Site icon IMLebanon

البلدان العربية واليوم العالمي للفقر: البحث مستمر عن معيشة أفضل

al-hayat

عامر ذياب التميمي
مر اليوم العالمي للقضاء على الفقر في 17 تشرين الأول (أكتوبر)، ليذكر الشعوب والحكومات العربية بالفقراء الذين يعيشون بين ظهرانيهم وأهمية تحسين معيشتهم وإنهاء حال الفقر التي يعانونها. والفقر ظاهرة عالمية تعانيها دول كثيرة في مختلف القارات. يقول الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون «إن هناك 700 مليون شخص في مختلف بلدان العالم يعانون الفقر المدقع جرى انتشالهم منه وتحسين أوضاعهم بين 1990 و2010». لكنه يضيف: «أن هناك 1.2 بليون شخص ما زالوا يعيشون على أقل من 1.25 دولار يومياً للفرد، كما أن 2.4 بليون شخص يعيشون على أقل من 2.0 دولار يومياً للفرد».
يتركز الفقر في أوساط النساء والأطفال وكبار السن في البلدان النامية. وأكدت أهداف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي التي أعلنت في بداية القرن الحادي والعشرين أهمية محو أثار الفقر قبل 2015، لكن ذلك يبدو هدفاً بعيد المنال في ظل تراجع معدلات النمو الاقتصادي في العالم وتواضع إنجازات التنمية في البلدان النامية. وعرقل انتشار الأمراض والأوبئة وتخلف الأنظمة التعليمية وتفشي الأمية التعليمية والثقافية في العديد من هذه البلدان الجهود الهادفة إلى تحسين مستويات المعيشة وإزالة آثار الفقر، ناهيك عن الحروب والنزاعات الإقليمية والحروب الأهلية وما تخلق من دمار وتخريب للحياة الاقتصادية وما ينجم عنها من تشريد من البشر من ديارهم وتعطيل لأعمالهم وتحصيلهم الدراسي واستقرارهم السكني.
يشير تقرير للبنك الدولي عن 2013 إلى أن عدد سكان العالم العربي بلغ 345 مليون شخص، في حين يبلغ الناتج المحلي الإجمالي للبلدان العربية مجتمعة 1.5 تريليون دولار تقريباً. ويعني ذلك أن متوسط الدخل السنوي للفرد يساوي 3500 دولار. لكن هذا المتوسط متفاوت بين بلدان عربية غنية بإيراداتها وأخرى محدودة الإيرادات ومكتظة بالسكان. وتشير التقارير الأممية إلى أن 11 مليون شخص في العالم العربي يعيش الواحد منهم على أقل من دولار يومياً. ويشير تقرير الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (إيفاد) إلى أن الفقر في اليمن يؤثر في 42 في المئة من سكان البلاد. ويؤكد التقرير أن 80 في المئة من فقراء اليمن يعيشون في المناطق الريفية، كما أن نصفهم يعيشون على أقل من دولارين يومياً.
وفي مصر هناك 25 في المئة من سكان البلاد من الفقراء، ويعيش ثلثا سكان جنوب مصر (الصعيد) في فقر مزمن. أما العراق الذي يعد من أهم البلدان المصدرة للنفط فيعد حوالى 19 من سكانه من الفقراء حسب معايير الأمم المتحدة. وتقدر نسبة الفقراء في الأردن بـ 14.4 في المئة من السكان في حين تصل هذه النسبة إلى 28.6 في المئة في لبنان. أما في المغرب فتتركز ظاهرة الفقر في الأرياف والمناطق العشوائية المحيطة بالمدن الكبرى أو في الأحياء الفقيرة في هذه المدن، ويقدر عدد الفقراء هناك بأكثر من أربعة ملايين مواطن يمثلون 15 في المئة السكان. لكن الأوضاع في المغرب أخذت بالتحسن خلال السنوات العشر الماضية بعد الارتقاء بالبنية التحتية في المناطق الريفية وتوسيع نطاق التعليم.
ومع أن الفقر ظاهرة لا يخلو منها مجتمع في العالم، حتى المجتمعات في البلدان الغنية، تبقى المقاييس نسبية، وتتفاوت الجهود المخصصة للقضاء على الفقر. ولا شك في أن الجهود الأممية أصبحت أكثر جدية لمواجهة ظاهرة الفقر، ما يعزز الفقر في البلدان العربية هو استمرار تخلف الأنظمة التعليمية والتحصيل الدراسي وانتشار الأممية في العديد من المناطق بما يعطل القدرات المهنية لكثيرين من المواطنين ويهمش دورهم في سوق العمل. وتتطلب مكافحة الفقر جهوداً تنموية واسعة النطاق تتمثل في زيادة الإنفاق على المرافق الحيوية مثل الكهرباء وتمديدات المياه وتحسين أنظمة الصرف الصحي وبناء طرق وسدود وتحسين فاعلية المرافق الصحية أو العلاجية، أي أن المطلوب توظيف مزيد من الأموال في مجالات الإنفاق الرأسمالي بما يؤدي إلى تكريس العمل التنموي.
وغني عن البيان أن تطوير أنظمة التعليم والاهتمام بالتعليم المهني بما يتوافق مع احتياجات أسواق العمل ستمكن البلدان العربية من مواجهة تحديات الفقر. ولا يمكن القضاء على الفقر من خلال الهبات الخاصة للأسر بل المطلوب هو تفعيل دور أفراد هذه الأسر في سوق العمل من خلال آليات التعليم والتدريب وتوفير فرص عمل مناسبة. ويتعين توظيف أموال الصناديق التي تأسست بموجب قرارات من القمم العربية لخلق فرص عمل ومساندة أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تتمتع بالميزات النسبية والجدوى الاقتصادية.
وعلى العرب، حكومات ومنظمات مجتمع مدني وقوى سياسية، العمل لتجنيب البلدان العربية الصراعات الدامية واحتواء مختلف التيارات من خلال آليات العمل الديموقراطي وإنجاز مصالحات تاريخية تعزز قيم المجتمعات المدنية والفكر والمتسامح. فمحاربة الفقر تتطلب سلاماً اجتماعياً واستقراراً سياسياً وخططاً تنموية شاملة تؤكد أهمية الارتقاء بالقدرات البشرية وتوظيف الموارد في المجالات والقطاعات المجدية اقتصادياً. ولا بد من الاهتمام بالعوامل الديموغرافية فلا يعقل أن يستمر النمو السكاني في المنطقة قرب 2.5 في المئة سنوياً، مع تفاوت معدلات النمو بين بلد عربي وآخر. وعلى رغم تحسن المعدلات الديموغرافية خلال العقود والسنوات الأخيرة لا بد أن تستمر الجهود من أجل ترشيدها لضمان معيشة أفضل لسكان العالم العربي.