لبنان لم يعد يتكل على استيراد العلامات التجارية العالمية فحسب، بل أصبح هو من يصدر علاماته ومفاهيمه التسويقية التي تدخل في مختلف القطاعات الى نحو 45 بلدا حول العالم. فأصبحت صناعة الامتيازات تصديراً واستيراداً تشكّل اليوم 4% من الناتج القومي وتوفّر 99000 فرصة عمل، بحركة تقدر بـ 1,5 مليار دولار، فضلا عن أنه يشغَّل في لبنان 1100 مفهوم تسويقي وذلك في أكثر من 5500 نقطة بيع.
عام 2006 كان محطة بارزة لإنطلاق قطاع “الفرانشايز” بقوة الى الخارج. فالأزمات السياسية والأمنية عموما تدفع دائماً بالمؤسسات الى تعويض التراجع في الاسواق الداخلية عبر التوجه الى الاسواق الخارجية. هذه الاسواق فتحت الآفاق أمام الماركات اللبنانية، إذ أصبح الطلبُ يزداد على تصدير المفاهيم التسويقية، خصوصاً الى الدول العربية المجاورة التي تعي أصلا جودة السلع والخدمات اللبنانية والعلامات التجارية وخصوصا في قطاعات المطاعم، والمخابز، والمجوهرات والألبسة والموضة. وبما أن القطاع الخاص في لبنان أصبح خبيرا في طريقة ادارة الامتياز، فإنه أصبح وفق ما يقول رئيس جمعية تراخيص الامتياز “الفرانشايز” شارل عربيد من السهولة تصدير الامتياز الى أسواق جديدة. وهذا ما تعمل عليه الجمعية، إذ تنوي فتح آفاق للامتيازات اللبنانية في الدول الافريقية للافادة من وجود جالية لبنانية كبيرة وفعالة. “ولن نكتفي بتصدير السلع والخدمات بل كذلك طريقة العيش ونمط الحياة، لأن طريقة عيشنا من افضل ما لدينا”. علما أن قوة نظام الامتياز تكمن في كونه يعمل في قطاعات عدّة ويشغل صناعات عدة، “إذ إننا لا نقدّم السلعة فحسب، بل يضاف إليها المهارة والتصميم والتوضيب والمعلوماتية والتسويق، وتاليا فإنه يساهم في توفير العديد من فرص العمل”، لذا يشدد عربيد على أهمية ان لا نستهلك السلع والخدمات الأجنبية فقط، فاللبنانيون قادرون على ايجاد سلع وخدمات وعلامات تجارية، أظهرت جدارتها عبر المنافسة.
كلّ المؤشرات الإقتصادية إلى تراجع منذ العام الماضي. فالاستهلاك في الاسواق الداخلية تراجع بنحو 20% منذ بداية السنة (صناعة البيع بالتجزئة). وقد طاول هذا التراجع الحركة السياحية بنسب كبيرة جداً، كذلك تراجعت الصادرات الصناعية خلال الأشهر الـ6 الأولى بنسبة 17% تقريباً. كل هذه المؤشرات وغيرها جعلت من نسبة النمو بين 1 و 1,5%. وهذه النسبة تعتبر متدنية جدا مقارنة بزيادة نسبة السكان. فماذا عن قطاع الامتياز؟
لا ينكر عربيد أن قطاع “الفرانشايز” كغيره من القطاعات يتأثر على نحو مباشر بالوضع الداخلي. فموضوع الاستقرار اساسي في عالم الامتياز، لأن مشغّل الامتياز في الخارج لن يوقّع عقداً اذا كان بلد المنشأ يعاني اللااستقرار. ولكن أهمية القطاع تنبع من خلال الميزة التفاضلية والقيمة المضافة لصناعتنا وخدماتنا وعلامتنا التجارية، وكون قطاع “الفرانشايز” تصديري بامتياز، فإن ذلك يمنحه فرصة تعويض التراجع الذي قد يصيبه من جراء تراجع المؤشرات الاقتصادية.
