Site icon IMLebanon

إنذار اقتصادي صيني: «الوضع الطبيعي الجديد» للديون والاستهلاك

FinancialTimes
جيمس كينج

الادخار باعتباره فضيلة هو جزء لا يتجزأ من عمق الثقافة الصينية. الصور الرمزية المكتوبة عن كلمات مثل “حفظ” و”متجر” تتلألأ مع رموز الشعور بالارتياح تجاه الحبوب والحقول والحرير والأطفال. على النقيض من ذلك، الطابع العام للدَيْن يظهر رجلاً يقف – أغلب الظن بشكل يائس – بجوار كومة من الودع، وهي شكل قديم لسندات الدَيْن. يتم تعليم الأطفال أن “الاجتهاد بقرة حلوب والادخار هو منجم الذهب”، في حين يتم تحذير الكبار من خلال مثل يتسم بروح الدعابة نوعا ما “الذهاب إلى الفراش في وقت مبكر لتوفير الشموع ليس اقتصادا إذا كانت النتيجة هي التوائم”.

المال، أو عدم وجوده، كان أيضا الدافع الرئيسي وراء قرار الحزب الشيوعي فتح الاقتصاد أمام المستثمرين الأجانب منذ أكثر من ثلاثة عقود. كانت أزمة السيولة حادة جدا عندما كان دينج زياو بينج – مهندس الإصلاحات الرأسمالية اللاحق – متجها على رأس وفد من بلاده إلى الأمم المتحدة عام 1974، ووجد أن العملات الأجنبية التي بقيت في خزانة الدولة لدفع تكاليف رحلته تبلغ فقط 38 ألف دولار.

بالنظر إلى هذا التذكير الفعال بأهمية إدارة الأموال، يتساءل المرء لماذا انحرفت الحكومة الصينية في السنوات الخمس الماضية كثيرا عن السلوك المالي الصادق والأخلاقي؟ إجمالي الديون المستحقة على الحكومة والشركات والأسر تضخم إلى 240 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، تقريبا ضعف المستوى الذي كان عليه وقت الأزمة المالية العالمية.

صحيح أن هذه النسبة لا تزال متواضعة قياسا إلى بعض النسب في الغرب. فديون الولايات المتحدة تبلغ 322 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وتقدر نسبة ديون إيرلندا بأكثر من 400 في المائة، في حين أنها في اليونان وإسبانيا تبلغ نحو 300 في المائة لكل منهما. لكن سرعة زيادة الرفع المالي في الصين كانت بلا مثيل، وبسبب ارتفاع أسعار الفائدة الصينية (بمتوسط 7 في المائة حسب تقديرات وكالة فيتش للتصنيف الائتماني) ارتفعت تكلفة خدمة الدين بشكل أسرع بكثير مما هي عليه في البلدان المدينة الأخرى.

ومن المقرر أن تدفع الصين هذا العام فاتورة فوائد تبلغ نحو 1.7 تريليون دولار، وهو مبلغ ليس أقل بكثير من الناتج المحلي الإجمالي الكلي للهند العام الماضي (1.87 تريليون دولار) لكن أكبر من اقتصادات كوريا الجنوبية والمكسيك وإندونيسيا.

ومن المفارقات أن عملية التباهي بالإنفاق التي ولدت هذه الديون جرت في الوقت الذي واصلت فيه بكين حثها المتكرر للسكان ليتصرفوا على نحو مقتصد. تحت إدارة هيو جينتاو، الرئيس أثناء الأزمة المالية، نصبت لوحات إعلانية في المدن في جميع أنحاء البلاد، لتقول للناس أن “يعملوا بجد ويعيشوا ببساطة. لا تنغمس في الملذات والكماليات”. تشي جينبينج، الرئيس الحالي، صعد الوتيرة أبعد من ذلك مع حملة ترشيد وطنية.

