اندلع صراع للسيطرة على قطاع الطاقة في ليبيا الذي تديره الدولة حيث تتنافس على السلطة حكومتان متناحرتان إحداهما في العاصمة طرابلس والأخرى في شرق البلاد لكن القاسم المشترك بينهما يتمثل في الحفاظ على إيرادات النفط وهو ما سيبقي على تدفق صادرات الخام في الوقت الحاضر.
وتوجد في ليبيا عضو منظمة أوبك حكومتان وبرلمانان منذ أن سيطرت مجموعة مسلحة على طرابلس في أغسطس آب وعينت رئيس وزراء واستولت على وزارات مع تفكك البلاد بعد ثلاث سنوات من إسقاط حكم معمر القذافي.
واضطرت الحكومة الليبية التي حظيت باعتراف دولي إلى الانتقال إلى مدينة البيضاء في شرق البلاد حينما طردهم مسلحون من العاصمة في الصيف. ويوجد الآن البرلمان المنتخب في طبرق في أقصى الشرق.
وعين الحكام الجدد في طرابلس الذين يقاطعهم إلى حد كبير بقية العالم وزيرا للنفط عقد بالفعل مؤتمرا صحفيا في الوزارة وبدأ مناقشة السياسات النفطية.
ويتحدى رجلهم ماشاء الله الزاوي الحكومة المعترف بها دوليا برئاسة عبد الله الثني الذي عين مصطفى صنع الله رئيس المؤسسة الوطنية للنفط التي تديرها الدولة ليكون مسؤولا عن قطاع النفط.
ويأتي النزاع في إطار صراع على نطاق أوسع يهدد بتمزيق أوصال البلاد حيث تتقاتل الآن فصائل مسلحة ساهمت في الإطاحة بحكم القذافي في عام 2011 سعيا وراء السلطة والحصول على نصيب من أكبر احتياطيات نفطية في أفريقيا.
وليبيا مقسمة الآن بين دولة في الشرق حيث توجد حكومة الثني والبرلمان المنتخب بينما سيطرت مجموعات مسلحة تنتمي إلى مدينة مصراتة الغربية على طرابلس ووسط ليبيا وأنشأت برلمانا بديلا.
ورغم أن الصراع تسبب في تقسيم المدن والقبائل والمجموعات المسلحة يقول مسؤولون في المؤسسة الوطنية للنفط إن صادرات الخام لم تتأثر. وتحتاج الأطراف المتناحرة إلى استمرار تدفق أموال النفط المصدر الوحيد للدخل في البلاد.
ويتم دفع الأموال مقابل صادرات النفط الليبية إلى بنك مملوك للدولة في الخارج ثم تحول إلى المصرف المركزي في طرابلس الذي يدفع مرتبات آلاف الموظفين الحكوميين لطرفي النزاع.
ووجود مؤيدي وأعضاء المجموعات المسلحة من كلا الجانبين على جداول المرتبات من إرث القذافي الذي جعل من معظم البالغين في البلاد موظفيين حكوميين بهدف شراء ولائهم. ولم يجرؤ الحكام الجدد على تغيير هذا النظام رغم أن الكثيرين لا يذهبون إلى العمل في مكاتب الحكومة التي تعاني من العمالة الزائدة.
وتم وضع محاربين سابقين آخرين على جداول المرتبات الحكومية كأعضاء في قوى أمنية شبه رسمية بينما يجري تشكيل جيش وطني جديد رغم أن كثيرا منهم يدينون بالولاء لقادة قبائل أو مناطق وليس للدولة الليبية.
وقال دبلوماسي غربي “لا يوجد حافز كبير يدعو إلى تعطيل نظام المدفوعات النفطية وربما يستمر تدفق تلك الأموال إلى المصرف المركزي.”
وهذا يوضح السبب وراء ارتفاع الإنتاج رغم الاضطرابات. وتضخ ليبيا الآن 800 ألف برميل يوميا على الأقل من النفط الخام وهو أعلى أربع مرات عن مستويات الإنتاج منذ خمسة أشهر حينما تمكنت حكومة الثني من إنهاء حصار مسلحين لموانئ نفطية في الشرق.
