Site icon IMLebanon

حلم “الخلافة” يطوّق لبنان وأيّ مواجهة تجعله ساقط عسكرياً (رولان خاطر)

 

حلم “الخلافة” يطوّق لبنان وأيّ مواجهة تجعل لبنان ساقط عسكرياً.. دراسة موجزة عن قدرات “داعش” القتالية وإمكان دخوله إلى لبنان

 

تقرير رولان خاطر

لا يختلف المراقبون السياسيون على أن تنظيم “الدولة الإسلامية” فاق كل الجماعات المتطرّفة التي دخلت التاريخ والتي صُنّفت إرهابية تصوراً، مثل، أنصار بيت المقدس، أنصار الشريعة، منظمة ابو نضال، جماعة أبو سياف، تنظيم القاعدة، بوكو حرام، حركة طالبان، جماعة أنصار التوحيد، منظمة إيتا، الإخوان المسلمين…. وهي جماعات ترتبط بشكل أو بآخر بالإسلام السياسي، المستند إلى عقائد دينية وإيديولوجيات متشددة وأفكار سياسية شمولية.

ورغم مزاعم هذه الجماعات الارهابية بأنها تهدف إلى حماية مصلحة المجتمع، فإن أنشطتها باتت توجه ضد نظم الحكم كافة على اختلاف توجهاتها، ما دفع هذه الأنظمة إلى اعتماد أساليب وقائية أو مضادة، عبر تصنيف هذه الجماعات “إرهابية”، والتشدّد في اتخاذ التدابير بحق المنتمين إليها، ومن بين هذه الدول، لبنان.

تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي بايع أبي بكر البغدادي في 29 حزيران 2014 خليفة للمسلمين، أعلن في خطوة ذات بعد إيديولوجي، إلغاء مفهوم الحدود بين الدول، ما شرّع لنفسه التعدي والتطاول على سيادة أي دولة، والدخول إلى أراضيها تحت عنوان “الشريعة الإسلامية”، والبدء بتنفيذها من دون إذن “شرعي” أو أخلاقي أو إنساني.

ساعدته في توسّعه الحرب الأهلية السورية، ليصل لاحقاً إلى العراق، تحت وطأة الظلم اللاحق بحق أهل السُنّة، وها هو اليوم على الحدود التركية يسيطر على بقعة جغرافية ذات بعد جيوسياسي، قد تغيّر في قواعد اللعبة السياسية على المسرح الإقليمي والدولي.

خريطة امتداد التنظيم جغرافياً من سوريا إلى العراق، تشير إلى أنه يبني كياناً إسلامياً، وخصوصاً بفعل تعاطف بعض البيئة السنيّة معه، يمهّد عبره إلى إعلان دولته “المفترضة”، التي تبدأ في العراق وسوريا مروراً بالكويت والأردن وتونس، وصولاً حتى لبنان وفلسطين حتى المتوسط.

 

خريطة تظهر المناطق التي يسيطر عليها تنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق

 

الوقائع تشير إلى أن التنظيم يرسم دولته أيضاً على أساس مقوّمات اقتصادية أساسها النفط، بعد السيطرة على حقول النفط في دير الزور ثم ريف الحسكة في سوريا، ومحاولات التحكم بمصفاة “بيجي”، أكبر المصافي العراقية.

وبحسب تقرير أميركي صادر عن معهد “بروكنز” في واشنطن، فإن غالبية المنشآت النفطية الرئيسية في شرق سوريا أصبحت تحت سيطرة “داعش”، وهو يحقق مكاسب يومية لا تقل عن 3 ملايين دولار كأرباح صافية من بيع النفط العراقي والسوري في السوق السوداء، ما يعني أنَّ إيرادات التنظيم من النفط وحده تتجاوز الــ90 مليون دولار شهرياً، فضلاً عن مصادر التمويل الأخرى التي يتمتع بها، منها الفديات التي تدفعها الدول للإفراج عن مخطوفيها، وبحسب الخزانة الأميركية فإن الدول الأوروبية دفعت ما يعادل 22 مليون دولار لداعش للإفراج عن المخطوفين الأوروبيين.

