وليد خدوري
انخفضت أسعار النفط خلال الشهرين الماضيين، لتتراوح أسعار سلة «أوبك» بين 80 و90 دولاراً للبرميل، بدلاً من مستواها في السنوات الأربع الماضية (100 – 115 دولاراً). يحصل هذا التدهور أثناء تحضير موازنات عام 2015 في الدول المنتجة، حيث يتوجب اعتماد معدل سعري للنفط للعام المقبل. ويتوقع أن يؤثر الانخفاض سلباً في الموازنات. وتتطلع الأسواق عادة إلى أقطار «أوبك» لخفض إنتاجها عند انهيار الأسعار. لكن الفرق هذه المرة هو أن «أوبك» أخذت تتطلع بدورها إلى النفط الصخري الأميركي ليساهم في استقرار الأسعار نظراً إلى زيادة الكميات المنتجة منه وما تركته من أثر على الأسواق.
هناك أسباب عدة لتدهور الأسعار، منها زيادة الإمدادات في وقت انحسار الأسواق بسبب استمرار الأزمات الاقتصادية. وتأثرت الأسواق الآسيوية، بخاصة الصين حيث بلغ النمو 7.31 في المئة خلال الربع الثالث من السنة. وعلى رغم أن هذا المعدل مرتفع نسبياً مقارنة به في الدول الصناعية الأخرى، إلا أنه الأدنى في الصين خلال السنوات الخمس الأخيرة. وبما أن الدول الآسيوية، والصين خصوصاً، تشكل أهم منطقة مستوردة للنفط الخام، وتتجه إليها غالبية النفوط الخليجية، بل معظم الإمدادات النفطية من بعض الدول الأفريقية، بخاصة نيجيريا، بعد أن فقدت سوقها في الولايات المتحدة نتيجة ازدياد إنتاج النفط الصخري الخفيف النوعية والشبيه بالنفط النيجيري، ثم المنافسة السعرية الحادة بين الدول المنتجة للحفاظ على حصتها في السوق الصينية.
ساهمت ردود الفعل الصادرة عن الدول المنتجة الكبرى في الخليج، في الهبوط السريع للأسعار. فالعادة هي أن تبادر هذه الدول إلى تبني دور المنتج المرجح، أي خفض الإنتاج عند تدهور الأسعار، أو زيادته عند ارتفاعها. ولافت أن الدول المنتجة الكبرى قررت التريث وعدم خفض إنتاجها. كما تبادر الدول الخليجية عادة إلى اتخاذ الخطوات الأولى، ثم تطلب من بقية أقطار منظمة «أوبك» المساهمة معها في خفض الإنتاج. لكن هناك صعوبة واضحة في الحصول على إجماع لتبني سياسة خفض الإنتاج من جانب كل أقطار «أوبك». وهذا أمر مطلوب وفق أنظمة المنظمة، وضروري للحصول على قرار ذات صدقية وفعالية.
فليبيا، مثلاً، هي في صدد زيادة إنتاجها، وليس خفضه. ومن المتوقع أن تعتذر عن خفض الإنتاج بعد هبط حوالى 200 ألف برميل يومياً خلال الأشهر الأخيرة. فهي تحاول زيادة الإنتاج عن مستواه الحالي البالغ حوالى 900 ألف برميل يومياً، على رغم الفوضى السياسية هناك. كما أن إيران تحاول رفع الحصار الدولي المفروض عليها، والذي خفض صادراتها إلى أقل من مليون برميل يومياً مقارنة بحوالى 2.5 مليون قبل الحصار. والعراق يحاول أيضاً زيادة إنتاجه للتعويض عن تقلص وتوقف الإنتاج لسنوات طويلة، إضافة إلى الحاجة الماسة لإعادة العمران، والالتزامات والعقود مع الشركات النفطية الدولية التي تتطلب زيادة الإنتاج.
