سمير صبح
يلاحظ مراقب مسار التحضيرات للانتخابات التشريعية التونسية التي أجريت أول من أمس، ومشاركة عشرات الأحزاب وآلاف المرشحين، ومواكبة الإعلام الخاص والعام يومياً منذ أكثر من شهر على مدار الساعة في شكل يشبه الحملات الإعلانية المدفوعة، غياب التشخيص الفعلي لدى غالبية المرشحين لوضع اقتصاد البلاد المنهك والاكتفاء بالقول إنهم سيولون تحسين مستوى المعيشة الأهمية المطلوبة من دون الدخول في التفاصيل والأرقام وكيفية إخراج غالبية مؤشرات الاقتصاد الكلي من الخطوط الحمر. ويتبارى المرشحون على إعطاء دروس للعالم العربي في الديموقراطية والحوكمة الرشيدة وكيفية إدارة شؤون شعوبه، لكنهم في الواقع يدخلون في مزايدات في ما بينهم فيحمّلون الذين حكموا بعد التغيير المسؤولية متناسين أن اقتصاد تونس لن يُصحَّح بالانتقادات وتصفية الحسابات.
والوحيد الذي تجرأ وقال الحقيقة في هذا المجال هو رئيس الوزراء السابق رئيس «حزب نداء تونس» المرشح الرئاسي الباجي قائد السبسي الذي صارح الشعب علناً بخطورة الوضع الاقتصادي على مستقبل البلد كونه يحتاج إلى 150 بليون دينار (83 بليون دولار) للخروج من عنق الزجاجة واستعادة ثقة المستثمرين المحليين والأجانب على السواء. وإذا لم يأخذ الفائزون في الانتخابات هذه الحقيقة المرة في الحسبان، ويعملوا على أساسها ويضعوها نصب أعينهم عند تسلمهم السلطة، فستبقى تونس على حالها السيئ سواء أجريت الانتخابات في شكل ديموقراطي شفاف أم لا.
المقلق في الموضوع هو دخول رجال الأعمال الكبار على خط الانتخابات عبر الترشح تحت رايات الأحزاب من دون أي هدف أحياناً كثيرة سوى الوصول إلى البرلمان ومن دون اهتمام بالوضع الاقتصادي والاجتماعي. هذا ما أكدته جميع مداخلاتهم عبر وسائل إعلام يملكونها أو يملكون حصصاً كبيرة فيها. من هنا يأتي التخوف على مستقبل تونس السياسي والاقتصادي والاجتماعي. وتُضاف إلى ذلك الاتهامات بارتباط بعض من هؤلاء بمصالح خارجية، ولجوء بعضهم إلى شراء الأصوات مستفيدين من حاجة معيشية ملحة لدى بعض الناخبين نتيجة الفقر والبطالة، خصوصاً في القرى النائية.
أمام هذا المشهد المعقد بعد الانتخابات التشريعية وقبل الرئاسية يقف اقتصاد تونس وماليته أمام مفترق طرق، لذا فعلى من سيصل إلى السلطة أن يعطي هذا الجانب الأولوية عبر التوجه بصدق إلى الدول العربية الشقيقة التي لطالما وقفت إلى جانب تونس في أزماتها المتتالية في السابق وفي طليعتها دول الخليج، ناهيك عن الدول العربية المجاورة، لأن هذه البلدان هي الوحيدة القادرة على إخراج تونس من كبوتها عبر المساعدات والاستثمارات. ولا يُنصَح بالاقتراض من الأسواق والمؤسسات المالية العالمية التي تفرض على الدول المقترضة شروطاً ليست تونس قادرة على تلبيتها في وضعها القائم.
ويجب أيضاً الإقرار بأن الاتحاد الأوروبي الشريك والزبون الأول لتونس على مدى العقود الماضية ليس في وضع يسمح له القيام بعملية الإنقاذ هذه وهو يتخبط بالديون الثقيلة لبعض دوله، فيما التباطؤ الاقتصادي على حاله ومعدلات النمو تتراجع في شكل مستمر.
ولن تتحمل المرحلة المقبلة خطوات تمر عبر سياسات تجريبية كما حصل منذ التغيير من خلال تكليف موظفين بارزين في شركات أو مصارف أجنبية أو عربية، على رغم كفاءتهم، حقائبَ أساسية مثل الاقتصاد والمالية والسياحة والاستثمار، لأن هذه القطاعات تشكل أعمدة النظام التي تتكون منها البلاد ويجب أن تكون بيد قوى سياسية فاعلة. وثمة عوامل ذاتية وموضوعية تجعل تحقيق الأهداف أمراً شبه مستحيل في ظل ترويكا أخرى، فالاقتصاد التونسي عند حافة الهاوية، وفق محافظ البنك المركزي التونسي الشاذلي العياري.