وبحسب صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية، تنقسم موارد داعش إلى أقسام عدة أهمها:

– التبرعات والهبات التي يقوم بها بعض المناصرين الأغنياء من الكويت وقطر والسعودية والتي تتمثل بتحويلات مالية إلى أشخاص “وكلاء” وتمرّ عبر المصارف الأميركية نظراً لأنها تحاويل بالدولار الأميركي بشكل أساسي.

– المساعدات المالية المقدمة من بعض الحكومات الإقليمية التي تُرسل على شكل هبات إلى بعض المنظمات الخيرية وأسلحة تمر عبر الحدود مباشرة إلى عناصر المنظمة.

– الأموال التي تضع تنظيم “الدولة الاسلامية” يدها عليها بعد سيطرتها على مركز أو موقع جديد كالـ 425 مليون دولار التي وضعت داعش يدها عليها في البنك المركزي العراقي في الموصل.

– الأموال الناتجة من بيع النفط من الأبار التي سيطرت عليها داعش في العراق وسوريا.( وعددها 11 بئرا نفطية)

ويُقدر بعض الخبراء العسكريين الموارد المالية التي تحتاجها منظمة مؤلفة من عشرات آلاف المسلحين للإستمرار، بمئات الملايين من الدولارات سنوياً، وهذا يعني أن “داعش” تملك الأموال الكافية لدفع رواتب وأجور مقاتليها لسنوات عدّة.

وبإعتبار أن “داعش” مؤلفة من 30 ألف مُقاتل بحسب الإستخبارات الأميركية فهذا يعني أن التنظيم يسمح لنفسه بدفع راتب شهري يُوازي 5000 دولار اميركي لكل مقاتل في صفوفه. (ولكن على أرض الواقع هذا التنظيم يدفع حوالى 400 دولار للمقاتل السوري وحتى 700 دولار للمقتل المهاجر اي غير السوري.)

مصادر التنظيم المالية، إضافة إلى عوامل أخرى، منها مذهبية، وسّع كوادر التنظيم البشرية، ليصل عددهم إلى نحو 80000 مقاتل موزعين بين العراق وسوريا بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، على عكس تقديرات الاستخبارات الأميركية والفرنسية. أمّا قدرته العسكرية، فيمكن رؤيتها ولمسها من خلال طرح سؤالين محددين: كيف تمكن تنظيم “داعش” من استمرار فرض سيطرته على مناطق واسعة من العراق وسوريا؟، وكيف يظل ثابتاً بموقعه، في وقت، تُشنّ عليه هجمات من دول عدّة إقليمية ودولية؟.

خبراء عسكريون يؤكدون أن تنظيم “داعش” يتلقى دعماً لوجستياً، وإشرافاً مخابراتياً من قبل المخابرات المدنية والعسكرية الاميركية والاسرائيلية فضلا عن التركية والخليجية. ويقول معهد دراسات الحرب الأميركي، إن تنظيم “الدولة الإسلامية” لا يمتلك فقط الأيديولوجية والقدرة على تنفيذ هجمات مروّعة، لكنه أيضاً يمتلك جيشاً منظّماً للغاية ينفذ عملياته العسكرية بدقة بالغة.

ويشير إلى أن داعش لديه:

– تنظيماً عسكرياً معقداً.

– وحدات مدعومة تقدم تقارير الهجوم إلى القيادة المركزية.

– يصدر تقارير سنوية تحدّد مقاييس الهجوم، عدد المقاتلين الذين نفذوا والمطلوب أن ينفذوا الهجمات، ونوع التمويل الذي يحتاجه التنظيم للحفاظ على قوة الزخم.

– وجود غرف أمنية مخابراتية تابعة للتنظيم، مع خبراء تقنيين وعسكريين ومدنيين، ومهندسي حرب وفنون قتالية، ناهيك عن معسكرات التدريب.

