Site icon IMLebanon

فرنسا نحو التفلت من القيود الاقتصادية الاوروبية !

FinancialTimes
جديون راشمان
أعلن مانويل فالس، رئيس الوزراء الفرنسي، في حديث له على التلفزيون في أوائل هذه السنة أن ميزانية حكومته لن تُكتب “لأجل إرضاء بروكسل”. وأضاف: “نحن أمة عظيمة، وفرنسا دولة ذات سيادة”.

أصبت بالجفول عند سماع تلك الأقوال. فقد كانت تلك واحدة من أقل عبارات التحدي التي قيلت إقناعاً. والسب أن فرنسا في الحقيقة ليست دولة ذات سيادة عندما يتعلق الأمر بمسائل الميزانية – ولا حتى الـ 17 دولة الأخرى التي اعتمدت العملة الأوروبية الموحدة. وفي الأيام القليلة المقبلة يمكن أن تصبح هذه الحقيقة واضحة بقسوة شديدة.

فرنسا ليست الدولة الوحيدة التي تعترك مع قيود فرضتها أوروبا على سيادتها الوطنية. بريطانيا أيضاً تعترك مع تلك الحقيقة، فهي تحت القانون الأوروبي لا تستطيع منع الهجرة غير المحدودة الآتية من بقية دول الاتحاد الأوروبي.

السيطرة على الحدود والميزانيات تعتبر من أكبر السلطات التقليدية التي تتمتع بها الأمم. ويمكن أن يسبب قدر من الغضب الفرنسي والبريطاني من تآكل سيادتهما لمصلحة أوروبا خط أزمات سياسية يمكن إذا تصاعدت أن تؤدي إلى تفكك منطقة اليورو، أو حتى الاتحاد الأوروبي.

لحظة الحقيقة بدأت تقترب بسرعة من فرنسا. فقد قدمت فرنسا ميزانيتها الوطنية إلى المفوضية الأوروبية، وهي الدولة التي يبدو أنها تخرق قوانين الاتحاد الأوروبي التي تلزمها بتحقيق تقدم أسرع لتقليل العجز في ميزانيتها إلى ما دون 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وعلى المفوضية أن تتخذ قراراً في الأيام القليلة المقبلة حول ما إذا كانت فرنسا قد خرقت قوانين الاتحاد الأوروبي. وإذا حدث ذلك، فسيكون على المفوضية من الناحية القانونية رفض ميزانية فرنسا وإجبار باريس على إعادة النظر فيها.

وأية إهانة توجه للحكومة الفرنسية ستعتبر هدية مقدمة لليمين الفرنسي المتطرف الذي تشتكي زعيمته، مارين لوبان، بشدة من الاتحاد الأوروبي وتطالب بأن تترك بلادها عملة اليورو. ويقول ماتيو رينزي، رئيس الوزراء الإيطالي – الذي تتعرض بلاده لخطر رفض الاتحاد الأوروبي لميزانيتها – “أفضل فرنسا وهي تعاني عجزا في ميزانيتها قدره 4.4 في المائة على أن تكون مارين لوبان رئيسة الجمهورية في المرة المقبلة”.

الاتحاد الأوروبي طبعاً واعٍ للمخاطر السياسية التي يمكن أن تنجم عن التقليل من هيبة فرنسا، ولذلك هناك محادثات ربما تجري الآن لعقد صفقة في اللحظة الأخيرة. مثلاً، هل يحتمل أن توافق باريس على وضع جدول زمني جديد للقيام بإجراءات اقتصادية هيكلية في مقابل منحها وقتاً إضافياً للعمل على الميزانية؟ لكن أي اقتراح يوصي بتقديم معاملة خاصة لفرنسا كونها “دولة عظمى” سيعتبر مثالا سيئاً جداً بالنسبة لدول الاتحاد الأوروبي الأصغر التي بدلت جهوداً هائلة لأجل التمسك بهذه القوانين.

وربما يعمل ذلك على تقوية موقف المناوئين للاتحاد الأوروبي في ألمانيا، حيث يحرز حزب “البديل لألمانيا” المناهض لليورو مكاسب كبيرة في هذه الأيام. ولذلك على المستشارة الألمانية السير على حبل رفيع لإيجاد توازن بين المطالب المحلية الداعية للالتزام بقوانين الاتحاد الأوروبي، والحاجة لتجنب خلاف خطير مع فرنسا.

