موسم الزيتون، الذي ينتظره المواطن الحدودي، بفارغ الصبر في مثل هذه الأيام، يحل هذا العام، ليشد الخناق من جديد، على عنق المزارع المنهك، الذي ينوء للعام الثالث على التوالي، تحت عبء الخسائر والديون المتراكمة، فالإنتاج لا يغطي المصاريف، وان كانت اسعار هذا الموسم، تميل الى ارتفاع غير مسبوق، لعله يعوض ولو جزءا يسيرا من تكاليف المحصول المرتفعة.
يحدق المزارع حسين يحيى باشجار زيتونه المعمرة، في بستانه المترامي الأطراف وسط وادي حلتا، لعله يلمح ولو القليل من الثمار على الأغصان. ويوضح يحيى لـ«السفير» ان «هذا الحقل يقطف سنة الحمل اكثر من 100 مد زيتون، وفي هذا الموسم كل ما جمعناه لا يتعدى الـ12 مدا»، مشيراً إلى أن «هذا التراجع الكارثي لم تشهده منطقتنا منذ اكثر من عشر سنوات». ويضيف: «انها مأساة طبيعية غير متوقعة، ضربت مزارعي القرى الحدودية، لترفع من الخسائر المتراكمة على مدى الأعوام القليلة الماضية، في ظل المضاربة والكساد المستفحل للزيت».
الصدمة الثالثة
موسم هذا العام، يعد الصدمة الثالثة على التوالي، لمزارعي منطقتي حاصبيا ومرجعيون، بحيث انخفض المحصول الى ادنى مستوى له، كما كشفت احصاءات التعاونيات الزراعية، فمحصول هذا العام لا يتعدى الـ20 الى 30 في المئة، من المعدل الوسطي لإنتاج المنطقة، والمحدد بـ500 الف مد. البعض يرد قلة الحمل، الى الجفاف الذي قضى على زهر الزيتون، ومنهم من نسب ذلك الى غضب الطبيعة، وإهمال الجهات المعنية هذا القطاع، الذي يعتاش منه 90 في المئة من سكان المنطقة.
كبار ملاكي الزيتون وصفوا هذا الموسم بالنكبة الزراعية، محذّرين من «مفاعيلها السلبية على المزارعين، التي تستوجب تدخل الجهات المعنية، لا سيما الهيئة العليا للإغاثة، للتعويض عن الخسائر التي ضربت الموسم».
يفيد المزارع امين حمدان «السفير» بان «بستانه الذي كان يقطف 150 مدا، انخفض انتاجه الى 24 مدا فقط». كذلك ابو محمد القادري الذي يوضح أنه «كان ينقل الى المعصرة 650 مدا، أما هذا العام فلم يتجاوز محصوله الـ15مدا». ويجزم ابو جورج القلعاني من كوكبا، انه «اشترى 10 صفائح من الزيت كمونة سنوية لعائلته، علما بأن محصول بستانه في محلة سوق الخان كان يتجاوز الـ100 صفيحة».
«الرزق غال لمن يعرف قيمة الأرض والتعب فيها»، يقول ملحم ضاهر من العرقوب، بينما كان يقطف زيتونه بالحبة، مضيفاً: «الموسم معدوم، تعب العام ذهب هدرا لكن بكل الأحوال، الحمد لله وعسى ان يكون الموسم المقبل افضل حالا».
يحاول ابو شادي علي حمدان أن يبثّ بعض التفاؤل قائلاً: «صحيح أن الموسم ضعيف جدا، ولكن هذا الأمر قد يخفف عنّا همّ البحث عن كيفية التصريف، ويخفض أجور العمال، لأني اليوم انا واولادي نقوم بجني المحصول لقلته، ولسنا بحاجة الى اليد العاملة التي كانت تثقل كاهلنا»، معتبراً أن «هذا الموسم الضئيل فرصة للتشحيل وتنظيف الحقل من الأغصان البرية».
الأسعار ترتفع
شح الموسم هذا العام ايضا، بات فرصة لتصريف ما هو كاسد في الخوابي من العام الماضي، هذا ما يؤكده كبار الملاكين. ويلفت رئيس التعاونية الزراعية في حاصبيا رشيد زويهد الانتباه الى ان «اسعار الزيت ارتفعت، فالصفيحة من النوع الممتاز البكر، ضربت الرقم القياسي لتباع بحدود الـ150 دولارا، وذلك للمرة الأولى منذ اكثر من 15 عاما، وسعر كلغ الزيتون وصل الى حدود الـ10 آلاف ليرة». ويأمل زويهد ان «تعوض هذه الأسعار المقبولة جانبا من خسائر المزارعين المتراكمة على مدى الأعوام الماضية»، مطالباً «بحماية المزارع عبر منع استيراد الزيت من الخارج، علما بان زيت بلدنا يضاهي زيت اكبر الدول المنتجة، واننا نفخر فعلا بنوعيته، وقد ثبت ذلك عبر مختبرات عربية وأوروبية تعنى بهذه المادة».
يبقى القول ان لقطاف الزيتون، نكهة خاصة في قرى حاصبيا ومرجعيون، اذ ان الناس هنا ما زالت تتمسك بالكثير من العادات والتقاليد، حيث يشارك غالبية افراد العائلة بجني المحصول، لا سيما أيام العطلة وفي الإجازات، ليبدو المشهد فولكلورياً بامتياز، على الرغم من ضآلة الموسم هذا العام.