تقرير: رولان خاطر
لم تسقط المدينة العربية، الإسلامية – المسيحية، مدينة الوحدة الوطنية، في شرخ الارهاب. استردّت السلطة المدينة من أنياب من يدّعون بالدين حقاً ووسيلة لردّ الظلم، فيما هم “أجراء”، لدى هذا من “سرايا المقاومة” وتلك من المجموعات التي تعيث الأرض إرهاباً، وإجراماً، وقتلاً، ومرتهنون لهذا الحزب أو ذاك النظام القاتل، الذين يعملون على محاولة ضرب الإسلام المعتدل، وكل مبادئ الثورات العربية لدفنها في مراسم حزن تبدأ في سوريا، ولا تنتهي في لبنان.
استردّت السلطة المدينة بشكل موقت، لكنها لم تستردّ لا أمناً، ولا سلاماً، ولا اقتصاداً، ولا كرامةً. هي في الظاهر، بسطت سلاماً، لكنها لم تحصنه، وفرضت أمناً لكنّها أبقت عوامل التفجير حاضرة، وأشعلت بشهداء مؤسستها العسكرية شعلة الكرامة، لكنها لم تصنها، أما اقتصاد المدينة فرأسه غارق في تراب الحسابات السياسية.
أسئلة كثيرة رافقت العملية العسكرية الأخيرة في طرابلس ومحيطها، باتت تطرح أكثر من علامة استفهام بشأن “التسوية” التي حصلت، ومن هم “عرّابوها”؟
– لماذا يسود الشارع اللبناني اقتناع بأن بعض الأجهزة الأمنية الرسمية كان جزءاً من “الاتفاق” الذي قضى بالخروج الآمن للمجموعات المسلحة؟
– لماذا لم يأت الجواب بعد على الأسئلة التي طرحت بشأن من موّل وسلّح ودرّب وغطّى تلك المجموعات التي كانت تتحرك على مرأى من القوى الأمنية؟
– ولماذا لم يلق القبض عليهم قبلاً خصوصاً أن معلومات كانت تتردّد عن تحضيرات يقوم بها كل من المولوي ومنصور من أجل إحداث فوضى أمنية في المدينة، والاعتداء على الجيش وخطف عناصره، وأن الأجهزة الأمنية كانت تنوي القيام بضربة استباقية لردعهم؟
– لماذا انتظرت الأجهزة الأمنية لكي يتمادى الشيخ حبلص وجماعته ويدعو أهل السنّة للتمرّد؟ ولماذا لم تقف السلطة في لبنان عند نداءات فعاليات طرابلس الذين دعوا اكثر من مرة إلى إلقاء القبض على كل من يعمل لتغذية القتنة في البلد؟
– لماذا انتظرت ليسقط خيرة ضباط وجنود الجيش شهداء في معارك كان يمكن تجنّبها؟
ظلمٌ وراءه ظلم، يرافق المدينة منذ خروج أبو عمّار منها في ثمانينات القرن الماضي، ووقوعها بين أنياب الإجرام السوري لفترات طويلة، والمذابح التي تعرض لها اهل المدينة، لكن أن “يأتيك الظلم من ذوي القربى فالطبع سيكون أشدّ مرارة”.
هي عناوين ومسميّات تتردّد في الإعلام، كعنوان إنشاء “الإمارة الاسلامية” في الشمال، وربطها مباشرة بالواقع الجيوسياسي المستجد في جرود عرسال، والقلمون، إلا أن الحقيقة غير ذلك، فهناك من يحاول:
– ضرب أمن لبنان عبر استهداف أمن طرابلس مستفيداً من خصوصيتها وتركيبتها الطائفية.
– تفكيك عناصر الاعتدال السُنّي عبر ضرب أهم معاقله في الشمال، من طرابلس إلى عكار، والمتمثل بطبيعة الحال بـ”تيار المستقبل”، المطوّق أمنياً وسياسياً في بيروت، ومن الرياض الى باريس.
– الرهان على عامل الفقر الاستثنائي المستفحل في المدينة، لإنشاء فرق تتبع 8 آذار، وتحديدا “حزب الله” الذي يعمل على تجنيد مجموعات في عاصمة الشمال تسيء الى صورة أهلها.
هي مؤامرة تستهدف طرابلس، والاسلام المعتدل، وعبره كل لبنان، من خلال طرابلس، لذلك بات لزاماً الاستثمار في طرابلس سياسياً واقتصادياً لتفادي أيّ تفجيرات في المستقبل، خصوصاً أن من غطوا المولوي ومنصور وحبلص ما زالوا يتربعون على مناصبهم. لذلك، المطلوب القيام بإجراءات في الأمن والسياسة والاقتصاد، تتكامل مع بعضها البعض:
– في الأمن: قرار جريء يقضي بإجراء تشكيلات أمنية في طرابلس والشمال، تبعد المسؤولين الأمنيين الذين يتحملون مسؤوليات واضحة في ما جرى، وأقله لناحية التقصير في المعالجات المسبقة لما جرى.
– استكمال تثبيت الخطة الأمنية في كل الشمال، في طرابلس والمناطق المحيطة، ترافقها دعوات عامة في المساجد وعبر الخطاب السياسي، لرفض كل دعوة للفتنة، والتأكيد على التمسك بالدولة ومؤسساتها الشرعية. وتتزامن هذه الخطوات مع العامل الأهم لحماية طرابلس، ألا وهو بدء المباشرة بإصلاحات اقتصادية مهمة.
– استقطاب الشباب الطرابلسي في مؤسسات ومشاريع تنموية جدية خصوصاً أن الفقر يمكن وصفه بالاستثنائي في هذه المدينة.
– إبعاد منطق الخلافات والحسابات السياسية التي ترهق المدينة، والإفراج من قبل السلطة السياسية الحاكمة عن المبلغ الذي خصص لإنماء المدينة والذي يبلغ نحو 100 مليون دولار، والذي جمّد نتيجة الخلافات السياسية.
– إجراء دراسات اقتصادية شاملة ودقيقة والتفتيش عن العناصر التي تساعد في ازدهار المنحى الاجتماعي والاقتصادي للمدينة خصوصاً وللشمال عموماً، وفي هذا الإطار، استكمال البنى التحتية لمرفأ طرابلس الذي يوفّر بطبيعة الحال فرص عمل لعدد كبير من اليد العاملة الطرابلسية.
– تنفيذ مشروع سكة الحديد الذي ينطلق من طرابلس ويصل إلى الداخل السوري، والذي يمكن الاعتماد عليه مستقبلاً بعد تحسّن العلاقات بين البلدين.
– إعادة طرح مسألة مصفاة طرابلس من زاوية استراتيجية، بحيث يمكن الاستفادة منها بشكل ايجابي، كذلك، يوفر فرص عمل ويحرك الدورة الاقتصادية في المدينة.
– الإفراج عن مشروع “مطار رينيه معوض” الذي يأتي بيد عاملة شمالية كبيرة، ويساعد أولاً في ازدهار المدينة اقتصادياً، وفي تحرير القرار السياسي وطنياً.
عاصمة الشمال لطالما كانت وستبقى مثالا للعيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد، تحتاج الى لفتة رسمية وقرارات مسؤولة ورجال يسهرون على تنفيذ القرارات، وعندها فقط تتغيّر كل المعطيات.