هديل فرفور
عشرون عاماً مضت على مسلخ بيروت «المؤقت»، هنغار حديدي أقيم «ع السريع» على أحد العقارات في منطقة المدوّر عام 1994، على أن تكون مدة «إقامته» سنتين فقط. مُددت فترة «الإقامة»، تفاقم وضع المسلخ وتراكمت تداعياته، وعلى الرغم من افتقاره الى الشروط الصحية والبيئية وتهديده صحة المواطن وأمنه الغذائي والبيئي، إلا أن المسؤولين لم يستطيعوا حتى اليوم اتخاذ قرار بتأهيله أو ترميمه أو نقله الى مكانه القديم (قبالة الموقع الحالي في الكرنتينا، حيث كان المسلخ السابق لمدينة بيروت الذي أنشئ خلال الستينيات قبل أن يتم تدميره خلال الحرب الأهلية وشغله الجيش في ما بعد).
تشير المعطيات الى أن سبب «تمييع» الملف وعدم بته هو «طائفي بامتياز»، حسب ما تقول مصادر بلدية بيروت ووفق ما يلمّح إليه الرئيس التنفيذي لنقابة اتحاد القصابين وتجار المواشي معروف بكداش. كذلك، صرح رئيس البلدية بلال حمد في عام 2012 بأن «المسألة تحتاج الى اتصالات مع سياسيين، وتحديداً رؤساء الطوائف»، ذلك أن ثمة معارضة مسيحية لنقل المسلخ الى مكانه السابق لأن عقاره ملاصق لأراض تابعة للبطريركية المارونية. إلا أن المعضلة لا تقتصر على معارضة نقل المسلخ، إذ إن هناك معارضة أيضاً لتأهيله، وهو ما يوحي بأن الإهمال المتراكم على سنوات قد يكون متعمداً!
تقول مصادر البلدية إن دفتر الشروط اللازم للقيام بأعمال تأهيل كل المنشآت في المسلخ أحيل الى المجلس البلدي في 5/9/2012 ،إلا أن «المجلس لم يعرضه حتى اليوم لاتخاذ القرار المناسب بعد»، علماً بأن لجنة الصحة أوصت بتاريخ 10/8/2010 بضرورة إعادة صيانة وتأهيل المسلخ. «يتم تجنب الملف نتيجة اختلاف حاد بين أعضاء المجلس البلدي»، تقول مصادر البلدية، مضيفة إن «الأعضاء المسيحيين معارضون فكرة الترميم والتأهيل على حد سواء».
«الحل لا يكمن في تأهيل المسلخ، فالمشكلة لا تتعلّق فقط بالبنى التحتية، والممارسات التي يقوم بها تجار المواشي ستبقى على حالها»، يقول نائب رئيس بلدية بيروت نديم أبو رزق في حديثه إلى «الأخبار»، مضيفاً «إذا تحسّن هيدا الهنغار، طريقة الدبح ما رح تتغيّر».
الجدير ذكره أن ضعف البنى التحتية للمسلخ يزيد وضعه سوءاً، ففي فصل الشتاء، مثلا، تتسرّب مياه الأمطار من الأسقف الى الداخل، ويتسبب فيضان نهر بيروت بغمر الساحات الخارجية بالمياه بما يسهّل تسربها الى داخل المسلخ، فضلاً عن العوامل الأخرى التي تؤثر على نظافة اللحوم كصدأ الهنغار وثقوب الجدران التي تسمح بتسلل القوارض، وهي أمور لا ينفيها أبو رزق نفسه الذي يلفت الى «ضرورة حل المشكلة»، ولكن ليس بتأهيله، حسب ما يلمّح عبر إشارته إلى ضرورة التوجّه لإقفال هذا المسلخ ونقله إلى مكان آخر، مضيفاً إن «سكان المنطقة بجميع طوائفهم غير متمسكين بوجود المسلخ».