لكن قطاع النفط لا يزال عرضة للمخاطر مع وجود مجموعات مسلحة لا تتبع غالبا فصائل سياسية وسيطرتها على حقول أو موانئ نفطية للضغط على السلطات لتلبية مطالبها المالية.
وهناك عقبة أخرى محتملة تتمثل في أن الصراع للسيطرة على المؤسسة الوطنية للنفط والمصرف المركزي ربما يدفع التجار الأجانب للإحجام عن شراء النفط الليبي إذا لم يستطيعوا تحديد الجهة التي تملكه.
وفي وقت سابق هذا العام حظرت الأمم المتحدة المبيعات النفطية التي لا توافق عليها المؤسسة الوطنية للنفط حينما حاولت مجموعات مسلحة تطالب بحكم ذاتي إقليمي بيع الخام من موانئ كانت تسيطر عليها في الشرق.
وقال حافظ الغول وهو محلل سياسي ليبي “نظرا لوجود حكومتين وبرلمانيين على أرض الواقع…اعتقد أنه يجب على الأمم المتحدة أن توسع نطاق ذلك ليشمل تجميد جميع الأرصدة والمعاملات الليبية حتى تتضح الصورة ويتبين من هو المسؤول عن الأرصدة السيادية لليبيا.”
وقال حسني بي -وهو رئيس شركة خاصة ليبية كبيرة- إن ضعف المالية العامة للبلاد نظرا لتعطيل المسلحين لإنتاج النفط في وقت سابق هذا العام إضافة إلى هبوط أسعار الخام دفع جميع الأطراف للتعاون بهدف الحفاظ على استمرار المبيعات النفطية.
وأضاف أن إيرادات النفط ستنخفض إلى نحو 28 مليار دولار في عام 2014 وهو نصف مستوى العام الماضي.
وقال الغول إن المصرف المركزي سيضطر إلى استخدام المزيد من احتياطيات النقد الأجنبي لتمويل ميزانية قوامها 40 مليار دولار وفاتورة واردات سنوية بقيمة 30 مليار دولار.
وفي خطوة تلقي الضوء على التحديات دعت المؤسسة الوطنية للنفط العاملين في القطاع إلى زيادة الإنتاج للتعويض عن الإنخفاض في أسعار الخام.
وفي ظل تلك المعضلة المالية تركت القوى المتناحرة لمسؤولي المؤسسة إدارة المسائل الروتينية مثل طرح المناقصات.
وقال عمران الزوي المتحدث باسم شركة الخليج العربي للنفط (أجوكو) -وهي وحدة تابعة للمؤسسة الوطنية للنفط وتدير موانئ تصدير في الشرق – “يسير العمل بشكل طبيعي.”
ويقول محللون إن هناك سببا آخر وراء رغبة الحكام الجدد في طرابلس في عدم إجراء تغييرات في المؤسسة الوطنية للنفط ويتمثل في أن ما يصل إلى 70 في المئة من إنتاج الخام يأتي من الشرق حيث لا تزال حكومة الثني مسؤولة عن مرافئ التصدير.
وقال حسني بي إن إيرادات النفط توضع في حساب في المصرف الليبي الخارجي المملوك للدولة ثم يتم تحويل الأموال إلى المصرف المركزي.
وأوقف المصرف المركزي الذي يحاول أن ينأى بنفسه عن الصراع جميع نواحي الإنفاق في الميزانية ماعدا دفع مرتبات موظفي الحكومة وتمويل الاحتياجات الضرورية مثل واردات القمح.
لكن الغول الذي يعمل لدى البنك الدولي قال إن المشترين الأجانب ربما يجمدون صفقات نتيجة لعدم التيقن بشأن من هو المسؤول في المصرف المركزي. فالمحافظ أقاله برلمان طبرق ورفع قضية لاسترداد منصبه.
وأضاف الغول “قد تأتي ايضا مرحلة ربما تطلب فيها الحكومة المعترف بها رسميا عدم الاعتراف بجميع معاملات المصرف المركزي في طرابلس وهو ما سيؤدي إلى مزيد من عدم التيقن.”