ربما يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد نجح في تحدي الغرب والظهور بمظهر القوة عندما واجه الولايات المتحدة وأوروبا في مسألة الأزمة الأوكرانية مما رفع شعبيته. لكن الذي فشل فيه بصورة باتت شبه مؤكدة هو منع العملة المحلية، الروبل، من مواصلة الهبوط الحاد مما أدي إلي ارتفاع حصيلة ضحايا سياساته، حتي إن بعض التقارير الغربية قد اتهمته بعدم الاكتراث بمعاناة المواطن الروسي العادي جراء التراجع الاقتصادي الحالي.
فهل تكون الانخفاضات الأخيرة في العملة بداية لسقوط الروبل وبوتن إلي الهاوية أم ستظهر قوة جديدة له في مواجهة الصعوبات الاقتصادية الناشئة؟
وسط تزايد التوترات الدولية بشأن أزمة اوكرانيا والعقوبات الغربية علي موسكو استمر تدهور سعر صرف العملة الروسية ( الروبل) مقابل سلة عملات الدولار واليورو الي أن وصل إلي أدني مستوي له، فالروبل فقد20% من قيمته منذ يناير الماضي وحاليا’ عند أقل مستوي أمام الدولار منذ عام1998 عندما تعثرت روسيا عن سداد ديونها، وخلال العام الحالي سجل أسوأ أداء بين العملات الرئيسية بإستثناء البيزو الأرجنتيني.
فبين يوليو وسبتمبر فقط تراجع الروبل14.9% – أي بوتيرة أسرع مما عانت منه روسيا خلال الأزمة المالية لعام2008.
وقد تجاوز سعر صرف العملة الأوروبية (اليورو) 51.20 روبل، وهو رقم قياسي يعود إلي مارس أثناء ضم شبه جزيرة القرم إلي روسيا، ثم ارتفع إلي حدود 51.258 روبل وهو مستوي غير مسبوق.
بل ومن المتوقع مزيد من الهبوط علي الرغم من تدخل البنك المركزي الروسي الذي انفق خلال بضعة أيام فقط 1.75 مليار دولار لمساندة العملة. وقبيل ذلك، رفضت رئيسة البنك المركزي الروسي الفيرا نابيولينا فكرة تحديد معدل صرف ثابت للروبل من قبل المؤسسة المالية التي أنفقت برأيها ستة مليارات دولار في غضون عشرة أيام للدفاع عن الروبل.ولا تزال العملة الروسية تعاني من ضغوط هروب المستثمرين ورءوس الأموال علي اثر استمرار العقوبات الغربية التي بدأت تحول دون النفاذ إلي أسواق رأس المال.
ويخاطر البنك المركزي الروسي بفقدان احتياطياته من النقد الأجنبي – والتي تقدر بأكثر من400 مليار دولار، خلال محاولاته لحماية الروبل من الانهيار، الأمر الذي دفع المحللين إلي الرهان علي قيام البنك برفع سعر الإقراض الرئيسي إلي8.5% خلال الشهر الجاري، مما سيضع قيودا’ علي النمو الاقتصادي الذي بدأ بالفعل يتباطأ في الوقت نفسه، انخفاض الروبل ترك وراءه ضحايا كثيرين، وهم:
– المستهلكون الروس. فمع هبوط الروبل أرتفع معدل التضخم إلي8%، وخلال شهر سبتمبر ارتفعت أسعار السلع الغذائية بنسبة11.4% علي أساس سنوي، وذلك وفقا’ للإحصائيات الرسمية. ومبيعات السلع المستوردة مثل الحاسبات المحمولة انهارت كما امتنع الناس عن شراء السيارات وغيرها من السلع الغالية.
– البنوك والشركات الروسية. فتراجع الروبل ضرب ميزانياتها العمومية، والتي تشمل 54.7 مليار دولار أقساط الديون الخارجية المستحقة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة أو كما يقدرها بنك مورجان ستانلي بحوالي47 مليار دولار، مقابل 26 مليار دولار كانت مستحقة علي البنوك والشركات الصناعية في الربع الثالث. ويري خبير اقتصادي من كابيتال إيكونوميكس للأبحاث الاقتصادية في لندن، انه من الممكن أن تلجأ بعض الشركات الخاصة لطلب مساعدة الحكومة في تسديد التزاماتها الخارجية خاصة وأن باب أسواق رأس المال العالمية قد أغلق أمامها بسبب العقوبات الغربية.
– الشركات الصناعية الأجنبية في روسيا. فانخفاض الروبل رفع تكلفة الواردات بالنسبة للشركات الأجنبية مما أدي إلي ارتفاع أسعار السلع والذي يؤدي بدوره إلي انخفاض المبيعات، كما أن الروبل الضعيف يخفض قيمة الأرباح التي تعيدها تلك الشركات إلي بلدانها الأصلية.