 

رسم بياني عن مجمّع أبحاث وتحليل شؤون الإرهاب الأميركي، يوضح كيف تحول تنظيم “داعش” من ميليشيا عسكرية إلى نظام يدير شؤون منطقة في حجم ولاية بنسلفانيا بهيكلية بيروقراطية تشمل حكومة، وولاة، وأميراً، مع نائبين، ومؤسسات تشريعية ومالية وإدارية تشبه إلى حد كبير تلك التي تدار بها دول غربية.

………………

هذه الشبكة “العنكبوتية” عمادها في الظاهر “الدين الإسلامي” وتطبيق “الشريعة”، فيما باطنها تحقيق غايات استخباراتية ومشاريع تقسيمية للمنطقة، بطبيعة الحال، لبنان لن يستطيع أن يكون بمنأى عنها، لأسباب عدة:

أولها: أن تركيبة لبنان المجتمعية المكونة من طوائف متعدّدة، لها تاريخها الطويل في الصراع على النفوذ والسلطة والوجود، تجعله خاصرة رخوة أمام الصراعات الطائفية والمذهبية التي تضرب المنطقة، فيشكل لبنان ساحة لها.

ثانيها: امتداد الظلم اللاحق بأهل السنّة إلى لبنان عن طريق “حزب الله” وادواته التنفيذية، إن عبر الشرعية اللبنانية كجهاز المخابرات والأمن العام، او من خلال ميليشياته المنتشرة من صيدا وصولا إلى طرابلس.

ثالثها: دخول “حزب الله” الذراع العسكرية الايرانية في لبنان والمنطقة في الحرب السورية من بابها العريض، وتباهي قياداته وقيادات “الحرس الثوري” بأن قوة وصمود النظام السوري أساسها وجود عناصر الحزب و”الباسيج” الايراني وفصائل إيران في المنطقة على أرض المعركة في سوريا. وهو ما ورّط لبنان في “حرب الكبار”، وجعل حدوده الجبلية مطوّقة بعناقيد الإرهاب التي يجسّدها كل من “جبهة النصرة” وتنظيم “الدولة الإسلامية” و”حزب الله” على السواء.

وانطلاقاً من هذا الواقع، بات واضحاً أن بلد الأرز والموارنة والعيش المشترك، ليس بعيداً عن حلم “الخلافة”، وأنه بحسب بعض المعطيات وُضع لبنان على خريطة أبو بكر البغدادي، بانتظار فقط التوقيت المناسب لعملية الاجتياح.

ولعلّ بعض المعطيات توضح الصورة التي قد تكون مشؤومة:

أولاً: “تغيير اسم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” إلى فقط “الدولة الاسلامية”، يعني أن الأمر تخطّى سوريا والعراق، وحدود البلدان العربية كلها باتت في المرمى “الداعشي”، ولا استبعاد لأي مكوّن عربي، بما فيه لبنان.

ثانياً: التسلّل إلى قلب المناطق اللبنانية، وخصوصاً إلى العاصمة، وتبنّي عمليات التفجير فيها من تفجير السفارة الايرانية في بيروت، إلى تفجير حارة حريك، وتفجير فندق “دي روي” في الروشة….

ثالثاً: العمليات العسكرية النوعية التي نفذها تنظيم “داعش” ضد مواقع متقدمة لـ”حزب الله” في لبنان، إن في الخريبة قرب بعلبك القريبة من الحدود اللبنانية- السورية، أو في جرود بريتال.

رابعاً: عمليات الكرّ والفرّ التي تقوم بها المجموعات المرابضة في الجرود كل فترة، في مناورة مدروسة لقياس قدرة “العدو” اللبناني القتالية، تحضيراً للدخول الأكبر في الساعة صفر.

خامساً: اعتماد “داعش” تكتيك حرب العصابات والحرب النفسية والإلكترونية على غرار المبدأ الذي يتقنّه “حزب الله” والذي أدّى نجاحاً باهراً، وألحق خسائر نوعية في صفوف العدّو الاسرائيلي. وهو ما يجعل وجهات الشبه متقاربة عسكرياً وتكتيكياً بين “داعش” و”حزب الله”، إلا أن المقارنة المالية واللوجستية بين التنظيمين، ترجّح كفّة “مجموعة البغدادي” على “فرسان الإمبراطورية الفارسية”.

