IMLebanon

بعد انهيار الأسبوع الماضي.. الأنظار تتجه إلى البنوك المركزية

FinancialTimes
جيمس ماكينتوش

عندما استخدم الغريم الشرير، بلوفيلد، العبوات الناسفة لبدء انهيار جليدي في محاولة لقتل جيمس بوند، لم يترك كتاب السيناريو أي شك حول السبب (أو هوية المجرم).

بعيدا عن الفيلم، تعتبر أسباب الانهيارات الثلجية أقل وضوحاً. صحيح أن دوريات التزلج تحاول تحديد الطبقات الضعيفة في الكتل الجليدية الصلبة التي توجد ظروف الانهيار، لكن في كثير من الأحيان يكون من المستحيل تحديد السبب المباشر لحدوث هذا النوع من الانهيارات.

ينطبق تحليل مماثل لذلك على الأسواق. فقد شهد الأسبوع الماضي واحدا من أكبر الانهيارات في سوق السندات في الربع الأخير من القرن الماضي. ويشي ما حدث بوجود ديناميت: قفز سعر العقود الآجلة لسندات الخزانة القياسية لأجل عشر سنوات أكثر من 2.5 في المائة في ثماني دقائق، أي ما يعادل انهيار آلاف الأطنان من الثلوج وإغراقها وول ستريت. ومنذ عام 1985 ارتفع سعر التداول اليومي على الأكثر ست مرات فقط، معظمها في نقاط تحول مهمة: في أعقاب فشل بنك ليمان، وأزمة 1987، وإنقاذ عام 1998 لصندوق التحوط “لونج تيرم كابيتال مانجمنت”.

مع ذلك، لم يُحدث ذلك الشيء الكثير. صحيح أن ضعف مبيعات التجزئة في الولايات المتحدة أشار إلى أن الاقتصاد كان أقل قوة مما كان يعتقد، وكانت تظهر على الاقتصاد الألماني دلائل على وجود متاعب خطيرة، وكان سعر النفط يتراجع منذ فترة، في حين كان الطلب العالمي يتباطأ. وقبل أيام قليلة أظهرت محاضر اجتماع البنك الاحتياطي الفيدرالي أيضاً بعض القلق إزاء الآثار المترتبة على ارتفاع الدولار.

حتى هذه الأمور مجتمعة لا يمكن أن تبرر ارتفاع سعر السندات يوم الأربعاء – أو التحول المفاجئ لها بعد أن هوى العائد إلى 1.86 في المائة فقط.

كان حجم التحول يهبط إلى طبقة ضعيفة في الكتل الجليدية الصلبة للسوق. وكان المستثمرون جميعاً متموضعين بالطريقة نفسها، متوقعين أن تنفصل الولايات المتحدة عن بقية العالم، وأن يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، وأن يرتفع الدولار. ورهانات المضاربة على الدولار، عبر سوق العقود الآجلة، لم تكن أبداً كبيرة إلى هذا الحد. وحتى رهانات المضاربة على السندات قصيرة الأجل لم تكن هي الأخرى أبدا كبيرة إلى هذا الحد. وبعد أن بات من الواضح أن صناديق التحوط كانت تصفي عملياتها عن طريق البيع، تسابق الجميع على أخذ رهاناتهم بعيدا عن التسويات أولاً، فتأرجحت الأسواق بعنف.

ولأن السوق حساسة إلى هذه الدرجة، فإن كل ما تحتاج إليه هو قطعة ثلج واحدة فقط لتبدأ في الانزلاق. هناك الكثير من الجناة المحتملين، إضافة إلى البيانات الاقتصادية. وكما يشير بول ميلز، الممثل الأول في لندن لصندوق النقد الدولي والمسؤول عن مراقبة الأسواق، ربما كانت صناديق التحوط تعمل على إعادة تموضعها بعد الخسائر الكبيرة على أسهم فاني ماي، أو المراهنة على آثار عمليات الانسحاب من بيمكو بعد خروج المؤسس بيل جروس.

وكما هو الحال مع الانهيار الجليدي، فإن تحديد السبب الدقيق يعتبر مسعى بلا طائل. لكن العمال الذين يعدون الثلج للأسواق يمكن أن ينظروا إلى الضعف في البنية. يجب على المستثمرين الحذر دائماً من التعاملات المزدحمة، لأن الجميع يراهن على النتيجة نفسها.

في أثناء التحركات التي أدت إلى تقلبات الأسبوع الماضي كان ينبغي عليهم القلق من أن انخفاض رغبة المصارف في التداول يهدد السيولة أثناء تحركات السوق الكبيرة – الأمر الذي أصبح مرئياً عندما أصبح من الصعب التداول في واحدة من الأسواق الأكثر سيولة، وهي سوق سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات.