وهنا «التعجيز»، فأبو رزق يستبعد أن تكون منطقة الكرنتينا من ضمن الخيارات «المناسبة»، إذ يلفت إلى أن «هناك رؤية خدماتية لتلك المنطقة، ذلك أنها مدخل بيروت الشمالي الشرقي وهي منطقة مؤهلة لأن تشهد نمواً سياحياً راقياً»، وبالتالي لا تليق بأن تتضمن مسلخاً. ويضيف أبو رزق «عدم إمكانية فرض مشاريع على سكان تلك المنطقة».
«لا يريدون تأهيله، ولا يرغبون في نقله الى مكانه المناسب في الكرنتينا»، هكذا يعلّق بكداش على عرقلة بت ملف المسلخ من قبل الأعضاء المسيحيين. ويستطرد قائلا «اللي بنى المسلخ في الكرنتينا هوي بيار الجميل (وزير الداخلية حينها)»، لافتاً الى حاجة العاصمة الى إنشاء مسلخ حديث يتمتع بمواصفات صحية وبيئية. تمسّك بكداش بمنطقة الكرنيتا كموقع للمسلخ الحديث يعود، بحسبه، الى «كونه مناسباً لاستقبال المواشي من المرفأ نظراً لقربه من تجمّع مزارع المواشي في منطقة الشويفات الذي يضم 15 مزرعة، فضلا عن منطقة الفنار التي تضم 10 مزارع». وينتقد بكداش الاقتراحات التي يجري تداولها لمواقع المسلخ كمنطقة الشويفات، لافتاً الى أن هذه المناطق غير مؤهلة لاحتضان مسلخ «اللي فيها مكفيها». وإذ يركز على أن مطلب النقابة الرئيسي يتمثل بإنشاء مسلخ حديث، لا ترميم ذلك المؤقت، يشير الى أن «الوضع المتدهور للمسلخ» يحتم علينا المطالبة بتأهيله لتأمين الشروط الصحية اللازمة. في هذا الصدد تقول مصادر محافظ بيروت زياد شبيب إنه وافق على صرف تسليفات من أجل بعض التصليحات اللازمة، مشيرة الى أن المحافظ ينتظر من المجلس البلدي الانتهاء من دفتر الشروط المتعلّق بالمسلخ وأنه يتفق مع ما قاله وزير الزراعة أكرم شهيب عند زيارته المسلخ في أول الشهر الجاري بـ»أن الوضع كارثي» و»أن المدينة بحاجة الى انشاء مسلخ حديث». يقول بكداش في هذا الصدد إنه تلقى وعداً من شبيب بإنشاء مسلخ في بيروت الإدارية.
يُذكر أن هناك مشروعاً لإنشاء مسلخ حديث مقدم من رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري في 2004، إلا أنه كان يتم رفضه من قبل رئيس الجمهورية السابق اميل لحود، وفق ما يقول بكداش، فضلاً عن أن شهيب كان قد أعلن عن توفر مساعدة من الاتحاد الأوروبي لبناء مسلخ جديد وحديث، لافتاً الى «دراسة كاملة أعدت منذ عام 2012 في إطار عمل مشترك بين الوزارات المعنية وبلدية بيروت والمحافظة، لكن لم ينفذ منها شيء».
لمن لا يعرف المسلخ، هو عبارة عن هنغار مهترئ أقامته بلدية بيروت على أحد العقارات في منطقة المدوّر، بعدما طلب رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري من الجزّارين عام 1994 مغادرة المدينة الرياضية والتوجّه إلى المدوّر بشكلٍ مؤقت. يكشف تقرير ميداني أعدّ يإيعاز من نقابة المواشي الأوضاع «المأسوية» التي يعانيها المسلخ، ويلفت الى الكثير من الممارسات المنافية للشروط الصحية والبيئية، من الافتقار الى آليات التعقيم والمراقبة والمعاينة الطبية المسبقة لدخول الماشية الى صالة الذبح، حيث «تنقل أحشاء الذبائح والرؤوس والأقدام على عربات حديد صدئة وغير نظيفة وتطمر في غرفة صغيرة غير مؤهلة».
المفارقة أن القطع الكبيرة من اللحوم يتم نقلها على أكتاف العمال من صالة الذبح الى صالة العرض، من دون أن تمر بغرف تبريد!