ذكاء مخلص الخالدي
من أصعب الأمور التي يمكن أن يواجهها إنسان، اضطراره إلى ترك بيته ومحل إقامته الدائمة بطريقة مفاجئة وعشوائية، خصوصاً إلى بلد آخر، ليجد نفسه وعائلته بلا مأوى ولا دخل. وهذا ما حصل للسوريين الذين هربوا إلى العراق وتركيا والأردن ولبنان. وكان النزوح إلى تركيا والأردن أكثر تنظيماً من قبل حكومتي البلدين حيث اتخذت شكل مخيمات نصبت تقريباً خارج المدن. كذلك كان نزوح السوريين الأكراد إلى شمال العراق. أما نزوحهم إلى باقي مناطق العراق مثل بغداد وغيرها من المدن الكبيرة فلم يتم عن طريق المخيمات بقدر ما بحث النازحون السوريون عن فرص عمل واندمجوا بشكل أو آخر مع المجتمع العراقي الذي استوعبهم بسهولة بسبب كبر حجم البلد وعدد السكان. أما نزوحهم إلى لبنان فكانت له طبيعة مختلفة بسبب القرب الجغرافي وتشابك العلاقات الاجتماعية وعلاقات العمل بين البلدين تاريخياً وحالياً.
لذلك جاء النزوح بأعداد كبيرة وبشكل غير منظم، واختلط النازحون مع المجتمع اللبناني من دون أن تقوم الدولة بدور كافٍ لتنظيم إيوائهم. وفي وقت تشير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين إلى أن عدد السوريين المسجلين لديها هو 1.1 مليون وتتوقع أن يصل إلى 1.5 مليون بنهاية السنة، تصر الجهات الرسمية اللبنانية على أن عددهم الحقيقي هو 1.5 مليون. أضف إلى عدد العمال السوريين في لبنان قبل الحرب السورية.
وكانت الحكومة اللبنانية كريمة مع النازحين السوريين في البداية حيث تبنت معهم سياسة الحدود المفتوحة وتوزع اللاجئون في كل أنحاء لبنان خصوصاً في الشمال والبقاع. كما كان التعاطف الشعبي معهم كبيراً. ولكن الأمور اختلفت الآن. فمن جهة يزداد الاحتقان في المجتمعات المحلية بسبب المنافسة التي يشكلها النازحون مع اللبنانيين على فرص العمل والمسكن والخدمات الأساسية. ففي بعض المدن اللبنانية زاد النازحون على عدد السكان إلى الضعف ما ضغط على الخدمات الصحية والتعليمية وخدمات الصرف الصحي وجمع النفايات التي هي أصلاً غير كافية. كما بدأ بعض الجهات يطالب بوضعهم في مخيمات على شكل بيوت جاهزة على الحدود يأخذونها معهم عند عودتهم إلى سورية بعد انتهاء الحرب.
لم يكن عدد النازحين السوريين إلى لبنان الأكبر مقارنة بدول الجوار الأخرى، ولكن المشكلة تكمن بصغر لبنان سكاناً ومساحة. لذلك تبلغ نسبتهم 25 في المئة من سكانه في مقابل أقل من 15 في الأردن و5 في تركيا والعراق ومصر. أضف إلى ذلك أن لبنان يعاني مشاكل اقتصادية واجتماعية كبيرة. فالفقر حالة تم رصدها في لبنان من قبل المنظمات الدولية حتى قبل الأزمة السورية وتدفق النازحين. حيث قدر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في دراسة أعدها في 2004-2005، أن 27 في المئة من اللبنانيين فقراء يعيشون على أقل من 4 دولارات في اليوم. ويتوقع البنك الدولي أن تدفع الظروف الاقتصادية السيئة 170 ألفاً إلى الفقر بينما سيواجه الفقراء صعوبات أكثر سببها المنافسة التي شكلها النازحون الذي يقبلون بمعدلات أجر منخفضة.
بدأ أرباب العمل تشغيل سوريين مكان اللبنانيين، وخسر كثير من اللبنانيين الذين يعتمدون على عملين للوفاء بالتزاماتهم المعيشية، واحداً منها لمصلحة السوريين. وفي تقرير أعدته منظمة العمل الدولية في 2013 أشار حوالى 90 في المئة من العمال اللبنانيين في مناطق البقاع والشمال إلى انخفاض دخولهم حيث انخفض معدل الأجر اليومي للعامل غير الماهر في البقاع ما بين 30 و50 في المئة. أضف إلى ذلك أن السوريين يتمتعون بشبكات حماية اجتماعية من قبل المنظمات الدولية أكثر من شبكات الحماية المتوافرة للبنانيين. كما تسبب النازحون بارتفاع إيجارات المنازل بين 50 و100 في المئة، وأسعار السلع الأساسية.
ويعاني سوق العمل اللبناني أصلاً بطالة عالية بلغت البطالة 11 في المئة من مجموع القوى العاملة و30 في المئة بين الشباب في 2011. لذلك يعتبر وجود نازحين نشطين اقتصادياً خطير جداً على سوق العمل، وتتوقع منظمات دولية ارتفاع عددهم ليبلغ نصف العدد الكلي آخر السنة مقارنة بـ 2011، وأن ترتفع نسبة العاطلين بين اللبنانيين إلى 20 في المئة خصوصاً بين العمال غير المهرة في أكثر المناطق فقراً والتي تشهد حالياً أكبر تمركز للنزوح السوري. كما أن تداعيات الحرب السورية على السياحة في لبنان وعلى معدلات النمو الاقتصادي قلصت كثيراً فرص العمل المتوافرة.
وفي مجال التعليم يقدر البنك الدولي وجود 240 ألف طالب سوري في المدارس الحكومية اللبنانية وهو أكثر من ثلثي عدد الطلاب اللبنانيين. وعموماً يعتبر الوضع في مجال التعليم أفضل منه في مجال الرعاية الصحية بسبب مساعدات المانحين ووجود طاقة استيعابية فائضة. وتواجه الخدمات الصحية كثيراً من الضغوط حيث يقدر صندوق النقد ارتفاع النفقات الصحية بـ 0.4 من الناتج خلال الفترة 2010 – 2013. وعلى رغم أن المانحين والمنظمات الإنسانية هي التي تدفع تكاليف علاج النازحين، يظل هناك ضغط على المالية العامة من زيادة طلبهم على الخدمات الصحية.
في دراسة أعدها البنك الدولي في أيلول (سبتمبر) 2013، جاءت تقديراته كالآتي:
– خسارة في الناتج بلغت 7.5 بليون دولار للفترة 2012 – 2014.
– خسارة الموازنة 5.1 بليون منها 1.1 بليون كلفة خدمات صحية وتعليمية وإعانات أخرى للاجئين، و2.5 بليون زيادة في استثمار رأس المال الثابت للمحافظة على مستوى الخدمات كما كانت في 2011، و1.5 بليون نقص في عائدات الحكومة الناتجة من ضعف الاقتصاد اللبناني، ما سيزيد من حجم الدين العام 2.6 بليون دولار. وأكد البنك أن كثيراً من آثار الأزمة السورية وتدفق النازحين سيظهر على الاقتصاد اللبناني في الأمد الطويل.