أحد الأجوبة عن السؤال، “لماذا سقطت بكين بسرعة في الرهن؟” هو أنها لم يكن لديها خيار سوى أن تفعل ذلك؛ المطلوبات تمثل التكاليف التي تكبدتها من استجابتها للأزمة العالمية. فقد أضر انهيار الطلب الأمريكي في عام 2008 كثيرا بقطاع التصدير في الصين، وأدى إلى خروج 30 مليون شخص تقريبا من العمل في غضون أشهر وأجبر بكين على إطلاق برنامج تحفيز استمد الزخم من طموحات الحكومات المحلية.

وأصبحت عاصمة الإقليم الشمالي المتهالكة مشهورة ببناء ثاني أكبر مبنى في العالم بعد البنتاجون، ليكون بمثابة المقر الإداري لها. واتخذت الطرق الجديدة والسكك الحديدية والموانئ والمطارات والجسور والمجمعات الصناعية شكلا في كل مكان. ووفقا لمجلة “كيكسان” الصينية، ظهر إلى الوجود ما مساحته 9700 كيلو متر مربع من المناطق الحضرية – أي ما يعادل نحو 25 مدينة حجم ديترويت – بين عامي 2008 و2012. وفي بعض الأماكن برزت “مدن أشباح” يعيش فيها أقل من 1000 نسمة لكل كيلو متر مربع، وهي الآن تقف شاهدا على انتصار الوفرة المحلية على الطلب الفعلي.

لقد وقع عبء الفاتورة بسبب هذا الهيجان على الحكومات المحلية وعلى الآلاف من “أدوات التمويل” التي لديها. وفي الواقع، ديونها والالتزامات المحتملة تشكل الجزء الأسرع نموا من إجمالي المطلوبات في الصين، جنبا إلى جنب مع التزامات الشركات الصناعية الثقيلة التي قدمت الصلب والأسمنت والمعدات التي غذت طفرة البناء.

لكن بعيدا عن توفير الحوافز لإنعاش الاقتصاد المتعثر، الموجة المتصاعدة للديون الصينية مستمدة أيضا من خمود القدرة التنافسية الاقتصادية. بالتالي عندما كشف المسؤولون الصينيون هذا الأسبوع عن أبطأ معدل نمو للناتج المحلي الإجمالي الفصلي – 7.3 في المائة – في غضون خمس سنوات، أعلنوا ذلك مع تحذير بأن العالم يجب أن يستعد لـ “الوضع الطبيعي الجديد” من تباطؤ النمو الاقتصادي. ما لم يلمحوا له كان الدور المحوري المتزايد الذي يضطلع به سيل من القروض غير المسددة في استنزاف الطاقة الدينامية التجارية في الصين.

تأثرت الشركات بذلك، لأنه وفقا لتقديرات بنك ستاندرد تشارترد، نحو 32 في المائة من الائتمان الجديد يستخدم هذه الأيام لمجرد تسديد الفائدة على الديون القائمة. وتمت مساومة المستهلكين بسبب أن رسوم خدمة الدين الإجمالية تساوي الآن نحو 1290 دولاراً من الناتج المحلي الإجمالي السنوي للفرد، البالغ 6800 دولار. الحكومات المحلية – لا تزال الوكالات الرئيسية للاستثمار – هي أيضاً تشعر بالوطأة، كما كان واضحا من اقتراح وزارة المالية هذا الأسبوع السماح لها بإصدار سندات جديدة فقط لتمويل سداد المطلوبات المستحقة عليها.

وترى وكالة فيتش أن التقاء هذه الضغوط يوجد نقطة انعطاف أساسية في واحدة من أعظم روايات النمو في التاريخ. المرحلة السريعة في الصين بهدف “اللحاق بالركب” – التي أثناءها بلغ متوسط النمو 10.2 في المائة على مدى ثلاثة عقود – تتراجع الآن أمام التوسع المغذى بالائتمان الذي يتباطأ بشكل تدريجي.

إدارة هذا لن تكون أمراً سهلاً. على حد تعبير أحد الأمثال الصينية: “التغيير من نمط الحياة المقتصد إلى نمط الترف يعتبر أمرا سهلا، التحول من نمط الفخامة والعودة إلى الادخار يعتبر أمرا صعبا”.