فاستناداً إلى صحيفة “لوموند” الفرنسية، قدرّت الموارد المالية لـ”داعش” بين 1.5 و2.3 ملياري دولار سنوياً مقارنة بموازنة “حزب الله” السنوية التي تراوح بحسب الصحيفة ما بين 200 و500 مليون دولار. علماً أن هذه الأرقام لا تشمل الثروة النفطية التي وضع “داعش” يده عليها في العراق وسوريا ولا السلاح الذي يتلقاه من الدول المُجاورة.

وبحسب الأرقام المتوافرة فإنّ عديد تنظيم “الدولة الاسلامية” يُوازي عديد “حزب الله”، والإثنان يملكان الأسلحة المُتطورة والتي تراوح بين الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة وصولاً إلى الصواريخ المُتوسطة المدى وصواريخ الإعتراض وحتى الطائرات.

إلا أن “داعش” يملك موارد مالية أكبر بكثير من موارد الحزب، وفي إفتراضية أيّ مواجهة مباشرة ومنفردة بينهما، فإن “تنظيم الدولة الإسلامية” له أفضلية مالية تسمح له بإستقطاب المقاتلين أكثر بكثير مما للحزب من قدرة، إضافة إلى تعاطف البيئة السنيّة التي “انكَوَت” من ممارسات “حزب الله” في لبنان.

في مقابل موازين القوى العسكرية، هناك علامات استفهام عدّة تطرح، عن أسباب تنصل الدولة التركية من المفاوضات بشأن العسكريين اللبنانيين المخطوفين لدى “النصرة” و”داعش” في جرود عرسال، علماً أن تركيا تعتبر في دائرة من يدعمون تنظيم داعش بالامدادات العسكرية، ودائماً بحسب الصحف التركية، ناهيك عن مراوحة الوساطة القطرية مكانها من دون تقدم ملحوظ، ولو أن المعلومات الأخيرة المسرّبة تشير إلى إمكان عودة الوسيط القطري واستئناف المفاوضات.

هذه المعطيات ربما لا تجزم لكنها لا تستبعد من ان يكون لبنان في المستقبل مقراً لغزو التنظيمات الارهابية، على ضوء الطموح التوسّعي لدولتهم، والتقسيمات الافتراضية التي بدأت لمنطقة الشرق الأوسط، خصوصاً انه من المعلوم أن الحدود تُرسم بالحروب، ولا يذكر التاريخ أن هناك حدوداً تم رسمها من دون مواجهات عسكرية، ومجيء داعش ساعد بشكل كبير في فرضية إعادة ترسيم الحدود في المنطقة العربية، باتجاه دولة سنّية ستُخلق جنباً إلى جنب مع الدولة الكردية والدولة الشيعية في العراق، التي من مهامها وقف النفوذ الإيراني في المنطقة الذي يعتبر بعض الخبراء العالميين السبب الرئيسي للتمدّد الداعشي.

هذا التبدّل في المشهد الجيوسياسي، يفرض تساؤلات كثيرة عن مستقبل المنطقة في حال تمت هزيمة تنظيم “داعش”؟.

يوم الثلاثاء 23 أيلول 2014، بدأت أولى العمليات العسكرية ضد التنظيم، حين قامت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة وبدعم من السعودية والإمارات والبحرين وقطروالأردن، بأول هجمات جوية في سوريا والعراق. وبالتزامن، بدأت الجماعات التي تعتبر “أقلية” في المنطقة الملتهبة، بحمل السلاح دفاعاً عن وجودها وهويتها وخصوصيتها، ومنهم “الأكراد، الذين لم يتركوا حلمهم بقيام الدولة الكردية، وهو أمر ينطبق على اللبنانيين، وخصوصاً المسيحيين، الذين، “مهما كانت الأثمان ومخاطر المواجهة”، لن يتوانوا عن حمل السلاح مجدداً، دفاعاً عن وجودهم وأرضهم، وعن كيان رسموه وخطّوه بإيمانهم ودمهم وشهدائهم.