IMLebanon

الجمهوريون يبتعدون كثيرا عن سياسات ريغن الاقتصادية

FinancialTimes
جاري سيلفرمان

أفتقد رونالد ريجان بشكل ما في هذه الأيام. لقد صوتت ضده في الفترتين اللتين ترشح فيهما للرئاسة، لكني وجدت نفسي أنظر بحنين إلى بعض مواقفه الماضية، خاصة فيما يتعلق بموقفه من جدار برلين.

الرئيس رقم 40 للولايات المتحدة ـ الذي مات قبل عقد من الزمن، لم يكن يحب الجدران العازلة كثيراً. وعندما زار مدينة برلين المقسمة في عام 1987، تصرف كم لو أنه يعمل في مهنة الهدم. فقد قال وهو قريب من بوابة براندينبيرج، أثناء إدلائه بتصريحات لام فيها الزعيم السوفياتي في ذلك الحين على الفصل الذي يحدثه ذلك الجدار: “سيد جورباتشوف، مزق هذا الجدار”.

هناك شعور مماثل بالإعياء كان يلقي بظلاله على مفهوم ريجان للبلد المبارك الذي وُلد فيه. فقد شبه الولايات المتحدة بالمدينة المضيئة المقامة على تلة، وهي الملاحظة التي تفترض أنها البلد الذي لا يمكن إخفاء حقيقته الساطعة عن الناظرين.

لم يكن للجدران دور يذكر من جهة نظر ريجان تجاه العالم لأنه كان حالماً أمريكياً، وهي الخاصية التي اكتشفها فيه كل من اليمين واليسار. شاهد ريجان الشيء نفسه في المسار المعلق في السماء الذي ليس له نهاية، والذي وصفه وودي جوثري في كتابه الذي حمل عنوان “هذه الأرض هي أرضك”. وسواء وافقنا ريجان أو اعترضنا عليه فقد كان ينظر دائماً إلى أعلى وإلى الأمام، أي إلى مستقبل ليست له حدود كثيرة.

ويمكننا الاستفادة من أخذ جرعة الآن من تلك النوعية من الاتجاه المحافظ. لا تبعد الولايات المتحدة حاليا سوى أيام قليلة عن الانتخابات النصفية التي ستحدد من سيسيطر على الكونجرس المقبل. وإذا وُجد شيء أكيد يمكن قوله عن خلفاء ريجان في اليمين، فهو التأكيد أنهم من النوع الذي يهرب بعيداً من التفاؤل البهيج الذي كان علامة له.

الجمهوريون مثلهم مثل غيرهم لديهم أسباب لعدم الارتياح. فهناك أشياء سيئة تحدث في أنحاء العالم تراوح من صعود “داعش” في سورية والعراق إلى انتشار فيروس إيبولا في إفريقيا. ولو وضعنا جانباً حقيقة أن مؤشر ستاندارد آند بورز 500 ارتفع إلى أكثر من الضعف في ظل إدارة باراك أوباما، فمن السهل أيضاد إيجاد أخطاء في أداء الرئيس.

لكن الكآبة في اليمين لا تتوقف، وهي أيضاً مخالفة لطبعهم. وحتى مع وجود قلق من “إمبراطورية الشيطان” ورئيس مجلس النواب المشاكس، إلا أن ريجان كان يرى دوماً الصبح في أمريكا. وأصبحت السلالة الجديدة من الجمهوريين تعيش فقط في الظلمة، ونتيجة لذلك أصبح حزبهم العظيم القديم شبيهاً بحزب السور العظيم ـ المعروف بالأشياء التي يريد إبقاءها خارج البلاد، أكثر مما يأمل في إنجازه داخلها.

بالمثل، يتضمن برنامج الجمهوريين الحالي تشييد النوع نفسه من الحواجز. ويكافح الجمهوريون في هذه الأيام لإبقاء ملايين الأمريكيين غير مؤمنين وخارج نظام الرعاية الصحية. كذلك يعملون على منع مجموعة السود في البلاد من التصويت ويأملون في منع زواج المثليين.

