IMLebanon

ارتفاع الطلب على سندات «الملاذ الآمن» يعزز من فرضية تباطؤ وتيرة نمو الاقتصاد العالمي

TreasuryInvestments
السيد سليمان
عادةً ما يفضل المستثمرون ضخ أموالهم في الملاذات الآمنة مع أزمات اقتصادية تلوح في الأفق، إذ يرتضي المستثمر بقبول عائد سنوي متدنٍ مقابل التعرض لمخاطر أقل.

وتبرز أسواق السندات الأميركية والألمانية واليابانية باعتبارها أحد أهم الملاذات الآمنة التي يتجه إليها المستثمرون في أوقات الأزمات، بالإضافة إلى المعادن النفيسة على غرار الذهب الذي يعد إحدى أهم أدوات التحوط من التضخم. ولكن مع تفشي القلق بين أوساط المستثمرين في البدائل الآمنة الأخرى وانخفاض قيمتها، ظهر تحول قوي في ضخ السيولة داخل تلك السندات على الرغم من انخفاض العائد عليها.

وتراجعت أسعار الذهب الفورية بالربع الثالث من العام الحالي بنسبة بلغت 7.4 في المائة مقارنة مع الربع الثاني من العام وفق البيانات المستقاة من موقع بورصة لندن للمعادن.

وعلى أساس سنوي، انخفضت أسعار المعدن النفيس 8.29 في المائة في الربع الثالث من 2014، مقارنة مع الربع المقابل في 2013.

وقال محللون ومديرو صناديق استثمار لـ«الشرق الأوسط» إن سندات الملاذ الآمن باتت تجتذب شريحة أكبر من المستثمرين مع مخاوف بشأن وتيرة نمو الاقتصاد العالمي واحتمالية حدوث فقاعة سعرية جديدة في أسواق الأسهم حول العالم، مما يعطي بريقا لسندات الاقتصادات الكبرى على غرار الولايات المتحدة وألمانيا.

وأظهر تحليل لـ«الشرق الأوسط» انخفاض العائد على السندات العشرية، وهي السندات القياسية، للولايات المتحدة وألمانيا واليابان منذ مطلع العام الحالي وحتى الآن، مع تسارع وتيرة الهبوط بالربع الثالث من العام الحالي، وهو ما يؤكد ارتفاع الطلب على تلك السندات.

وزيادة الطلب على السندات تؤدي إلى ارتفاع سعرها وانخفاض العائد الاستثماري لها، نتيجة للعلاقة العكسية بين سعر السند والعائد عليه.

وخفض صندوق النقد الدولي من توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي في أكتوبر (تشرين الأول) بمقدار 0.1 في المائة إلى 3.3 في المائة في المتوسط دون تغيير عن عام 2013، وذلك مقارنة بتوقعاته الأخيرة في يوليو (تموز) الماضي، كما خفض أيضا من توقعاته بشأن نمو الاقتصاد خلال العام المقبل بنسبة 0.2 في المائة لتصل إلى 3.8 في المائة.

وأرجع الصندوق انخفاض النمو المتوقع لعام 2014 إلى النكسات التي أصابت النشاط الاقتصادي في البلدان المتقدمة خلال النصف الأول من العام، والآفاق الأقل تفاؤلا في العديد من اقتصادات الأسواق الصاعدة.

وتظهر حسابات الشرق الأوسط انخفاض العائد على السندات الأميركية القياسية لأجل عشر سنوات من مستوى قياسي في مطلع العام الحالي بلغ 3.009 في المائة إلى 2.53 في المائة بنهاية الربع الثالث من العام الحالي.

وشهد شهر فبراير (شباط) من العام الحالي أسوأ أداء للسندات العشرية حينما انخفضت بواقع 0.21 نقطة مقارنة مع الشهر السابق، فيما شهد شهر سبتمبر (أيلول) أفضل عائد مع ارتفاعه بواقع 0.1 في المائة تقريبا.

كما انخفض العائد على سندات أجل 30 عاما من مستوى 3.899 في المائة في يناير (كانون الثاني) إلى 3.074 في المائة في نهاية الربع الثالث من العام الحالي.

وكان شهر يناير أفضل أداء شهري لمثل تلك النوعية من السندات طويلة الأجل، فيما كان شهر سبتمبر الماضي هو الأسوأ حينما انخفض العائد على تلك السندات بواقع 0.15 في المائة.

وقالت سيسليا غلين، مديرة صندوق استثماري في أدوات الدخل الثابت لدى «سيتي غروب»، إن «هناك إقبالا أكبر على الاستثمار في أداوت الدخل الثابت خلال الفترة الماضية، وهو ما يعني استشعار المستثمرين ببعض الخطورة في الأصول الأقل أمانا. وفي مثل تلك الأوقات يكون أيضا هناك إقبال أكبر على أدوات الدين الحكومية لبعض الدول الكبرى على غرار الولايات المتحدة، وهو ما يفسر تراجع العائد على تلك السندات».