اختارت بريطانيا البقاء خارج منطقة اليورو، ولذلك تجنبت إجراءات السيطرة القاسية على الميزانية التي تطبق الآن على فرنسا. لكن شبح الصدام البريطاني مع الاتحاد الأوروبي يحوم الآن حول حرية الحركة والتنقل داخل أوروبا. وكانت بريطانيا وافقت على ذلك المبدأ عندما انضمت لهذه الكتلة في السبعينيات وبقيت غير معارضة نسبياً لذلك لعقود. لكن توسع الاتحاد الأوروبي ليشمل دولاً أكثر فقراً جاءت من أوروبا الوسطى والشرقية أدى إلى تدفق عدد هائل من المهاجرين إلى داخل المملكة المتحدة، من ضمنهم نحو مليون شخص من بولندا وحدها.

وفي الوقت الذي انتقلت فيه الشكاوى من الهجرة الجماعية من أوروبا إلى مركز السياسة البريطانية، تجد الحكومة البريطانية نفسها في موقف حرج لأن عليها أن تفسر السبب – في ظل القوانين الحالية للاتحاد الأوروبي – في أنها لا تملك شيئاً تعمله لوقف هذا التدفق. وقد اعتبر هذا هدية سقطت من السماء على حزب الاستقلال البريطاني، الذي يطالب بالانسحاب من الاتحاد الأوروبي. ولا يوجد شيء يمكن أن يوضح أكثر ما يعنيه حقاً “فقدان السيادة” من عدم القدرة على تقرير من يحق له العيش في بلدك.

ولذلك يواجه ديفيد كاميرون معضلة سياسية حادة. يعرف رئيس الوزراء البريطاني أن ناخبيه يريدون منه تخفيض الهجرة من أوروبا، لكنه يعرف في الوقت نفسه أن “حرية حركة الناس” مبدأ أساسي للاتحاد الأوروبي ومن غير المرجح أن يوافق أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرون على هذا المطلب. وقد حاول رئيس الوزراء ولعدة أشهر التعامل بلباقة مع هذه المشكلة بالوعد باتخاذ إجراءات ضد اشتراك المهاجرين من الاتحاد الأوروبي في نظام الرعاية الاجتماعية البريطاني، وليس منع الهجرة نفسها. لكن هذا التكتيك لم يكن كافياً لإنهاء الجدال. ولذلك كاميرون الآن يفكر الآن في السيطرة على العدد الكلي للمهاجرين من الاتحاد الأوروبي.

ربما أصبح رئيس الوزراء الآن ببساطة سابقاً لزمنه. فالاستياء من الهجرة وقوانين الاتحاد الأوروبي من حرية الحركة أصبح يتزايد أيضاً في دول أوروبية أخرى أساسية في الاتحاد الأوروبي، مثل فرنسا وإيطاليا وهولندا. لكن هناك ثمن يجب تحصيله من الدولة التي تكون أول من يخرق هذا الأمر المحرم. فإذا قام كاميرون بهجوم مباشر على حرية الحركة، فإنه يخاطر بالدخول في معركة مع أوروبا، وهي معركة يكاد يكون في حكم المؤكد أنه سيخسرها. هذا النوع من الإذلال الوطني يمكن في هذه الحالة أن يؤدي بسرعة إلى قرار بريطانيا بمغادرة الاتحاد الأوروبي تماماً – في الاستفتاء حول عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي الذي وعد به كاميرون في 2017.

القيود الأوروبية على السيادة الوطنية تهدد الآن باستثارة أزمات في علاقة الاتحاد الأوروبي مع كل من بريطانيا وفرنسا. الاتحاد الأوروبي على حق في شعوره بالاعتزاز بفكرة أنه مجتمع قائم على القوانين ويحترم المبادئ الليبرالية الأساسية. لكن الذين يرفضون الحلول الوسط بخصوص هذه القوانين والمبادئ – حول الميزانية والحدود – يهددون الآن بدفع الاتحاد الأوروبي نحو أزمة سياسية يمكن في النهاية أن تهدد وجود الاتحاد نفسه.