– أصحاب الفنادق في تركيا ومصر. وذلك بسبب انخفاض السياحة الروسية وعدم قدرة الكثيرين علي تحمل نفقات السفر إلي الخارج. وعلي سبيل المثال واحدة من الشركات التي تقدم رحلات سياحية إلي وجهات مثل أنطاليا، تركيا وشرم الشيخ خفضت رحلاتها بنسبة30 في المائة.
× من ناحية أخري، أحد المكاسب المحتملة لانخفاض قيمة العملة هو أنه يقلل من تكلفة الإنتاج المحلي، مما يجعل المصنعين المحليين أكثر قدرة علي المنافسة. وتزعم الحكومة الروسية بأن هذا ما يحدث، مع زيادة النشاط في قطاعات مثل الصناعات الغذائية والصناعات المعدنية. لكن المشكلة في هذا السيناريو أن القاعدة الصناعية الروسية قد أهملت لسنوات في ظل اعتماد الاقتصاد بشكل أساسي علي صادرات النفط والغاز وسلع أخري. ومن ثم لا يمكن زيادة الإنتاج الصناعي كثيرا’ دون استثمارات رأس مالية كبيرة. وإذا كان من المتوقع هروب رءوس أموال بحوالي120 مليار دولار من روسيا هذا العام فإن فرص الحصول علي تلك الاستثمارات تبدو ضئيلة.
ويقول محللون إن حرق الروبل في الأسواق لا يدعمه. الآفاق المتشائمة، ارتفاع التضخم، انخفاض أسعار النفط، والعقوبات الغربية بسبب أزمة أوكرانيا، كلها تمثل ضغوطا تدفع المستثمرين إلي بيع الروبل في الأسواق علي أثر تلك المخاطر.
علي صعيد آخر، يشير البعض إلي استفادة الحكومة الروسية من هبوط الروبل فمسألة العملة هذه تعكس الهيكل الاقتصادي للبلاد والذي يسمح لبوتن بالاحتفاظ بشعبيته بالرغم من انخفاضها. فتراجع الروبل يعطي الصادرات الروسية ميزة تنافسية في الأسواق مما يزيد أرباح المصدرين وكذلك الضرائب التي يدفعونها والتي تمثل مصدر دخل رئيسيا للحكومة.
ويري تقرير لمجلة بيزنس ويك أن التضخم هو ثمن يدفعه المواطنون العاديون مقابل الصعود الروسي علي المستوي الدولي. وان الضغوط علي الروبل تشمل الطلب علي النقد الأجنبي لسداد خدمة الدين المستحقة خلال الربع الأخير هذا العام.
ونظرا’ لصعوبة حصول الشركات الروسية علي تمويل من أسواق الولايات المتحدة وأوروبا لم يتبق غير البنك المركزي كمصدر للتمويل. ومن ثم تقلصت احتياطيات النقد الأجنبي خلال أسبوع واحد فقط من 457 مليار دولار إلي 457، لا تزال كبيرة بما يكفي لتغطية احتياجات المدينين لفترة طويلة قادمة.
والسبب الآخر لتراجع الروبل هو تراجع أسعار النفط. بعدما بلغت التدفقات النقدية الخارجة من روسيا 48.8 مليار دولار في الربع الأول بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، ثم تراجعت إلي 25.8 مليار دولار في الربع الثاني وعاد سعر صرف الروبل إلي علاقته الطبيعية بأسعار النفط.
وقد شكلت صادرات النفط والغاز52.9% من العائدات المالية الروسية بين يناير وابريل من هذا العام. ومن ثم فإن سعر النفط، وليس العقوبات، هو الذي سيحدد مصير الروبل بحسب بعض المحللين. وبحسب محللين فإن انخفاض أسعار النفط هو عامل الضغط الرئيسي علي الروبل فخلال الشهر الماضي تضاعف تأثير الأزمة الأوكرانية بسبب هبوط أسعار الخام وتراجع المناخ الاستثماري بعد اعتقال الملياردير الروسي فلاديمير افتوشنكوف.
فعلي خلفية قوة الدولار ووفرة المعروض العالمي، انخفض خام برنت 5 في المائة قبل أسبوعين وهو أكبر انخفاض منذ ابريل عام2013، وقد تدني سعر البرميل ليدور حول90 دولارا، بعد أن كان فوق103 دولارات في أوائل سبتمبر. والمؤشرات علي اتجاه النفط لأقل مستوي في4 أعوام.
وبحسب محللين في شركة ‘يو اف اس’ للاستثمار فإن التهديد بفرض عقوبات جديدة ضد روسيا يفرض مزيدا من الضغوط علي الروبل’. وهناك عامل المضاربة الذي يهيمن علي السوق أيضا’
كان انخفاض العملة الروسية قد تسارع في النصف الثاني من هذا العام، وبحسب توقعات المحللين، من غير المحتمل ارتفاع أسعار النفط في المستقبل القريب أو توقف القتال في شرق أوكرانيا.