هذا نموذج عن المعارضة المتوقعة لخفض الإنتاج من جانب بعض أقطار «أوبك». لكنّ هناك تحدّياً جديداً، فمن الضروري أيضاً لتحقيق استقرار فعلي للأسعار في ظل انحسار الأسواق، أن تساهم الشركات الخاصة المنتجة للنفط الصخري في الخفض. فإنتاجه في أميركا الشمالية في ارتفاع مستمر، بحوالى مليون برميل يومياً في السنة (إذ سجل معدل الإنتاج حوالى 18.1 مليون برميل يومياً عام 2013، وحوالى 19.6 مليون عام 2014، ومن المتوقع ارتفاعه إلى حوالى 20.7 مليون في 2015)، في وقت استقر إنتاج «أوبك» (حوالى 30.9 مليون برميل يومياً في 2013، و30.4 مليون في 2014 وتوقع إنتاج حوالى 30.5 مليون في 2015).
من غير المجدي أن تخفض الدول الخليجية وحدها معدلات إنتاجها، من دون مساهمة بقية أقطار «أوبك» أو مشاركة منتجي النفط الصخري. ومن المحتمل التوصل إلى قرار ولو غامض ضمن «أوبك»، كما حصل في الماضي، حيث تختلف نسب الخفض من دولة إلى أخرى، مع التفاهم على سقف إنتاجي غامض للمنظمة. وتدل التجارب على إمكان التوصل إلى تسويات ضمن المنظمة. لكن الصعوبة تكمن في التفاهم مع الدول المنتجة خارج المنظمة. فالتحدي الأكبر من هذه المجموعة يأتي من الشركات الخاصة المنتجة للنفط الصخري في أميركا الشمالية. ومن الصعب أن تشارك، خصوصاً في الولايات المتحدة، «أوبك» في قرارات للحد من الإنتاج. فهذا الأمر يؤثر في وضعها القانوني، ناهيك عن اقتصادات برامجها ومشاريعها. وهنا تكمن الأزمة الحالية. فكيف يمكن المنظمة ومنتجي النفط الصخري التفاوض على مستويات إنتاج، في ظل انحسار الأسواق. وما هو الحد الأدنى الذي يمكن الطرفين تحمله؟
استطاعت أقطار المنظمة في الماضي الاتفاق لخفض الإنتاج، على رغم خلافاتها. لكنْ، من الصعب جداً إقناع شركات النفط الصخري بالتعاون، نظراً إلى طبيعة مؤسساتها الخاصة وظروف صناعتها التي تتطلب مزيداً من الحفر والنفقات نظراً إلى استنفاد الطاقة الإنتاجية للنفط الصخري بسرعة، ما يتطلب كثيراً من التكاليف. لذا، يصبح من غير المجدي للدول الخليجية تحمل هذه المسؤولية وحدها لأنها ستواجه صعوبات جمة في تحقيق استقرار الأسعار. فكل ما سيحصل في وضع كهذا هو خسارة الأسواق لمصلحة مصدرين آخرين، من دون تعديل مستوى الأسعار.
هل الحرب السعرية هي مخطط لضرب الاقتصادين الإيراني والروسي، أم محاولة من دول الخليج لوضع حد لنمو النفط الصخري في أميركا الشمالية؟ تباينت الآراء حول هذا الأمر. فقد تبنى الكاتب المعروف توماس فريدمان في صحيفة «نيويورك تايمز» تصاعد ما سماه «حرب النفط» التي تشنها المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة ضد روسيا وإيران، «وإنهما ستتمكنان قريباً من إغراق بوتين وخامنئي في خضم أزمة النفط». أما خبير الطاقة الأميركي روبرت ماكنالي الذي خدم في البيت الأبيض مساعداً خاصاً للرئيس في مجلس الاقتصاد الوطني، ثم عين عام 2003 مسؤولاً عن الطاقة الدولية في مجلس الأمن القومي، فيرى أن حرب الأسعار هي محاولة من دول الخليج لوضع حد لمنافسة النفط الصخري لأن الأسعار المنخفضة ستضغط على اقتصادات صناعته.