يبدو أن التوجهات الاقتصادية، على المدى المنظور، ستتركز على تشجيع النمو الاقتصادي وتحفيزه، عن طريق التسليفات في الدرجة الأولى، بسبب تضرر مختلف القطاعات وتراجع القسم الأكبر من المؤشرات، لا سيما مثلث النمو الاقتصادي، المتمثل بتراجع الصادرات الصناعية والزراعية بأكثر من 29 في المئة. وتراجع النشاط السياحي والتجاري بأكثر من 24 في المئة، كذلك تراجع حركة الرساميل والاستثمارات بشكل كبير خلال السنتين الأخيرتين .
اما المالية العامة فوضعها لن يكون أفضل خلال الفترة المقبلة، مع استعداد وزارة المالية لتكوين اصدارات لسندات «اليورو بوند « بقيمة 450 مليون دولار، لما تبقى من العام 2014، والتحضير لاصدار سندات أخرى بقيمة حوالي 4.6 مليارات دولار لتغطية مستحقات العام 2015، بانتظار إصدار قانون في المجلس النيابي في هذا الصدد .
أما العبء الأكبر على المالية العامة فهو في تزايد المستحقات الداخلية التي تنذر بمزيد من تراجع التقديمات الصحية من جهة، وتوقف مشاريع البنى التحتية المتردية أصلاً .
استحقاقات متراكمة على الدولة
تكفي الإشارة في هذا المجال إلى استحقاقات الهيئات الصحية والإعمارية الداخلية، للتوقف عند هموم المالية العامة، مضافاً إلى ذلك عجز الموازنة المقدر للعام 2014 ومن بعده العام 2015 بحوالي 7700 مليار ليرة سنوياً، وهذه تشكل حوالي 34.5 في المئة، وهي الأعلى منذ سنوات. والصعوبة أن هذا العجز الكبير يترافق مع نمو الدين العام بعشرة أضعاف النمو الاقتصادي (الدين العام زاد 9.3 في المئة و10.3 في المئة للعام الماضي، مقابل نمو للاقتصاد بحوالي 1.4 في المئة في النظرة المتفائلة ) . هذا من دون التوقف عند انعكاسات الأزمات في المنطقة، وفي أوروبا والدول المانحة التي لن تستطيع مساعدة لبنان في هذه المرحلة الصعبة التي تمر بها موازنات هذه الدول. الدليل هنا أن لبنان يصرخ لتحسين المساعدات لمواجهة النزوح السوري وتردي البنى التحتية من دون أن يلقى أية أذن صاغية تستجيب لتحسين المساعدات .
تكفي الإشارة والتذكير بالمستحقات الداخلية على الخزينة، والتي تفكر وزارة المالية باصدار سندات خزينة منذ فترات طويلة لتغطيتها، هذا من دون الإشارة إلى مستحقات ما تبقى من الاستملاكات والنمو الملحوظ في عجز مؤسسة الكهرباء التي تشكو من عجز دائم، وهي موزعة اليوم كآلاتي:
– المستحقات للمستشفيات على الدولة من تعاونية الموظفين إلى الأجهزة الأمنية ووزارة الصحة تقدر بحوالي 1300 مليار ليرة.
– 300 مليار ليرة ديون المتعهدين ومقاولي الأشغال الذين ابلغوا رئيس الحكومة تمام سلام انهم سيتوقفون عن متابعة تنفيذ المشاريع .
– أما ديون الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على الدولة التي كانت تقسط سنوياً عبر الموازنات بواقع 280 مليار ليرة سنوياً فهي فاقت حتى اليوم حوالي 1008 مليارات دولار .
وما يؤشر على محاولات وزارة المالية لمعالجة الوضع المالي لشراء الوقت والحد من الانعكاسات السريعة، قيام وزارة المالية بالبحث في اصدار سندات خزينة بالليرة لآجال طويلة، قد يطرح قسم منها للجمهور، مع العلم أن تجربة توزع اكتتابات سندات الخزينة للجمهور لم تظهر حسب التجارب السابقة نتائج مشجعة، بدليل أن نسبة ما يحمله الجمهور حالياً ما زالت قليلة ولا تشكل أكثر من 4 في المئة من كل سندات الخزينة بالليرة البالغة حوالي 59178 مليار ليرة.
