Site icon IMLebanon

مصر: أسعار العقارات‏..‏ تدخل دائرة الخطر

Ahram

عماد غنيم

في مايو2007 ابتدع المهندس أحمد المغربي وزير الإسكان الأسبق بدعة جديدة بطرحه قطعا من الاراضي مختلفة المساحات في مزايدات بين الافراد والشركات أسفرت عن زيادة هائلة في الأسعار تجاوزت4 آلاف جنيه للمتر في بعض المناطق. وبسبب هذه المزايدات قفزت اسعار الاراضي بمختلف المناطق الي حدود غير مسبوقة، وكان لسان الحال انه اذا كانت الحكومة تبيع بهذه الاسعار فمن حق الافراد مجاراة الدولة في اسعارها بل وتجاوزها

يومها كتبنا نحذر من مخاطر المزايدات، وتساءلنا: هل تضارب الحكومة؟ فرد علينا الوزير قائلا ان هذه الأموال تمثل موردا للدولة ستعيد إنفاقه في إنشاء مشروعات لاسكان الشباب. (اسكان المستقبل – المشروع القومي للاسكان – ابني بيتك). وكلنا نعلم الفشل الذريع الذي اصاب هذه المشروعات، ولم يتبق من اثر هذه السياسة سوي وصول اسعار العقارات الي مستويات لم تكن تبلغها لو حافظت الدولة علي دورها كضابط لايقاع السوق من خلال ماتمتلكه من اراض في انحاء البلاد.

بعد ذلك قامت ثورتان وتقلب علي وزارة الاسكان عدد من الوزراء غيروا في اشياء كثيرة منها مشاريع الاسكان الفاشلة، الا انهم ابقوا علي سياسات التسعير المبالغ فيه لاراضي الدولة، ظلت كما هي، علي اعتبار انها تمثل موردا ماليا مهما لهيئة المجتمعات العمرانية، أي للدولة.

والآن يعلن وزير الاسكان انه بصدد طرح اراض جديدة تصل اجمالي قيمتها الي50 مليار جنيه، ولنا ان تصور الي اين ستصل الاسعار وفقا لهذا الرقم’ الطموح’، وماهو تأثير ذلك علي اسعار الشقق نفسها لاسيما الاسكان المتوسط والمخصص لمحدودي الدخل.

اسكان الشباب الذي كان يطرح قبل4 سنوات باسعار تتراوح بين100 و150 الف جنيه للوحدة وصل الآن الي نصف مليون جنيه’ طبقا لاسعار وزارة الاسكان نفسها’ مما خلق صعوبات حتي لدي المؤسسات القائمة علي تمويل شراء هذه الوحدات للناس.

العذر دائما موجود وهو التضخم وارتفاع تكلفة المرافق والبناء من عمالة وخامات وهذا صحيح، ولكنه تبرير ناقص فالزيادة في اسعار الاراضي تمثل عنصرا مهما في الارتفاع العام للاسعار سواء للاسكان الحكومي او الخاص بأنواعه.

في التحقيق الذي ستراه علي صفحات هذا العدد ستجد من يقول ان العقارات في بلادنا اصبحت مخزنا للقيمة يفوق في ربحه الذهب والاسهم وغيره من الاصول، ولهذا نشأ طلب اضافي علي العقارات للحفاظ علي قيمة الاموال وليزاحم اصحاب الحاجة الحقيقية في الحصول علي سكن من الشباب وغير الشباب الذين يحتاجون للمأوي.

واذا كانت المضاربات تشكل جزءا مهما من اسباب الارتفاع المتوالي في الأسعار، فمن واجب الحكومة ان تبحث عن معالجات للقضاء علي هذه المضاربات بما تملكه من سلطة سن قوانين وقواعد تنظيمية، وبما تملكه ايضا من اراض شاسعة تناور بها في السوق لضبط ايقاعه وإطفاء نار الاسعار، الا ان ما نراه لايخدم هذا الهدف الاقتصادي والاجتماعي في آن واحد، وكل الخوف ان تستمر هذه العشوائية في اسواق العقارات الي درجة تجد فيها معظم شرائح المصريين نفسها غير معنية بالسوق ومايجري فيه لأن قدراتها علي التمويل والسداد تقصر عن مجاراة الاسعار المتصاعدة. وهذا خطر اقتصادي فضلا عن مخاطره الاجتماعية والسياسية ايضا.

اقتصاديا، لا احد يجادل في اهمية قطاع العقارات كواحد من اهم محركات النمو، ولكن الحديث عن جمع50 مليار جنيه من بيع قطع اراض جديدة يفتح الباب لسلسلة من الأسئلة المشروعة، من بينها اذا كانت هذه قيمة الاراضي فقط، فما هي جملة الانفاق علي الاستثمارات العقارية التي ستتم فوق هذه الاراضي والتي يمكن ان تتجاوز التريليون جنيه، ومن الذي سيقوم بها ومن سيشارك في التمويل، ومن اين، والأهم علي الاطلاق ما هو تأثير سحب هذه الاموال من سوق التمويل المحلي علي بقية القطاعات الاقتصادية الاخري صناعية وزراعية وخدمية وغيرها.

المسألة تحتاج الي دراسة ومراجعة مخلصة تتناول الجوانب الاقتصادية والاجتماعية للتطورات في سوق العقارات قبل ان ينفلت زمامها تماما وتصبح عبئا علي الاقتصاد بدلا من كونها محركا له. فليس بالعقارات وحدها تعيش الدول!.