ما كان تكهنا أوشك أن يصبح حقيقة. فمصر التي صدرت الغاز لإسرائيل بثمن بخس قبل سنوات تسعى الآن لاستيراده منها، لكن بالسعر العالمي. فقد نقلت صحف مصرية وعبرية أن مشغلي حقل “تامار” الإسرائيلي وقعوا عرضا لتصدير الغاز إلى مصر. وينص العرض -وفق صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية- على تصدير 2.5 مليار متر مكعب من الغاز سنويا لصالح شركة “دولفينوس هولدينجز ليميتد” بدءًا من عام 2015.
خطاب نوايا
ووفق تقارير صحفية مصرية، فإن “تحالفا غير حكومي يقوده رجل أعمال مصري يدعى علاء عرفة وقَّع خطاب نوايا لبدء التفاوض حول اتفاق لتوريد الغاز الطبيعي من حقل “تامار” عبر أنبوب الغاز الموجود، على أن تتولى شركة “إيست ميديترينيان غاز ليميتد” تشغيله بهدف تسويقه في مصر. وهذا ما أكده عرفة لصحف مصرية بقوله “إنه تم توقيع خطاب نوايا مع مجموعة الشركات العاملة بحقل تامار الإسرائيلى لاستيراد الغاز”.
وأضاف عرفة أن “المفاوضات لا تزال في مراحلها الأولية، ونحن في انتظار رد وزارة البترول، والاستيراد من إسرائيل يصب في مصلحة الاقتصاد القومي، لا سيما من حيث التكلفة”.
وأصدر تحالف حقل غاز تمار الإسرائيلي -الذي تقوده شركة نوبل إنرجي الأميركية، ومجموعة ديليك الإسرائيلية- بيانا أعلن فيه توقيع “خطاب نوايا” مع شركة دولفينوس القابضة لبيع ما لا يقل عن خمسة مليارات متر مكعب من الغاز، على مدى ثلاثة أعوام إلى عملاء من القطاع الخاص في مصر عبر خط أنابيب أنشئ في الأصل لنقل الغاز إلى إسرائيل.
وفي محاولة من الحكومة المصرية للنأي بنفسها عن الصفقة التي قد تثير سخطا وتساؤلات لدى قطاعات من المصريين، أصدرت وزارة البترول بيانا قالت فيه إن موقف الوزارة من هذه الصفقات “ثابت وواضح، وهو أنه لن تكون هناك أي اتفاقيات بين أطراف إلا بموافقة السلطات المصرية المختصة، وبما يحقق المصلحة القومية لمصر وتحقيق قيمة مضافة مرتفعة للاقتصاد المصري، وأن يأتي الاتفاق بحلول لقضايا التحكيم التجارية المعلقة”. وأكدت الوزارة أنه لم تصلها أي خطابات رسمية بهذا الشأن.
تخوف وتساؤلات
الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب عبّر عن تخوفه بشأن استيراد الغاز الإسرائيلي وطرح جملة من الأسئلة قائلا إن إنتاج مصر من الغاز انخفض بنسبة 14.5% ليصل إلى 3048 ألف طن في أغسطس/آب 2014، وفق إحصائيات رسمية.
وأضاف أن الإحصائيات نفسها تقول إن الاستهلاك انخفض بنسبة 11% ليصل إلى 2994 ألف طن خلال الشهر نفسه، كما صدرت مصر خلال أغسطس/آب نحو 26 ألف طن من الغاز في أغسطس/آب 2014، مما يعني أن مصر لديها فائض لتصديره حتى وإن كان ضئيلا، “فلماذا نستورد الغاز إذن؟”
وتابع حديثه “هل هناك تخوف من نقص في الكميات مستقبلا؟ وإذا كان الأمر كذلك فما حقيقة الاكتشافات الجديدة؟” مشيرا إلى أن الدراسات تؤكد امتلاك مصر مخزونا كبيرا من الغاز.
وأبدى تخوفه من أن يكون الغاز الذي تم الاتفاق على استيراده هو نفسه الغاز المصري الذي تم تصديره لإسرائيل بأسعار زهيدة، مستدلا على ذلك بموافقة رجل الأعمال الهارب حسين سالم والإسرائيليين على ضخه عبر أنابيبهم”.
وعن الأسعار التي ستستورد بها مصر الغاز، قال عبد المطلب “من غير الوارد عقد صفقة بنفس فساد صفقة تصدير الغاز المصري إلى إسرائيل”، مضيفا أن الأسعار العالمية ستكون المحدد الأساسي للسعر.
ورغم هذه التخوفات، أوضح الخبير الاقتصادي أن البعض يرى في استخدام خط الأنابيب الموجود فعلا ميزة كبيرة لأنه لن يحتاج إلى إنشاءات أو تكاليف جديدة، كما أنه يمكن البدء في نقل الغاز بشكل سريع بما يسهم في حل كثير من المشاكل المتعلقة بالغاز.
تأييد
في المقابل، عبر نائب رئيس الهيئة العامة للبترول السابق المهندس مدحت يوسف عن تأييده استيراد الغاز من إسرائيل، رغم معارضته الشديدة له عام 2012 بدعوى أنه سيضر بصناعات مصرية في مقدمتها صناعة الإسمنت.
وفي ندوة بنقابة الصحفيين المصريين قبل أيام، قال يوسف “ليست هناك مشكلة في استيراد الغاز من إسرائيل ما دام سيوفر ذلك الكثير من الأموال لمصر وسيكون أرخص من الأسعار العالمية التي تستورد مصر الغاز بها”.
وتجدر الإشارة إلى أن الحكومة المصرية وقعت اتفاقية عام 2005 تقضي بتصدير 1.7 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا لإسرائيل لمدة عشرين عاما، بثمن يتراوح بين سبعين سنتا و1.5 دولار للمليون وحدة حرارية، بينما يصل سعر التكلفة 2.65 دولار، كما حصلت شركة الغاز الإسرائيلية على إعفاء ضريبي من الحكومة المصرية لمدة ثلاث سنوات من عام 2005 إلى عام 2008.
وقد حكمت محكمة القضاء الإداري المصرية بوقف قرار الحكومة بتصدير الغاز الطبيعي إلى إسرائيل، إلا أن الحكومة المصرية قدمت طعنًا لإلغاء الحكم للمحكمة الإدارية العليا التي قضت بإلغاء حكم المحكمة الإدارية.