كان ينبغي أن يكونوا مهتمين بعلامات الرضا في كل شيء، ابتداء من قروض الرفع المالي إلى الأسهم ومجالس الإدارة.

وأخيراً، كان ينبغي لهم الشعور بالقلق من أن المستثمرين كانوا يأخذون المزيد من المخاطر دون أن يدركوا حقاً أنهم يفعلون ذلك، لأن عائدات السندات والتقلبات كانت منخفضة جداً، فقد تم رفع سعر كل شيء تقريبا من قبل البنوك المركزية التي تحافظ على السياسة النقدية السهلة جداً منذ فترة طويلة.

كانت هناك بعض الأنباء الجيدة. لم تكن الصناديق المتداولة في البورصة، التي تستثمر في أسواق غير سائلة هي الكارثة التي كان يخشى منها. ويلاحظ نيكولاس بانيجيرتزوجلو، وهو محلل استراتيجي في جيه بي مورجان، عدم وجود سوى “تدهور متواضع نسبيا” في قدرة السندات الخردة وصناديق الاستثمار المتداولة لسندات الأسواق الناشئة لتتبع أسعار السندات التي تقوم عليها تلك الصناديق.

ولعل أكبر درس كان التأكيد على أن محافظي البنوك المركزية لا يزالون قلقين تماماً. ولم تستقر أسواق الأسهم إلا بعد أن قال أحد صناع السياسة في الاحتياطي الفيدرالي إن التسهيل الكمي قد لا ينتهي كما كان مقرراً هذا الشهر، وفي الوقت نفسه قدم البنك المركزي الأوروبي تمويلاً أسهل على السندات اليونانية. ويوم الجمعة أشار آندي هالدين، كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، إلى أن رفع أسعار الفائدة سيؤجل في المملكة المتحدة أيضاً.

ما الذي يحدث بعد الآن؟ الاقتصاد الأوروبي يبدو أسوأ مما كان عليه قبل بضعة أشهر، وهو ما دفع البنك المركزي الأوروبي في نهاية المطاف إلى استخدام التسهيل الكمي المناسب. ويبدو الاقتصاد الأمريكي إلى حد كبير في الوضع نفسه، لكن مع خلق التباطؤ العالمي لمخاطر الضعف.

وكان التغيير الأكبر هو تقييم السوق لما سيحدث. فقد يخلق هذا فرصاً للراغبين في الدخول في رهانات من المكان الذي فرت منه الحشود.

أصبحت السندات والأسهم وأسواق العملات الأجنبية متفائلة بصورة كبيرة فوق الحد بشأن نمو الاقتصاد الأمريكي وقدرته على اجتياز التباطؤ العالمي. والأسواق عادة ما تتخطى كلا الاتجاهين، لكن حتى الآن هناك عدد قليل من علامات التشاؤم العميق، على الأقل خارج أسواق الطاقة ومنطقة اليورو.

كان التصحيح سريعاً في كل شيء، ابتداء من السندات الخطرة إلى الأسهم. إلا أن المستويات المطلقة وصلت فقط لما يبدو أنه أسعار رخيصة، إذا كان من المتوقع لبيئة السنوات القليلة الماضية أن تستمر.

وإذا واصلنا الحصول على اقتصاد أمريكي بطيء النمو، ومال سهل، ودعم المصرف المركزي، فإن السندات الخطرة المقومة بالدولار، التي تعرض معدلاً يزيد 5.7 نقطة مئوية على سندات الخزانة الأمريكية، ستبدو أكثر جاذبية بكثير من الفرق البالغ أربع نقاط، الذي ساد في فصل الصيف.

ومثل هذا العالم سيستمر على الأرجح في التميز بانخفاض الاستثمار وبهوامش ربح عالية وفائض سيولة لدى الشركات – ما يجعل منه عالما مثالياً لعمليات إعادة الشراء التي كانت تدعم الأسهم.

لقد أعيد ضبط التقلب من المستويات الدنيا الباعثة على الرضا، التي وصل إليها في وقت سابق هذا العام في أسواق العملات الأجنبية والأسهم والسندات. لكنه لا يزال بعيداً عن مرحلة إثارة الذعر. مرة أخرى، إذا كان هذا هو مجرد العودة إلى الوضع الطبيعي، فإنه ينبغي لمستثمرين أن يرحبوا به. لكن سيكون من الضروري تركيز الأنظار على البنوك المركزية. الأسهم الأمريكية تبقى مرتفعة حتى بعد هبوط الأسبوع الماضي.

المزاج لدى صانعي السياسة يوحي حتى الآن بأن البنك المركزي على استعداد للمساعدة، لكن في حال أي تلميح بأنه مستعد للسماح لقوى السوق بأن تفعل ما هو أسوأ، عندها سيرغب المستثمرون لو أن لديهم واحدة من الأدوات الخاصة التي كان يحصل عليها جميس بوند، لحمايتهم.