IMLebanon

3 إرشادات أميركية لمكافحة تبييض الأموال في لبنان

Joumhouriya-Leb
أنطوان فرح
عانت قطاعات كثيرة في لبنان من تهم تبييض الاموال، على اعتبار ان هذه القطاعات تشكل بيئة حاضنة للتبييض، انطلاقا من طبيعتها التي تسمح لها باستخدام كميات كبيرة من الاموال النقدية، من دون ان تثير الريبة والشبهات. هذا ما حصل، على سبيل المثال مع قطاع تجارة السيارات المستعملة، ومع قطاع الصيرفة ومؤخرا مع قطاع تجارة المفروشات الراقية…

بعد القطوعات التي مرّت بها مجموعة من المؤسسات المالية والتجارية التي اتهمتها الولايات المتحدة الاميركية بالتبييض، تسري في هذه الحقبة انباء، لا تزال حتى الان في دائرة الشائعات، عن لائحة جديدة من الاتهامات التي تطاول مؤسسات مالية وتجارية.

ولكن الاجواء التي يعود بها من يُجري اتصالات مع المسؤولين الاميركيين عن ملف الجرائم المالية يمكن تلخيصها بنقاط ثلاث:

اولا – ان جرائم التبييض تنقسم الى مستويات متعددة. أخطر هذه المستويات هي تلك التي تتعلق بتمويل منظمات ودول تضعها الولايات المتحدة الاميركية حاليا على رأس قائمة المنظمات التي تجري محاربتها.

ثانيا – ان التبييض يمر في كثير من الاحيان عبر قنوات صغيرة، وليس بالضرورة عبر مؤسسات كبيرة. وهذه الطريقة بدأ يستخدمها الارهابيون لتبييض اموالهم، من خلال اعتماد سياسة تمرير الاموال الوسخة في مجموعة كبيرة من المؤسسات الصغيرة، التي لا يوحي حجم أعمالها بالشُبهة.

ثالثا – ان واشنطن تُدرك أهمية القطاع المصرفي اللبناني في الاقتصاد الوطني، وتدرك كذلك الضغوطات التي يتعرض لها هذا الاقتصاد بسبب تداعيات أزمات المنطقة، وفي مقدمها الأزمة السورية. وهي بالتالي، تتعاطى مع هذا الملف باسلوب حذر قد يوحي للبعض بأنه يتضمّن نوعا من التسامّح في بعض الحالات، على اعتبار ان حماية الاقتصاد اللبناني من الانهيار هي أيضا اولوية أميركية.

ضمن هذه المعطيات الثلاثة تتحرك السلطات الاميركية المختصة حيال عمليات التبييض في لبنان. وهي ترى ان ثقافة استسهال التبييض كطريقة لجني الاموال غير المشروعة، ينبغي ان تتغير. اذ ينبغي ان يشعر كل تاجر، صغيراً كان ام كبيراً، بخطورة القبول بلعبة تبييض الاموال.

في حين ان ما يجري أحياناً، يُثبت ان بعض التجار الصغار لا يستهيبون الدخول في التبييض من أجل مبالغ صغيرة وتافهة نسبيا، وكأن التبييض هو امر عادي، ولا ينطوي على مجازفة خطيرة رادعة.

الى ذلك، تُدرك السلطات الأميركية ان المصارف هي الاكثر حرصا على عدم التورّط في جرائم التبييض، لكنها لا تستطيع دائما ان تلعب دور التحري والرقيب القادر على اكتشاف كل عمليات التبييض التي قد يقوم بها زبون في مصرف.

وهي من اجل ذلك، تحاول ان تشجع المصارف على المزيد من الاجراءات الاحترازية، مع ان الاجراءات التي تتخذها المصارف اللبنانية تصل أحيانا الى حدود المبالغة، وتثير الانزعاج لدى المتعاملين معها.

تبقى النقطة الثالثة المتعلقة بأولويات السلطات الاميركية بالنسبة الى المنظمات التي تركّز على منعها من تبييض اموالها، وفي مقدمها حاليا حزب الله والنظام السوري وايران. وهذا ما يفسّر ربما التهمة التي وجهتها مؤخرا الى مجموعة ( DK) اللبنانية، بتسهيل تمرير كميات كبيرة من الاموال النقدية التي تمّت طباعتها في روسيا، الى سوريا.

ومع ان ادارة المجموعة نفت التهمة، الا ان ذلك لا يمنع ان العقوبات التي تمّ فرضها سوف تؤثر على اعمال المجموعة. وستضطر المصارف التي تتعامل مع هذه المؤسسة الى قطع علاقاتها معها، وستكون الأخيرة مُلزمة بمحاولة العمل خارج اطار النظام المصرفي، وهذا الامر شبه مستحيل.

تجدر الاشارة الى ان المجموعة اللبنانية هي وكيلة مؤسسة غوزناك Goznak الروسية المتخصصة بطباعة النقد، وهي تتولى حاليا طباعة النقد السوري بطلب من النظام هناك. والتهمة الموجهة الى مجموعة ( DK) اللبنانية انها قدمت المساعدة التقنية والمادية من اجل تأمين نقل الاموال المطبوعة من روسيا الى البنك المركزي السوري.

جدير بالذكر أيضاً، ان السلطات السورية كانت تطبع النقد في النمسا، لكن الاخيرة رفضت مواصلة هذا العمل بعد بدء الأزمة السورية، وفرض عقوبات على النظام. ولجأت سوريا الى روسيا لطباعة النقد.

وقد اكد وزير المالية السوري محمد الجليلاتي خلال زيارة قام بها الى موسكو اخيرا، ان هذه الكميات من النقد هي من اجل سد الحاجات الاقتصادية السورية، وانها لن تتسبّب بالتضخّم لأنها ستحلّ بدلاً من النقد المستعمل والذي تآكل مع الزمن وينبغي استبداله بعملة جديدة. لكن هذا الكلام لا يبدو منطقياً، بدليل التراجع الكبير في قيمة الليرة السورية، والذي يشير الى تضخّم ينمو بسرعة بسبب طباعة النقد من دون تغطية اقتصادية مُقنعة.

هذا الواقع يدفع الى الاعتقاد أيضاً، انه لن يكون في مقدور الحكومة اللبنانية قبول الهبة الايرانية المُقدّمة الى الجيش اللبناني، لأن ذلك قد يُعتبر بمثابة خرق للعقوبات الأميركية المفروضة على ايران، وهذه مغامرة أقرب الى المجازفة الطائشة في هذه الظروف، ولن تكون في مصلحة لبنان.

في المرحلة المقبلة، مطلوب من السلطات اللبنانية المختصة ان تأخذ النقاط الثلاث المتعلقة بالتبييض على محمل الجد، وأن توجّه جهودها في هذا الاتجاه الذي يُعتبر بمثابة خريطة طريق أميركية للبقاء في دائرة الحماية والآمان.