وفي حديثه عن المشكلات التي تواجه القطاع، يشير عربيد الى تلك المتعلّقة بحماية الملكية الفكرية. وهنا يبرز دور وزارة الاقتصاد ونحن على تواصل دائم مع وزير الاقتصاد والمدير العام للوزارة، لكي نخلقَ بيئة تحمي العلامات التجارية والمهارة اللبنانية.
على نقيض ما تشكو منه القطاعات الاقتصادية الاخرى من منافسة، لا يجد عربيد أن العلامات التجارية العالمية تشكل مصدر قلق في السوق المحلية. فالسوق التي تضم علامات تجارية عالمية تحفّز العلامات التجارية المحلية على التنافس والعمل على تحسين جودتها ونوعيتها لكي تكون على مستوى المواصفات العالمية، لذا “نحاول أن نخلق تكاملاً بين المحلي والمستورد”. فجمعية تراخيص الامتياز “الفرانشايز” تضم أصحاب الامتيازات المحلية والمفاهيم التسويقية اللبنانية، فضلاً عن مشغلي الامتيازات العالمية، “لذا نتعاون بغية تعميم الفائدة وتطوير المبادرة في عالم الامتيازات”، خصوصا أن الدراسات التي أجراها الاتحاد الأوروبي بينت أن نحو 600 مفهوم تسويقي لبناني (من كل القطاعات) موجود في الخارج.
ولكن ألا يتخوف صاحب الامتياز من افشاء سر مهنته في سياق تشغيل “الفرانشايز”؟، يوضح عربيد أن عملية التبادل في المهارة، وهذه العملية طويلة، ويفترض أن يواصل صاحب الامتياز تزويد مشغله بتقنيات وأساليب جديدة. فالصناعات في العالم تطورت الى درجة أنه لم يعد ثمة ما يسمى “سرّ المصلحة”، بل أصبح هناك “ثقافة المنتج” التي تنبع من تراكم الخبرة والمعرفة، وتطوير دائم ويومي للأمور وتفاعل سريع مع متطلّبات الاسواق والتأقلم مع حاجتها. والعلامة التجارية التي تعتبر الضمانة للجودة وثقة وتراكم خبرة طويلة: “سر المصلحة” أصبحت مفهوما قديما، فيما “ثقافة المنتج” هي السائدة وهي تتطلب تراكم الخبرات والمعرفة.
مبادرة لتنشيط الشوارع التجارية
ظاهرة المجمعات التجارية التي غزت لبنان أخيرا حدت من نشاط الشوارع التجارية التقليدية، بما استدعى من جمعية تراخيص الامتياز التحرك لإعادة تنشيط هذه الشوارع، ولكن “على قاعدة المحافظة على المراكز التجارية أيضا كونها ساهمت في توفير الازدهار وفرص العمل”، وفق عربيد. ولأن الأسواق مكان للالتقاء والتواصل والتبادل الثقافي والتجاري اضافة الى تأثيرها المباشر في جذب المستهلكين، فقد عملت الجمعية بالتعاون مع البلديات وجمعية تجار بيروت والسلطات المحلية على اطلاق مبادرة لتطوير الاسواق الداخلية، عبر تشجيع أصحاب المؤسسات والعلامات التجارية (من مانحي الامتياز أو مشغليه) على إمتلاك مؤسسات خاصة بهم في هذه الشوارع، وحث القيمين على الاسواق والسلطات المحلية، على العمل المشترك لإعادة احياء هذه الشوارع ضمن تقنيات عالمية معروفة والتي تشمل الواجهات، اعادة العلامات، توفير العرض الكافي لاستقطاب الناس، تنظيم المواقف، تسهيل الدخول والامن. وهذه المبادرة تشمل تنشيط الأسواق في طرابلس، وجبيل، وصيدا وبيروت وفي الشوارع التقليدية.