باسكال صوما
لم يمرّ يوم أمس على خيرٍ في “مؤسسة كهرباء لبنان”. فمن جهةٍ وصل المياومون وجباة الإكراء إلى مرحلة نفاد الصبر ما أدّى إلى إشكالات في ما بينهم، ومن جهةٍ أخرى أضرب عدد من عمال ومستخدمي المؤسسة بدعوةٍ من نقابتهم.
فبين اعتصام المياومين أمام المؤسسة، وأمام شركة NEU ، والإضراب الذي دعت إليه النقابة، يبدو المشهد صورة مصغّرة عن معاناة العمّال في بلد “العتمة”، في ظلّ انشغال الدولة عن همومهم وتفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية يوماً بعد يوم. كثيرون من أبناء المياومين لم يدخلوا حتّى الآن إلى المدارس، كثيرون من جباة الإكراء لم يدفعوا إيجارات منازلهم منذ أشهر، مياومون آخرون لن يستطيعوا تأمين التدفئة لعائلاتهم على أبواب الشتاء، وعمالٌ آخرون ينتظرون قرار ترفيعهم المركون في الانتظار منذ سنوات.
ومن سخرية القدر أن يجتمع المياومون والنقابة، التي كانت تدعو إلى فتح أبواب المؤسسة وفك الاعتصام، ضدّ من يمنع وصولهم إلى حقوقهم، وأن يضعوا المؤسسة والمعنيين أمام الأمر الواقع.
صالح: لترفيع الملاك
يحذّر رئيس النقابة شربل صالح عبر “السفير” من “ما حدث أمس، إذ تعرّض عمال ومستخدمون للتهديد برواتبهم ومراكزهم في المؤسسة، في حال استجابوا لإضراب النقابة”، مشيراً إلى أنّ “هذه سابقة خطيرة ويجب الوقوف عندها، إذ لا يملك أحدٌ الحقّ لمنع عاملٍ من المطالبة بحقوقه”.
ويطالب صالح “بترفيع ملاك المؤسسة من الفئة السادسة الى الفئة الخامسة والفئة الخامسة الى الفئة الرابعة في السلكين الفني والإداري، تنفيذاً للمرسوم الرقم 967 الصادر في الجريدة الرسمية بتاريخ 21/2/2008، والذي يجيز للمؤسسة الترفيع، ولا يحتاج إلا لقرار يتخذ في مجلس إدارة المؤسسة، ويرسل لمجلس الخدمة المدنية لتنفيذه، مع العلم أن هذا الملف مضى على مطالبة النقابة بتنفيذه أكثر من سنتين ولم يبصر النور لتاريخه”. ويضيف: “لم تنفع المراجعات والكتب المتكررة لوزارة الطاقة والمياه السابقة وإدارة المؤسسة والجلسات التي عقدت مع مجلس الخدمة المدنية والتي أعطت الحق لهؤلاء المستخدمين بالترفيع، حيث ان كل القوانين والمراسيم المعنية بالمباراة المحصورة تنص على ترفيع ملاك المؤسسة لملء المراكز الشاغرة من الفائزين بالمباراة”.
ويؤكّد أنّ “النقابة ستتابع تحرّكها حتّى إقرار ترفيع الملاك الذي هو حقٌ من حقوقهم”، لافتاً الانتباه إلى أنّه “في حال لم تتم الاستجابة للمطالب قبل يوم غد، فإنّ النقابة ستجتمع لاتخاذ القرار للخطوات التصعيدية المقبلة، ومن المتوقّع أن يستمرّ الإضراب”.
ويعلّق صالح على إرسال مديرية الشؤون المالية رواتب العمال والمستخدمين إلى المصارف وبدل الأخطار للفنيين المستحقين حيث سيتم دفعها في وقتها غداً، ويقول: “هذه الفروقات مستحقة منذ أكثر من سنتين، والقرار لا ينص سوى على دفع جزء منها”. ويسأل: “وهل دفع حقوقنا أمر عظيم ويستحقّ “تربيح جميلة؟”.
نبرة عالية
علمت “السفير” أن “عمال ومستخدمي مؤسسة الكهرباء لم يلتزموا بشكل كامل بالإضراب أمس، فقد توجه المستخدمون من جميع الفئات إلى مراكز عملهم في مختلف الدوائر ومحطات التحويل ومعامل الإنتاج، إضافة الى معمل الذوق الحراري حيث المقر المؤقت للادارة المركزية، وزاولوا أعمالهم طبيعياً، لا سيما لجهة خدمة الزبائن وأعمال الفوترة والمناورات على شبكة التوتر المتوسط والصيانة في المعامل كافة”.
وفي المؤتمر الصحافي الذي عقدته النقابة، جدد رئيسها شربل صالح الدعوة “لجميع العمّال والمستخدمين وعلى كل الاراضي اللبنانية للإضراب والتوقف عن العمل طيلة فترة الإضراب (أي ثلاثة أيام أمس واليوم وغداً) الذي دعت اليه النقابة، الى حين البت بموضوع الترفيع”. وحمّل صالح “إدارة المؤسسة والمدراء مسؤولية دعوتهم العمال والمستخدمين للالتحاق بعملهم وعدم التقيد بالإضراب وتهديدهم بعدم دفع رواتبهم”.
ولم يخلُ كلام صالح من توجيه الانتقادات الى المياومين، معيداً الواقع الأليم الذي يعيشه عمال ومستخدمو ملاك مؤسسة كهرباء لبنان إلى “إضراب العمال المياومين وجباة الإكراء وإقفال المبنى المركزي وبعض الدوائر منذ ما يقارب الثلاثة أشهر وعدم وجود أي بارقة أمل بحل مشكلتهم”.
ودعا صالح “جميع العمال والمستخدمين لوقفة واحدة موحدة وعدم الانجرار للتضليل او الانصياع للضغوط من قبل رؤسائهم التسلسليين تجاه ما يحاك لعمال المؤسسة ومستخدميها بدءاً من الترفيعات للفئات المغبونة، مع العلم أن النقابة لا تنكر دور رئيس وأعضاء مجلس الإدارة وفضلهم بكل الترفيعات التي حصلت وطالت جميع الفئات باستثناء هؤلاء المغبونين (الفئة السادسة والفئة الخامسة) الذين وضع ملفهم في أدراج وزارة الطاقة والمياه السابقة لمدة تزيد عن السنة”. ولفت الانتباه إلى أن “الترفيع لا يحمِّل المؤسسة أي أعباء مالية سوى إعطاء مكافأة للعمال على سنوات خدمتهم في المؤسسة بوضع وسام على صدورهم قبل وفاتهم او بلوغهم السن القانونية”.
إشكال بين المياومين
في المقلب الآخر من المعاناة، وبعدما لم يفضِ الاعتصام المستمرّ منذ ثلاثة أشهر إلى أيّ نتيجة مرجوّة، نقلت مصادر لـ”السفير” أن “إشكالا حصل بين المياومين في الشارع المقابل لمكان اعتصامهم أمام شركة NEU في كورنيش النهر، تخلله استعمال العصي وآلات حادة”.
ولم يخلُ اعتصام أمس أيضاً من إشعال الإطارات قبالة مبنى “نيو رويال” حيث شركة “دباس” التي لم تدفع رواتبهم منذ أكثر من شهرين، لعلّ أحدهم يشعر بمئات العائلات المعرّضة للجوع والفقر، إزاء عدم إعطاء حقوق العاملين. ويستمرّ المياومون في اعتصامهم، بعدما نصبوا الخيم، وتبقى حقوقهم قيد المجهول منذ ثلاثة أشهر وحتى اليوم.