سعود بن هاشم جليدان
يعتمد اقتصاد المملكة على القطاع النفطي بشكل أساس ورئيس وهذا من الحقائق المعروفة والمسلم بها. ويرد اسم المملكة كلما تطرق الحديث عن النفط أو تم ذكره في أي منتدى أو نقاش، حيث تملك المملكة أقوى المؤثرات على أسعار النفط العالمية. وفي المقابل تتأثر المملكة بشكل قوي إيجابا وسلبا بتغيرات أسعار النفط والطلب العالمي عليه. ويرجع معظم النجاحات المحققة في السنوات الماضية إلى التطورات الإيجابية في القطاع النفطي، كما تتسبب التطورات السلبية في جزء كبير من الإخفاقات التي عانت منها المملكة. ويبرز هذا التأثير بقوة على الناتج المحلي الإجمالي وإيرادات الدولة وعلى القطاع الخارجي. وشكل ناتج القطاع النفطي بالأسعار الجارية في السنوات الأخيرة نحو نصف الناتج المحلي الاسمي للمملكة، وقد أسهم هذا القطاع فعليا بنحو 47.4 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في الأسعار الجارية في عام 2013. ويسهم القطاع النفطي بصورة مباشرة وغير مباشرة في ناتج باقي القطاعات الاقتصادية. وسيقود تراجع أسعار النفط العالمية بنحو 20 دولارا للبرميل في الأربعة الأشهر الأخيرة من عام 2014 إلى تراجع ناتج القطاع النفطي الاسمي بنحو 5 في المائة في عام 2014 وذلك في حالة وجود نمو في الإنتاج النفطي الحقيقي بحدود 3 في المائة. وما لم يرتفع الناتج المحلي في القطاعين الخاص والحكومي بنسب لا تقل عن 5 في المائة فإن الناتج المحلي الإجمالي الاسمي سيشهد تراجعا في هذا العام. وإذا ما استمرت الأسعار عند هذه المستويات خلال العام المقبل فإن الناتج المحلي الاسمي للقطاع النفطي سيتراجع بنحو 20 في المائة في العام المقبل مما سيخفض الناتج المحلي الإجمالي الاسمي بنسبة تتجاوز 5 في المائة في عام 2015.
ولا يقتصر تأثير تقلبات أسعار النفط على الناتج المحلي الجاري، بل يشمل معظم القطاعات والسياسات الاقتصادية. ويظهر تأثيره بشكل قوي على السياسة المالية حيث تمثل إيرادات الدولة النفطية نحو 90 في المائة من إجمالي إيراداتها. ويؤثر تراجع أسعار النفط العالمية بقوة على إيرادات الدولة النفطية، حيث تنخفض قيمة الإيرادات النفطية بانخفاض قيمة النفط المصدر نفسه بصورة تقريبية. وتسهم إيرادات النفط ومنتجاته المحلية والمثبتة أسعارها بنسبة منخفضة، بل ولا تكاد تذكر في إجمالي إيرادات الدولة. ولهذا فمن المتوقع أن يؤدي تراجع أسعار النفط العالمية خلال الأربعة الأشهر الأخيرة من عام 2014 إلى تراجع الإيرادات النفطية بنحو 70 مليار ريال أو نحو 7 في المائة من الإيرادات النفطية. وسيؤدي هذا التراجع إلى ظهور عجز واضح في الميزانية هذا العام ما لم يتم كبح جماح النمو في الإنفاق الحكومي. وتشير بيانات مؤسسة النقد العربي السعودي إلى ظهور عجز بسيط في إنفاق الدولة في نهاية الثمانية الأشهر الأولى من عام 2014 وذلك قبل تراجع أسعار النفط، وهذا راجع بصورة رئيسة إلى النمو القوي في الإنفاق في هذه الفترة. وفي حالة استمرار بقاء أسعار النفط عند مستوياتها الحالية فإن الإيرادات النفطية في عام 2015 ستتراجع بنحو 20 في المائة أو نحو 200 مليار ريال، ما يعني ظهور عجز قوي في الميزانية. وسيكون العجز ممولا بصورة رئيسة من الاحتياطات الحكومية التي سيستمر الإنفاق منها على المشاريع الكبيرة مثل مشاريع الإسكان وتوسعة الحرمين وشبكات النقل العام في المدن.
وتشكل الصادرات النفطية معظم صادرات المملكة، حيث وصلت إلى نحو 84 في المائة من إجمالي صادرات المملكة في عام 2013. كما تؤثر تقلبات أسعار النفط على أسعار معظم الصادرات غير النفطية من البتروكيماويات، حيث ترتفع أسعارها مع ارتفاع أسعار النفط وتنخفض مع انخفاضه. ومن المتوقع أن تتراجع قيمة الصادرات هذا العام بما لا يقل عن 5 في المائة وبأكثر من 15 في المائة العام المقبل في حالة استمرار تراجع أسعار النفط وبقائها عند المستويات الحالية. وسيقود هذا التراجع إلى تراجع توقعات الفائض في الحساب الجاري السابقة بنحو 100 مليار ريال في هذا العام وبأكثر من 200 مليار ريال في العام المقبل.
إن تراجع أسعار النفط الحالي تراجع محدود ومع هذا فإن تأثيراته على المتغيرات الاقتصادية الرئيسة في المملكة قوي وملموس. وقد مرت فترة عدة سنوات أنعم الله بها على هذه البلاد بأسعار نفط مرتفعة، حتى تم التعود عليها وارتفع الإنفاق فيها إلى مستويات بدأت تتجاوز الإيرادات. ويدق تراجع أسعار النفط الأخير جرس إنذار للمسؤولين لزيادة مستويات التحوط المالي ومراجعة سياسات الإنفاق والتنوع الاقتصادي. لقد تطرقت خطط التنمية وتم الحديث كثيرا خلال العقود الماضية عن خفض الاعتماد على النفط كمصدر للناتج وإيرادات للدولة ومُشكِل لمعظم الصادرات، ولكن النجاح المحقق في هذه الأهداف ظل محدودا. ولهذا ينبغي أن يكون تراجع أسعار النفط الأخير دافعا لتبني سياسات مالية أكثر تحفظا وحصافة لرفع إنتاجية القطاعات الاقتصادية الأخرى ورأس المال والعمالة وذلك لخفض الاعتماد المرتفع على النفط.