً لتشديد الرقابة التنظيمية والأحجام الأضعف في السوق عموما. “إن أنموذج أعمال الدخل الثابت والعملات القديم لم يعد صالحاً للعمل” كما يقول. ويضيف: “في الواقع يمكن أن تعود إلى أوج ما قبل الأزمة، وكسب كل ما تريده من الأرباح والإيرادات، لكن إذا قمت بإضافة التكاليف ورأس مال القانون التنظيمي الجديد، فإنه سيظل غير صالح للعمل”.
ومع ذلك، مع كل التغييرات التي كان يتعين على دويتشه إجراؤها على أنموذج أعماله وثقافته في السنوات الأخيرة، يعترف فان بأن المستقبل يظل محوطاً باللبس. ويقول: “نحن نقوم بإصلاح الكثير من الأعمال الداخلية في النظام المالي، لكن ذلك يحدث في وقت يتسم بنقص في النشاط”، في إشارة إلى التقلبات المنخفضة في الأسواق العالمية التي استمرت مع استمرار أسعار الفائدة منخفضة. “عندما يعود العالم إلى الوضع الطبيعي وتتدفق كميات أكبر، كيف سيكون رد فعل النظام ويحدث الصرير ويرتعش؟ نحن لا نعرف”. “نحن بحاجة إلى اختباره مع أحجام طبيعية، وبعدها سنرى ما يحدث”.
الرئيس السابق
راجيف ميسرا، وهو مدير إداري أول في مجموعة فورترس الاستثمارية، كان لسنوات عديدة رئيسا لكولن فان في دويتشه بانك. وهو يرسم صورة أقل صرامة من تلك التي انطبعت في أذهان مشاهدي محاضرة الفيديو التي انتشرت عبر الإنترنت عن غير قصد. ويلاحظ ميسرا “إنه يدير الناس من خلال التعاطف بدلاً من الخوف، وبالتالي يخلق الكثير من الولاء. الناس يحبون العمل من أجله”، مضيفاً أن الموظفين في دويتشه يقدرون وضوح تواصله معهم.