واهتمامهم بالسياسة الخارجية سلبي أيضا. وفي سياق بعد آخر من سياساتهم الخارجية يدعون في النهاية إلى غلق الحدود لإيقاف الهجرة غير القانونية، وربما منع دخول الجراثيم وحتى إيقاف أولئك الإرهابيين الإسلاميين الفوضويين الذين يفترض أنهم تركوا وراءهم سجاجيد صلاتهم للتسلل إلى الولايات المتحدة من المكسيك.

ووصل تفكير الجمهوريين إلى حد رُهاب الميادين – وهذا يشكل مشكلة في الولايات المتحدة لأن الحزب اعتاد لعب أدوار بناءة وأكثر إلهاماً في حياتنا الوطنية. وشكل بالكاد أعضاء “الحزب العظيم القديم” أكثر الأرواح الحساسة في سماء حياتنا السياسية. وسبق أن ضمت صفوفهم بنائين لإمبراطورية أدوا عملهم بحسن نية، وفعلوا ما هو ضروري لبلادنا لكي تنمو وتجعل الرأسماليين يزدهرون.

نحن ندين بالكثير من بنيتنا التحتية الوطنية إلى الجهود الرائدة التي بذلها رؤساء جمهوريون. مثلا، إبراهام لنكولن وقع قانوناً في ذروة الحرب الأهلية ساعد على بناء سكة حديدية وخط تليجراف يبدأ من نهر ميسوري وينتهي في ولاية كاليفورنيا – وإصدار سندات لأجل 30 عاماً للمساعدة في تمويل المشروع. ودوايت أيزنهاور هو من وضع اسمه على مشروع القانون الذي أعطى الإذن ببناء نظام وطني للطرق السريعة العابرة للولايات. وفي الوقت الذي تولي فيه ريجان منصبه، لم تكن حتى السماء حدوداً للجمهوريين. فقد أراد بناء درع صاروخي في الفضاء.

لا يزال هناك مجال واسع من أعمال تحسين المنزل الداخلي في الولايات المتحدة، لكن ليست هناك سوى قلة قليلة من الجمهوريين الراغبين في تنفيذ مثل هذه الأعمال. هذا الأسبوع ذكرت “نيويورك تايمز” أن ثمة أجندة اقتصادية جمهورية يجري إعدادها الآن للكونجرس المقبل، لا تصل إلى مستوى الإنفاق الكبير على نحو لا يستهان به على البنية التحتية، الذي أوصى به صندوق النقد الدولي الولايات المتحدة في الفترة الأخيرة.

إن الجمهوريين اليوم لا يبنون فعلاً بنية تحتية، بل يغلقونها. والمثال التقليدي على ذلك هو كريس كريستي، الحاكم الجديد لولاية نيوجيرسي، الذي يضع الآن الأساس لإمكانية الترشح عن الجمهوريين في انتخابات الرئاسة عام 2016. فقد صعد نجم هذا الرجل في دوائر الجمهوريين في عام 2012 بعد أن نجح في قتل مشروع لبناء قطار أنفاق جديد تمس الحاجه له بين ولايته وولاية نيويورك. أما أعضاء إدارته فقد وضعوا ملحاً على الجرح، بالمنع الفعلي لمرور السيارات قرب مدخل جسر جورج واشنطن في نيوجيرزي المؤدي إلى نيويورك، في محاولة واضحة منهم لعقاب عمدة محلي جديد.

في هذه البيئة، حتى الديمقراطي الملتزم لا يملك إلا أن يشعر بنوع من الحنين إلى ذلك الحزب القديم الذي كان ينتمي إليه ريجان وأيزنهاور ولنكولن. يحزنني أن أقول ذلك، لكن السياسيين الجمهوريين في هذه الأيام هم الذين يمنعون الشعب الأمريكي من القيام بالشيء نفسه.