وتظهر الأرقام المنشورة على موقع الخزانة الأميركية بخصوص الاستثمارات الأجنبية في سنداتها زيادة حجم تلك الديون في أغسطس (آب) الماضي إلى 6.066 تريليون دولار، مقارنة مع 5.59 تريليون دولار للشهر المقابل من العام الماضي. وتأتي الصين في صدارة الدول الأكثر استثمارا في سندات الخزانة الأميركية مع استثمارات قدرت بنحو 1.269 تريليون دولار بنهاية أغسطس، مقارنة مع 1.264 تريليون دولار الشهر الذي يسبقه؛ أي أن الصين، وهي ثاني أكبر اقتصاد بالعالم بعد الولايات المتحدة، قد رفعت حجم استثماراتها في سندات الخزانة الأميركية بواقع 4.8 مليار دولار في شهر.

وعلى أساس سنوي، بلغت الاستثمارات الصينية في السندات الأميركية خلال أغسطس من العام الماضي نحو 1.268 تريليون دولار. أما الفئة التي توجد ضمنها الدول الخليجية والعربية المنتجة للبترول، فقد بلغ حجم استثماراتها في السندات الأميركية نحو 267.5 مليار دولار بنهاية أغسطس، ارتفاعا من 261.3 مليار دولار في يوليو، و246.5 مليار دولار على أساس سنوي في أغسطس من العام الماضي.

وتضم هذه الفئة إلى جانب الدول الخليجية الست، كلا من العراق والجزائر والغابون ونيجيريا وليبيا والإكوادور. وتحتفظ الحكومة الأميركية بنحو 40 في المائة من ديونها لمجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي والهيئات الحكومية مثل الصندوق الائتماني للضمان الاجتماعي، في حين يحتفظ المستثمرون الأميركيون والأجانب بنحو 30 في المائة لكل منهما.

وإلى السندات الألمانية، حيث أظهرت حسابات الشرق الأوسط تراجع العائد على السندات العشرية التي تصدرها ألمانيا، الاقتصاد الأقوى بمنطقة اليورو، من نحو 1.81 في المائة مطلع العام الحالي إلى 0.87 في المائة في أكتوبر الحالي، مع تسجيلها لأقل مستوى للعائد في عدة سنوات خلال منتصف الشهر عند مستوى 0.76 في المائة.

أما السندات اليابانية لنفس الفئة فقد انخفض العائد عليها من مستوى بلغ 0.74 في المائة في مطلع العام الحالي إلى 0.47 في المائة في منتصف أكتوبر الحالي.

وقال نادير لوفيسيتي، محلل أدوات الدخل الثابت لدى «دويتشه بنك»، إن «زيادة الاستثمارات في سندات الملاذ الآمن ترجع إلى مخاوف لدى المستثمرين من حدوث اضطرابات في أسواق الأسهم والسلع قد تنتج عنها كوارث اقتصادية جديدة». وأضاف لوفيسيتي «يتعين على المستثمرين في تلك النوعية من أداوت الدخل الثابت النظر عن كثب إلى مخاطر ارتفاع أسعار الفائدة من قبل البنوك المركزية، وهو أمر مستبعد في الوقت الحالي ولكن لا بد من وضعه نصب أعينهم».

ويغذي انخفاض العائد على السندات مخاوف المستثمرين إزاء خسارة رؤوس أموالهم إذا ما بدأت البنوك المركزية رغبة في رفع أسعار الفائدة، فعلى سبيل المثال السند الذي يمنح عائدا تبلغ قيمته 1 في المائة، تقل قيمته إذا ارتفعت أسعار الفائدة السائدة أو تساوت على أقل تقدير مع هذا الرقم.

ويثبت البنك المركزي الأميركي أسعار الفائدة لديه عند مستوى ربع نقطة مئوية، فيما تقف مستويات أسعار الفائدة للمركزي الياباني عند مستوى 0.1 في المائة منذ أواخر 2008، فيما تبلغ مستويات الفائدة للبنك المركزي الأوروبي والمعمول بها من قبل البنوك المركزية في منطقة اليورو بما فيها ألمانيا نحو 0.05 نقطة مئوية فقط.

وفي المقابل، ارتفع العائد على سندات الدول المتعثرة اقتصاديا، على غرار اليونان التي بلغ العائد على سنداتها العشرية مطلع العام الحالي نحو 7.71 في المائة، فيما بلغ العائد في منتصف تعاملات أكتوبر الحالي ما نسبته 8.96 في المائة. ويقول لوفيستي إن «البنوك المركزية تعمل من خلال برامجها للتيسير الكمي على الضغط على عوائد السندات، وهو ما يحدث بالفعل.. ولكن ماذا بعد أن تتوقف تلك البنوك عن ضخ الأموال الرخيصة بالأسواق؟ قد تصاحب ذلك معضلة كبيرة في أسواق السندات».

وتعول البنوك المركزية الكبرى على وضع برامج لشراء السندات لتقليل العائد على سنداتها، على غرار الفيدرالي الأميركي الذي يبلغ برنامجه لشراء السندات نحو 10 مليارات دولار شهريا بنهاية سبتمبر الماضي، من مستوى بلغ نحو 35 مليار دولار في مطلع العام الحالي.