يسعى مصرف لبنان، من خلال الحوافز الجديدة، الى تخصيص حوالي المليار دولار للتسليف إلى القطاعات الاقتصادية والفردية، في محاولة جديدة لتحريك النمو الاقتصادي عن طريق التسليف المدعوم الفوائد خلال العام 2015، بعدما كانت محاولات العامين الماضيين 2013 و2014 ناجحة في تحريك الاسواق وكسر حدة الجمود، نتيجة تراجع معظم المؤشرات الاقتصادية والانتاجية والعودة إلى النمو الكبير في عجز الخزينة والموازنة من جهة، وتراجع حركة الاستثمارات والمشاريع الجدية العربية منها وحتى اللبنانية، بفعل الفراغ الداخلي السياسي والوضع الأمني. يضاف اليها تطورات المنطقة التي تنعكس مباشرة على مناخ الاستثمار في غياب الاستقرار، من جهة وتعطيل المؤسسات الرسمية من حكومة إلى المجلس النيابي إلى تأخير انتخاب رئيس الجمهورية .
مع الإشارة إلى ان التسليفات المصرفية إلى القطاعات الاقتصادية بلغت خلال ثمانية أشهر حوالي 49.7 مليار دولار، بزيادة حوالي 4.1 مليارات دولار على المعدل السنوي. في حين بلغت تسليفات القطاع المصرفي للدولة، إي للقطاع العام، حوالي 38.1 مليار دولار، بزيادة حوالي 4.9 مليارات دولار على اساس سنوي، بما نسبته حوالي 15 في المئة على المستوى السنوي، منذ بداية العام 2014 وحتى نهاية الفترة. مع الاشارة إلى أن التسليفات للقطاع الخاص زادت حوالي 5 في المئة خلال ثمانية أشهر . وشكلت الزيادة في هذه التسليفات ما قيمته حوالي 2359 مليون دولار بزيادة 240 مليون دولار عن الفترة ذاتها من العام 2013.
تبقى إشارة إلى أن مجموع المستفيدين من التسليفات المصرفية المدعومة وغير المدعومة بلغ حوالي 693122 موزعين على مختلف القطاعات والافراد. مع الإشارة أيضاً إلى أن القروض الفردية قفزت لتشكل حوالي 529633 مقترضا بما نسبته حوالي 28.5 في المئة من القيمة وحوالي 76.4 في المئة من اجمالي المستفيدين .
توزيع التسليفات على القطاعات
توزعت التسليفات على القطاعات الإقتصادية في نهاية شهر تموز 2014 على الشكل الآتي:
1 ـ قطاع التجارة و الخدمات 34.80 في المئة موزعة على 12.71 في المئة من الزبائن.
2 ـ المقاولات والبناء 16.35 في المئة موزعة على 1.70 في المئة من الزبائن.
3 ـ قطاع الأفراد 28.65 في المئة موزعة على 76.44 في المئة من الزبائن.
4 ـ الصناعة 10.82 في المئة موزعة على 3.42 في المئة من الزبائن.
5 ـ القطاعات المختلفة 2.72 في المئة موزعة على 4.10 في المئة من الزبائن.
6 ـ قطاع الوساطة المالية 5.53 في المئة موزعة على 0.71 في المئة من الزبائن.
7 ـ قطاع الزراعة 1.13 في المئة موزعة على 0.93 في المئة من الزبائن.
هذا و قد استحوذت منطقة بيروت وضواحيها على نسبة 77.21 في المئة من إجمالي القروض الممنوحة للقطاع الخاص، تليها منطقة جبل لبنان 10.29في المئة، ثم منطقة لبنان الجنوبي 4.02 في المئة والشمال 3.87 في المئة والبقاع 3.14 في المئة، وأخيرا» غير المقيمين 1.46 في المئة. علماً أن عدد الزبائن في منطقة بيروت يشكلون نسبة 57.03 في المئة من إجمالي عدد الزبائن المدينين في القطاع المصرفي.
تبقى إشارة أخيرة الى أن مصرف لبنان يقوم احياناً بتمويل احتياجات الدولة بمعاونة القطاع المصرفي الذي زادت ودائعه لدى مصرف لبنان منذ بداية العام حوالي 5.8 مليارات دولار بينما لم تزد الودائع في القطاع المصرفي أكثر من 5.2 مليارات دولار، وهذا يعني أن ودائع المصارف فاقت نمو ودائع القطاع المصرفي، علما أن محفظة المصارف الخارجية بالعملات على الدولة اللبنانية انخفضت حوالي 480 مليون دولار في ثمانية أشهر، بما يعني أن المصارف تستحضر بعض ودائعها للإفادة من توظيفها في الداخل. كما يعني ذلك ان هناك صعوبة في انجاح الاصدارات الجديدة عندما تتراجع محفظة المصارف بالعملات لدى الدولة.